الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يمكن فصلها وتمييزها، ولا يمكن أن يجعل في مقابلة تلك الأجزاء من الرطب ما يتساويان به عند الكمال؛ إذ هو ظنٌّ وحسبان، فكان المنع من بيع أحدهما بالآخر محضُ القياس ولو (1) لم تأت به سُنَّة، وحتى لو لم يكن ربًا ولا القياس يقتضيه لكان أصلًا قائمًا بنفسه يجب التسليم والانقياد له كما يجب التسليم لسائر نصوصه المحكمة، ومن العجب رد هذه السنة بدعوى أنها مخالفة للقياس والأصول وتحريم بيع الكسب بالسِّمسم ودعوى أن ذلك موافق للأصول، فكلُّ أحد يعلم أن جريان الربا بين التمر والرطب أقرب إلى الربا نصًا وقياسًا ومعقولًا من جريانه بين الكسب والسمسم.
[رد الإقراع بين الأعبد الستة]
المثال الرابع والعشرون: رد المحكم الصريح الصحيح من السنة بالإقراع بين الأَعْبُد الستة المُوصى بعتقهم (2)، وقالوا: هذا خلافُ الأصول، بالمتشابه من رأي فاسد وقياس باطل (3)، بأنهم إمّا أن يكونَ كلُّ واحد منهم قد استحقّ العِتْقَ فلا يجوز نقله عنه إلى غيره أو لم يستحقه فلا يجوز أن يعتق منهم أحد، وهذا الرأي الباطل كما أنه في مصادمة السنة فهو فاسد في نفسه؛ فإن العتق إنما استحق في ثلث ماله ليس إلّا، والقياس والأصول تقتضي جمع الثلث في محل واحد، كما إذا أوصى بثلاثة دراهم وهي كل ماله، فلم يُجز الورثة، فإنّا ندفع إلى المُوصى له درهمًا ولا نجعله شريكًا بثلث كل درهم، ونظائر ذلك؛ فهذا المُعتق لعبيده كأنه أوصى بعتق ثلثهم؛ إذ هذا هو الذي يملكه، وفيه صحة الوصية؛ فالحكم بجمع (4) الثلث في اثنين منهم أحسن عقلًا وشرعًا وفطرة مِنْ جَعْل الثلث شائعًا في كل واحد منهم، فحكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة خيرٌ من حكم غيره بالرأي المحض.
[رد تحريم الرجوع في الهبة]
المثال الخامس والعشرون: رد السنة الصريحة المحكمة في تحريم الرجوع
(1) في المطبوع: "لو".
(2)
مضى تخريجه.
(3)
انظر كلام ابن القيم على الحديث، وتوجيه قول الإمام أحمد: حديث الحسن عن عمران لا يصح في "الطرق الحكمية"(ص 323، 340 - 343، 367 - 368).
(4)
في (ك): "بجميع".
في الهبة [لكل أحد] إلا للوالد (1) برأي متشابه فاسد اقتضى عكس السنة وأنه يجوز الرجوع في الهبة لكل أحدٍ إلا لوالدٍ أو لذي رَحم محرم أو لزوج أو زوجة أو يكون الواهب قد أُثيب منها، ففي هذه المواضع الأربعة يمتنع الرجوع وفرَّقوا بين الأجنبي والرحم بأن هبةَ القريب صلةٌ، ولا يجوز قطعها، وهبة الأجنبي تبرّع، وله أن يمضيه وأن لا يمضيه، وهذا مع كونه مصادمًا للسنة مصادمة محضة فهو فاسد؛ لأن الموهوبَ له حين قَبضَ العَينَ الموهوبة دَخَلت في مُلكه، وجاز له التصرّف فيها؛ فرجوع الواهب فيها انتزاع لملكه منه بغير رضاه، وهذا باطل شرعًا وعقلًا، وأما الوالد فولده جزء منه، وهو وماله لأبيه (2)، وبينهما من البعضية ما يوجب شدة الاتصال، بخلاف الأجنبي.
فإن قيل: لم نخالفه إلا بنصٍّ صريح صحيح، وهو حديث سالم عن أبيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ وَهَبَ هبةً فهو أحقُّ بها ما لم يَثُبْ منها"(3)، قال البيهقي: قال لنا أبو
(1) رواه أحمد (2/ 27 و 78)، وأبو داود (3539) في "البيوع والإجارات": باب الرجوع في الهبة، والترمذي (1299) في (البيوع): باب ما جاء في الرجوع في الهبة، والنسائي (6/ 265) في (الهبة): باب رجوع الوالد فيما يعطي ولده، و (6/ 267 و 268) في باب ذكر الاختلاف على طاوس في الراجع في هبته، وابن ماجه (2377) في (الهبات): باب من أعطى ولده ثم رجع فيه، وابن الجارود (994)، وأبو يعلى (2717)، وابن حبان (5123)، والدارقطني (3/ 42 - 43)، والحاكم (2/ 46)، والبيهقي (6/ 179) من حديث حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عباس وابن عمر.
وسنده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمرو بن شعيب، فقد روى له أصحاب السنن وهو ثقة.
وما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(2)
كما ورد في الحديث الصحيح، وتقدم تخريجه.
(3)
رواه الدارقطني (3/ 43)، وفي "العلل"(2/ 58)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 52)، والبيهقي في "سننه الكبرى"(6/ 180 - 181)، وابن الجوزي في "التحقيق" (8/ 160 رقم 1864 - ط قلعجي) من طريق عبيد اللَّه بن موسى: أنبانا حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالم بن عبد اللَّه عن ابن عمر مرفوعًا به.
قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، إلا أن نكل الحمل فيه على شيخنا"، ولم يتعقبه الذهبي بشيء في المطبوع، أما المناوي فقال في "فيض القدير":"وقفت على نسخة من تلخيص "المستدرك" للذهبي بخطه، فرأيته كتب على الهامش بخطه ما صورته: موضوع"، ولم ينقل ذلك ابن الملقن.
قلت: شيخ الحاكم هذا متابع، وإنما الخطأ فيه من عبيد اللَّه بن موسى. =
عبد اللَّه -يعني الحاكم-: هذا حديث صحيح، إلّا أن يكون الحمل فيه على شيخنا، يُريد: أحمد بن إسحاق بن محمد بن خالد الهاشمي، ورواه الحاكم من حديث عمرو بن دينار عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الواهب أحق بهبته ما لم يُثَبْ"(1)، وفي كتاب الدارقطني من حديث حَمَّاد بن سلمة، عن قَتَادة، عن الحَسَن، عن سَمُرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كانت الهبة لذي رَحمٍ محرم لم يَرجع فيها"(2)،
= قال الدارقطني: والصواب عن ابن عمر عن عمر موقوفًا، وكذا في "العلل"(2/ 57 - 58) له.
وقال البيهقي في "معرفة السنن والآثار"(9/ 68 - 69): وغَلِط فيه عبيد اللَّه بن موسى، والصحيح رواية عبد اللَّه بن وهب عن حنظلة عن سالم عن أبيه عن عمر موقوفًا، ثم رواه من هذا الطريق في "السنن الكبرى"(6/ 181)، وتابع ابن وهب عليه مكي بن إبراهيم، رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 81).
وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 271): وروى ابن عيينة عن عمرو عن سالم عن ابن عمر عن عمر قوله، وهذا أصح. وله طرق أخرى عن عمر قوله عند الطحاوي (4/ 81، 82).
أقول: وعبيد اللَّه بن موسى هذا ثقة؛ إلّا أنّه وَهم كما قالوا، ورواه إبراهيم بن إسماعيل بن جارية فقال: عن عمرو بن دينار عن أبي هريرة مرفوعًا.
رواه ابن ماجه (2387) في (الأحكام): باب من وهب هبة رجاء ثوابها، وابن أبي شيبة (6/ 474)، والدارقطني (3/ 43)، والبيهقي في "الكبرى"(6/ 181)، وابن الجوزي في "التحقيق"(8/ 160 رقم 1865).
قال البيهقي: وهذا المتن بهذا الإسناد أليق، وإبراهيم بن إسماعيل ضعيف عند أهل العلم بالحديث، وعمرو بن دينار عن أبي هريرة منقطع، والمحفوظ عن عمرو بن دينار عن سالم عن ابن عمر عن عمر، قال البخاري: هذا أصح، وهذا ذكره البخاري في "التاريخ"(1/ 271) ونحوه قال البوصيري، وعبد الحق الإشبيلي في "أحكامه"(5/ 441)، وابن القطان في "بيان الوهم والإيهام"(5/ 441) ثم احتمل الوجهين فيه (5/ 456).
وفي الباب عن ابن عباس: رواه الدارقطني في "سننه"(3/ 44)، وفيه زيادة، وسيورد المصنف سنده ولفظه قريبًا.
ورواه الطبراني في "الكبير"(11317) من طريق ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس.
وابن أبي ليلى ضعيف سيء الحفظ، وهو مخالف لحديث:"لا يحل للرجل أن يعطي الحطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده".
(1)
مضى تخريجه في الذي قبله.
(2)
رواه الدارقطني (3/ 44)، والحاكم (2/ 52)، والبيهقي (6/ 181)، وابن الجوزي في "التحقيق"(8/ 161 رقم 1866 - ط قلعجي) من طريق عبد اللَّه بن جعفر عن ابن المبارك =
وفي "الغيلانيات": ثنا إبراهيم بن [أبي](1) يحيى، عن محمد بن عبيد اللَّه (2)، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ وَهب [هبة] (3) فارتجع بها فهو أحقُّ بها ما لم يثب منها، ولكنّه كالكلب يعود في قيئه"(4).
فالجواب أن هذه الأحاديث لا تثبت، ولو ثبتت لم تحل مخالفتها ووجب
= عن حماد بن سلمة به، وقال الدارقطني: تفرد به عبد اللَّه بن جعفر.
أقول: وهو الرقي، ثقة، أما الحاكم فصححه على شرط البخاري!
وقال البيهقي: ليس إسناده بالقوي.
وقال ابن عبد الهادي في "التنقيح" -كما في "نصب الراية"(4/ 127): وليس هو في المطبوع من "التنقيح"(3/ 100 - ط دار الكتب العلمية): "رواة هذا كلهم ثقات، ولكنه حديث منكر، وهو من أنكر ما رُوي عن الحسن عن سمرة"، ثم وجدتُ الذهبي في "التنقيح" (8/ 161) يقول عنه أيضًا:"الحديث منكر".
أقول: والحسن البصري في سماعه من سمرة كلام طويل.
والنكارة فيه أنه يخالف الحديث الصحيح: "لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده"، كما سيلمح إليه المصنف قريبًا، خلافًا لما ذهب إليه الشيخ النابه النبيل الشريف حاتم العوني في "المرسل الخفي"(3/ 1447 - 1448)، فانظر كلامه إن شئت الاستزادة، واللَّه الموفق والهادي.
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(2)
كذا في (ن) و (ك) وهو الصواب وفي سائر الأصول: "عبد اللَّه".
(3)
في (ق) و (ك): "منه"، وقال في هامش (ق):"لعله: هبة".
(4)
أخرجه الدارقطني (3/ 44) -ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق"(8/ 162 رقم 1867) - من طريق يحيى بن غيلان: حدثنا إبراهيم بن أبي يحيى به. وإسناده ضعيف جدًا؛ إبراهيم ومحمد الحرزمي متروكان، قاله الذهبي في "التنقيح"(8/ 161 - 162)، وأعلّه عبد الحق في "أحكامه"(3/ 313) بمحمد بن عبيد اللَّه العرزمي، قال:"وهو ضعيفٌ"، وتعقبه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (3/ 135) بقوله:"وبقي عليه أن يبيّن أنه لا يصل إلى العرزمي إلا على لسان كَذَّاب، لعل الجناية منه، وهو إبراهيم بن أبي يحيى، وهو بنفسه قد نَسب إليه الكذب في مواضع".
وانظر: "أطراف الغرائب والأفراد"(3/ 198 رقم 2418 - ط. دار الكتب العلمية).
(تنبيه): ظن المصنف أن الحديث في "الغيلانيات"، لوجود (يحيى بن غيلان)!! -وهو ثقة- في إسناده، فأراد أن يعلو في عزوه، فالحديث ليس فيه بطبعاته الثلاث، ولم يعزه غيره له إلّا من قلَّده.
و"الغيلانيَّات" نسبة إلى ما رواه أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزاز عن صاحبها أبي بكر محمد بن عبد اللَّه الشافعي، ولا صلة لها بـ (يحيى بن غيلان)، فتنبه لذاك، تولَّى اللَّه هداك.
العمل بها وبحديث: "لا يحلُّ لواهب أن يرجعَ في هبته"(1)، ولا يبطل أحدهما بالآخر، ويكون الواهب الذي لا يحل له الرجوع من وهب تبرُّعًا محضًا لا لأجل العِوَض، والواهبُ الذي له الرجوعُ مَنْ وَهبَ ليتعوَّض من هبته ويثاب منها، فلم يفعل المُتَّهب، وتستعمل (2) سنن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلها، ولا يُضرب بعضها ببعض، أما حديث ابن عمر فقال الدارقطني (3):"لا يثبت مرفوعًا، والصواب عن ابن عمر عن عمر قوله"، وقال البيهقي (4):"ورواه علي بن سَهْل بن المغيرة، عن عُبيد اللَّه بن موسى، ثنا حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعتُ سالم بن عبد اللَّه، فذكره، وهو غير محفوظ بهذا الإسناد، وإنما يُروى عن إبراهيم بن إسماعيل بن مُجمِّع، وإبراهيم ضعيف"، انتهى.
وقال الدارقطني: "غَلِط فيه علي بن سهل"، انتهى. وإبراهيم بن إسماعيل (5) هذا قال أبو نعيم (6): لا يُساوي حديثه فلسين، وقال أبو حاتم الرازي (7): لا يُحتج به، وقال يحيى بن معين (8): إبراهيم بن إسماعيل المكي ليس بشيء، وقال البيهقي (9): والمحفوظ عن عمرو بن دينار، عن سالم، عن أبيه، عن عمر:"مَنْ وهب هبة فلم يُثَب منها فهو أحق بها إلا لذي رحم محرم"(10) قال البخاري (11): هذا أصح.
وأما حديث عُبيد اللَّه بن موسى عن حنظلة فلا أراه إلا وَهْمًا، وأما حديث حماد بن سلمة فمن رواية عبد اللَّه بن جعفر الرَّقي عن ابن المبارك، وعبد اللَّه هذا ضعيف (12) عندهم.
(1) تقدم تخريجه قريبًا.
(2)
الكلمتان في (ق) و (ك): بالنون بدل الياء.
(3)
في "سننه"(3/ 44)، و"علله"(2/ 57 - 58).
(4)
في "سننه الكبرى"(6/ 181)، و"المعرفة"(9/ 68 - 69).
(5)
قال في هامش (ق): "إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ضعيف".
(6)
ذكره عنه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(2/ 84)، وأبو نعيم هو الفضل بن دكين.
(7)
في "الجرح والتعديل"(2/ 84) وعبارته كما هي هناك: "يكتب حديثه ولا يحتج به وهو قريب من ابن أبي حبيبة كثير الوهم ليس بالقوي".
(8)
في "تاريخ الدوري"(2/ 6).
(9)
في "السنن الكبرى"(6/ 181).
(10)
مضى تخريجه قريبًا.
(11)
في "التاريخ الكبير"(1/ 271).
(12)
بل هو ثقة، لكنه تغير بأَخرة فلم يفحش اختلاطه، وانظر له:"المختلطين"(ص 61 رقم 24) للعلائي، و"الكواكب النيرات"(ص 299 - 304)، و"الاغتباط"(ص 186)، و"تهذيب الكمال"(14/ 376 رقم 3204)، و"التقريب"(3253).