الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[عود إلى القول في تأجيل بعض المهر]
فإن قيل: فما تقولون فيما لو تجمَّلوا وجعلوه حالًا، وقد اتفقوا [في الباطن] (1) على تأخيره كصدقات النساء في هذه الأزمنة في الغالب: هل للمرأة أن تطالب به قبل الفرقة أو الموت؟
[مهر السر ومهر العلن]
قيل: هذا ينبني على أصل، وهو إذا اتفقا في السر على مهر وسموا في العلانية أكثر منه، هل يؤخذ بالسر أو بالعلانية؟ فهذه المسألة مما اضطربت فيها أقوال المتأخرين؛ لعدم إحاطتهم بمقاصد الأئمة، ولا بد من كشف غطائها، ولها في الأصل صورتان:
إحداهما: أن يعقدوه في العلانية بألفَيْن مثلًا، وقد اتفقوا قبل ذلك أن المهر ألف وأن الزيادة سمعة، من غير أن يعقدوه [في العلانية](2) بالأقل؛ فالذي عليه القاضي ومَنْ بعده من أصحاب أحمد أن المهر هو المسمّى في العقد، ولا اعتبار بما اتفقوا عليه قبل ذلك، هان قامت به البينة أو تصادقوا عليه، وسواء كان مهر العلانية من جنس مهر السر أو من جنس غيره أو أقل منه أو أكثر، قالوا: وهو ظاهرُ كلام أحمد في مواضع، قال في رواية ابن بدينا في الرجل (3) يصدق صداقًا
= الليث تمسك برأيه، وأن ما عليه أهل كل بلد له حجة وأصل، أما ما انتقده الليث من أقوال الإمام فكله أجاب عنه أصحابه في كتب الفقه والخلافيات، وليس المحل لاستقصاء ذلك، وإنما ذلك في الكتاب صورة من صور النزاع الذي كان واقعًا في هذا العصر، وصورة من أصول الفقه". وانظر لها:"المدخل إلى الإكليل"(68) للحاكم.
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ك) و (ق).
(3)
في (و): "قال في رواية يزيد: ثنا في الرجل"، وعلق قائلًا:"هكذا في نسخة، وفي نسخة ابن بدينا، وفي كتاب "إبطال التحليل" الشيخ الإسلام ابن تيمية الذي ينقل عنه ابن القيم هذا ورد: "قال في رواية ابن المنذر" (ص 155 ج 3 - فتاوى ابن تيمية - طبع دار الكتب الحديثية) " اهـ.
قلت: تحرف (ابن بدينا) في مطبوع "إبطال التحليل"(ص 155) إلى (ابن المنذر) في طبعة "مجموع الفتاوى"، ووقعت على الجادة (ص 155 - بتحقيق د. فيحان المطيري)، وهو محمد بن الحسن بن هارون بن بدينا، أبو جعفر الموصلي، توفي سنة (303)، ترجمته في "المقصد الأرشد"(2/ 388)، وانظر تعليقي على "القواعد" لابن رجب (1/ 265).
في السر والعلانية (1) شيئًا آخر: يؤخذ بالعلانية، وقال في رواية أبي الحارث: إذا تزوجها في العلانية على شيء وأسَرَّ غير ذلك أخذنا بالعلانية وإن كان قد أشهد في السر بغير ذلك، وقال في رواية الأثرم في رجل أصدق صداقًا سرًا وصداقًا علانية: يؤخذ بالعلانية إذا كان قد أقر به، قيل له: فقد أشهد شهودًا في السر بغيره؟ قال: وإنْ، أليس قد أقر بهذا (2) أيضًا عند شهود؟ يؤخذ بالعلانية (3).
قال شيخنا (4): "ومعنى قوله: "أقرَّ به" أي رضي به والتزمه؛ لقوله سبحانه: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: 81] وهذا يعم التسمية في العقد والاعتراف بعده، ويقال: أقر بالجزية، وأقر للسلطان بالطاعة، وهذا كثير في كلامهم، وقال في رواية صالح في الرجل يعلن مهرًا ويخفي آخر: آخذ بما يعلن؛ لأن العلانية قد أشهد (5) على نفسه، وينبغي لهم أن يفوا له بما كان أسَرَّه (6)، وقال في رواية ابن منصور: إذا تزوج امرأة في السر بمهر وأعلنوا مهرًا آخر ينبغي لهم أن يَفُوا، وأما هو فيؤاخذ (7) بالعلانية (8)، قال القاضي وغيره: فقد أطلق القول بمهر العلانية، [وإنما قال: ينبغي لهم أن (9)] يَفُوا بما أسروا (10)، على طريق الاختيار؛ لئلا يحصل منهم غرور له في ذلك، وهذا القول هو قول الشعبي (11)، وأبي قِلابة (12) وابن أبي ليلى (13)،. . . . . . .
(1) في (و) و (ق): "في السر وفي العلانية".
(2)
في (ن) و (ك): "بها".
(3)
انظر: "المغني"(10/ 172)، و"شرح الزركشي على مختصر الخرقي"(5/ 324 - 326)، و"الإنصاف"(8/ 293)، و"المبدع"(7/ 165)، و"الفروع"(5/ 267)، و"المقنع"(3/ 89)، و"الكافي"(2/ 716).
(4)
في كتاب "بيان الدليل على بطلان التحليل" لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 155 - 158)، وما بين المعقوفتين منه.
(5)
زاد (د) بعدها: "بها"!!
(6)
في "مسائل صالح": "بما كان أسر"، وانظرها (3/ 140/ 1520).
(7)
في (د)، و (ط) و (ق):"فيؤخذ"، وكذا في مطبوع "بيان الدليل".
(8)
هذا النص غير موجود في مطبوع "مسائل ابن منصور".
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من مطبوع "بيان الدليل".
(10)
في (ق) و (ك): "سروه".
(11)
و (12) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(4/ 151)، وسعيد بن منصور في "السنن"(رقم 1101)، وعبد الرزاق في "المصنف"(6/ رقم 10447) وانظر "الإشراف على مذاهب العلماء"(4/ 59).
(13)
رواه عنه سعيد بن منصور في "السنن"(رقم 1101) وذكره ابن المنذر في "الإشراف"(4/ 59).
وابن شبرمة (1)، والأوزاعي (2)، وهو قول الشافعي (3) المشهور عنه، وقد نص في موضع آخر [على] أنه يؤاخذ (4) بمهر السر، فقيل: في هذه المسألة قولان، وقيل: بل ذلك في الصورة الثانية كما سيأتي [إن شاء اللَّه تعالى]، وقال كثير من أهل العلم أو أكثرهم: إذا عَلم الشهودُ أن المهر الذي يظهره سمعة وأن أصل المهر كذا وكذا ثم تزوج وأعلن الذي قال فالمهر هو السر، والسمعة باطلة، وهذا هو قول الزهري (5) والحكم بن عُتيبة (6) ومالك (7)، والثوري (8)، والليث، وأبي حنيفة وأصحابه (9)، وإسحاق، وعن شُريح (10)، والحسن (11) كالقولين، وذكر القاضي [في موضع] عن أبي حنيفة أنه يبطل المهر ويجب مهر المثل، وهو خلاف ما حكاه عنه أصحابه وغيرهم (12)، وقد نُقل عن أحمد ما يقتضي أن الاعتبار بالسر إذا ثبت أن العلانية تَلْجئة، فقال: إذا كان الرجل (13) قد أظهر صداقًا وأسرّ غير ذلك نظر في البينات والشهود، وكان الظاهر أوْكَدَ، إلا أن تقوم بيْنةٌ تدفع العلانية، قال القاضي: وقد تأول أبو حفص العكبري هذا على أن بينة السر عدول وبينة العلانية غير عدول، فحكم بالعدول، قال القاضي: وظاهر هذا أنه يحكم بمهر السر إذا لم تقم بينة عادلة بمهر العلانية (14).
(1)"بيان الدليل"(156).
(2)
انظر: "فقه الإمام الأوزاعي"(2/ 46)، "الإشراف"(4/ 59) لابن المنذر.
(3)
انظر: "مغني المحتاج"(3/ 228)، و"نهاية المحتاج"(6/ 346)، و"الإشراف"(4/ 59) لابن المنذر.
(4)
في (د)، و (ط) و (ق):"فيؤخذ"، وكذا في مطبوع "بيان الدليل".
(5)
رواه عنه ابن أبي شيبة (4/ 151).
(6)
رواه عنه ابن أبي شيبة (4/ 151)، وفي (ن):"ابن عيينة"!! وفي (ك): "عتبة".
(7)
انظر: "الخرشي"(3/ 272).
(8)
رواه عنه عبد الرزاق (6/ 187 رقم 10447)، وحكاه ابن المنذر في "الإشراف"(4/ 59)، وانظر:"موسوعة فقه سفيان"(755 - 756).
(9)
انظر: "فتح القدير"(3/ 329)، و"تحفة الفقهاء"(2/ 218).
(10)
رواه عنه ابن أبي شيبة (4/ 151)، وسعيد بن منصور في "السنن"(998).
(11)
رواه عنه ابن أبي شيبة (4/ 151)، وسعيد (998)، وعبد الرزاق (10446).
(12)
انظر: "فتح القدير"(3/ 330).
(13)
في (ط) و (د) و (ق): "رجل" بدون "الـ".
(14)
في (ن) و (ق): "حكم. . . نكاح العلانية"، وفي مطبوع:"بيان الدليل"(ص 158): "أنه حكم بنكاح السر إذا لم تقم بينة عادلة بنكاح العلانية".
وقال أبو حفص: إذا تكافأت البينات وقد شرطوا في السر أن الذي يظهر في العلانية للرِّياء (1) والسمعة فينبغي لهم أن يَفُوا له بهذا الشرط ولا يطالبوه بالظاهر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون على شروطهم"(2) قال القاضي: وظاهر هذا الكلام من أبي حفص أنه قد جعل للسرِّ حكمًا، قال:"والمذهب على ما ذكرناه".
قال شيخنا (3): "كلام أبي حفص الأول فيما إذا قامت البيّنة بأن النكاح عقد في السر بالمهر القليل، ولم يثبت نكاح العلانية، وكلامه الثاني فيما إذا ثبت نكاح العلانية، ولكن تشارطوا أن ما يظهرون من الزيادة (4) على ما اتفقوا عليه للرياء والسمعة".
قال شيخنا (5): "وهذا الذي ذكره أبو حفص أشبه بكلام الإمام أحمد وأصوله؛ فإن عامة كلامه في هذه المسألة إنما هو إذا اختلف الزوج والمرأة ولم يثبت بينة ولا اعتراف أن مهر العلانية سُمعة، بل شهدت البينة أنه تزوجها بالأكثر وادَّعى عليه ذلك فإنه يجب أن يؤخذ بما أقر به [لسانُه] إنشاءً أو إخبارًا؛ فإذا أقام شهودًا يشهدون أنهم تراضَوْا بدون ذلك [حكم بـ] البينة (6) الأولى؛ لأن (7) التراضي بالأقل في وقت لا يمنع التراضي بما زاد عليه في وقت آخر، ألا ترى أنه قال: آخذ بالعلانية لأنه قد (8) أشهد على نفسه، وينبغي لهم أن يَفُوا بما كان
(1) في (د)، و (ط) و (ق):"الرياء".
(2)
سبق تخريجه.
(3)
ما زال الكلام لابن تيمية في "بيان الدليل"(ص 158).
(4)
في (ق) ومطبوع "بيان الدليل": "إنما يظهرون الزيادة".
(5)
في "بيان الدليل"(ص 158 - 161)، وما بين المعقوفتين منه فقط.
(6)
كذا في "بيان الدليل" و (و)، وسقط من (د)، و (ط) كلمة:"حكم"، وقال (د):"في الأصل بياض بين قوله: "ذلك"، وقوله: "البينة"، ولعله سقط منه لفظ: "عمل على" كما يدل عليه لاحق الكلام، ويكون أصل العبارة "بدون ذلك عمل على البينة الأولى"!!
ونحوه باختصار في (ح)، و (ط)، وقال (و):"هنا في الأصل بياض بعد كلمة "ذلك"، وقد راجعناه على مصدره الأصلي، وهو كتاب "التحليل"، فأثبتنا ما بين القوسين، وهو [حكم بـ] ".
قلت: وكذلك في (ن) و (ق) بياض بين "ذلك"، و"البينة".
(7)
قال (و): "في الأصل "أنَّ"، والتصويب عن المصدر الأصلي".
قلت: يريد "بيان الدليل"(ص 159 - ط المطيري).
(8)
في مطبوع: "بيان الدليل": "لأن العلانية قد. . . ".
أسَرَّهُ؛ فقوله: "لأنه قد أشهد على نفسه" دليل على أنه إنما يلزمه في الحكم فقط، وإلا فما يجب [فيما] بينه وبين اللَّه لا يُعَلَّلُ بالإشهاد، وكذلك قوله:"ينبغي لهم أن يَفُوا له، وأما هو فيؤاخذ (1) بالعلانية" دليلٌ على أنه يُحكم عليه به وأن أولئك يجب عليهم الوفاء، وقوله:"ينبغي" يستعمل في الواجب أكثر مما يستعمل في المستحب (2)، ويدل على ذلك أنه قد قال أيضًا في امرأة تزوجت في العلانية على ألف وفي السر على خمس مئة فاختلفوا في ذلك: فإنْ كانت البينة في السر والعلانية سواء أخذ بالعلانية لأنه أحوط وهو فرج يؤاخذ (3) بالأكثر، وقيدت المسألة بأنهم اختلفوا وأن كليهما قامت به بينة عادلة.
وإنما يظهر ذلك بالكلام في الصورة الثانية، وهو ما إذا تزوجها في السر بألف، ثم تزوجها في العلانية بالفين مع بقاء النكاح الأول، فهنا قال القاضي في "المجرد" و"الجامع": إن تصادقا على نكاح السر لزم نكاح السر بمهر السر؛ لأن النكاح المتقدم قد صح [ولزم، والنكاح](4) المتأخر عنه لا يتعلق به حكم، ويحمل (5) مطلق كلام أحمد والخرقي (6) على مثل هذه الصورة، وهذا مذهب الشافعي (7)، وقال الخرقي:(إذا تزوجها على صداقين سر وعلانية أخذ بالعلانية وإن كان السر قد انعقد النكاح به)(8)، وهذا منصوص كلام أحمد في قوله:[إن](9) تزوجت (10) في العلانية على ألف وفي السر على خمس مئة، وعموم كلامه المتقدم يشمل هذه الصورة والتي قبلها، وهذا هو الذي ذكره القاضي في "خلافه"، وعليه أكثر الأصحاب، ثم طريقته وطريقة جماعة في ذلك أن [يجعلوا](11) ما أظهراه زيادة في المهر، والزيادة فيه بعد لزومه لازمة، وعلى هذا فلو كان السر هو الأكثر أخذ به أيضًا، وهو معنى قول الإمام أحمد: "آخذ
(1) في (د) و (ط) و (ك) و (ق): "فيؤخذ"، وكذا في "بيان الدليل".
(2)
انظر: "بدائع الفوائد"(4/ 3)، و"الداء والدواء"(ص 194)، وقد مرَّ هذا المبحث.
(3)
في (ط) و (د) و (ق): "يؤخذ".
(4)
في (و): "ولزوم النكاح".
(5)
في مطبوع "بيان الدليل": "وحمل".
(6)
في "مختصره"(5/ 324 - مع شرح الزركشي).
(7)
انظر: "مغني المحتاج"(3/ 228)، و"نهاية المحتاج"(6/ 346).
(8)
انظر قول الخرقي في "مختصره"(7/ 201/ 5638 - مع "المغني").
(9)
ما بين المعقوفتين من (ط)، و (د)، وسقط من سائر النسخ، و"بيان الدليل".
(10)
في (ك): "زوجت".
(11)
ما بين المعقوفتين من (و)، و"بيان الدليل".