الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتقوه بحسب استطاعتهم، وأصل التقوى معرفة ما يُتَّقى ثم العمل به؛ فالواجب على كل عبد أن يبذل جَهده في معرفة ما يتقيه مما أمره اللَّه به ونهاه عنه، ثم يلتزم طاعة اللَّه ورسوله، وما خفي عليه فهو (1) فيه أسوة أمثاله ممن عدا الرسول؛ فكل (2) أحد سواه قد خفي عليه بعض ما جاء به، ولم يخرجه ذلك عن كونه من أهل العلم، ولم يكلفه اللَّه ما لا يطيق من معرفة الحق واتباعه. قال أبو عمر (3): وليس أحدٌ بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا وقد خفي عليه بعض أمره، فإذا أوجبَ اللَّه [سبحانه](4) على كل أحد ما استطاعه وبلغته قواه من معرفة الحق وعَذَرَه فيما خفي عليه منه فأخطأ أو قَلَّد فيه غيره كان ذلك هو مقتضى حكمته وعدله ورحمته، بخلاف ما لو فوّض إلى العباد (5) تقليد من شاءوا من العلماء، وأن يختارَ كلٌّ منهم [له](6) رجلًا ينصبه معيارًا على وحيه، ويُعرض عن أخذ الأحكام واقتباسها من مِشكاة الوحي؛ فإن هذا ينافي حكمته ورحمته وإحسانه، ويؤدي إلى ضياع دينه وهجْر كتابه وسنة رسوله كما وقع فيه من وقع، وباللَّه التوفيق.
[فرق عظيم بين المقلد والمأموم]
الوجه التاسع (7) والستون: قولكم: "إنكم في تقليدكم بمنزلة المأموم مع الإمام والمتبوع مع التابع فالركب (8) خلف الدليل" جوابه إنا واللَّه حولها نُدنْدِن، ولكن الشأن في الإمام والدليل والمتبوع الذي فَرضَ اللَّه على الخلائق أن تأتم به وتتبعه وتسير خلفه، وأقسم سبحانه بعزَّته أن العباد لو أتوْه من كل طريق أو استفتحوا من كل باب لم يُفتح لهم حتى يدخلوا خلفه؛ فهذا لعمر اللَّه هو إمام الخلق ودليلهم وقائدهم حقًا، ولم يجعل اللَّه منصب الإمامة بعده إلا لمن دعا إليه، ودَلَّ عليه، وأمر الناس أن يقتدوا به، ويأتموا به، وبسيروا خلفه، وأن لا ينصبوا لأنفسهم (9) متبوعًا ولا إمامًا ولا دليلًا غيره، بل يكون العلماء مع الناس بمنزلة أئمة (10) الصلاة مع المصلين، كل واحدٍ يصلي طاعة للَّه وامتثالًا لأمره، وهم في الجماعة متعاونون متساعدون وبمنزلة (11) الوفد مع الدليل، كلهم يَحجُّ
(1) كذا في الأصول ولعل الصواب: "فله".
(2)
في (ك): "إذ كل".
(3)
لم أظفر به في: "جامع بيان العلم".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
في المطبوع: "فرض على العباد".
(6)
ما بين المعقوفتين من (ق) و (ك).
(7)
في (ق) و (ك): "الثامن".
(8)
في (ق) و (ك): "والركب".
(9)
في المطبوع: "لنفوسهم".
(10)
ساقطة من (ك).
(11)
في كذا في (ق)، وفي باقي النسح:"بمنزلة".
طاعةً للَّه وامتثالًا لأمره، لا أن المأموم يصلي لأجل كون الإمام يصلي (1)، بل هو يصلي صَلَّى إمامه أو لا بخلاف المقلد؛ فإنه إنما ذهب إلى قول متبوعه لأنه قاله، لا لأن الرسول قاله، ولو كان كذلك لدار مع قول الرسول أين كان ولم يكن مقلدًا. فاحتجاجهم بإمام الصلاة ودليل الحاج من أظهر الحجج (2) عليهم.
يوضحه الوجه السبعون: (3) أن المأموم قد علم أن هذه الصلاة التي فَرضَها اللَّه سبحانه على عباده، وأنه وإمامَه في وجوبها سواء، وأن هذا البيت هو الذي فرض اللَّه حجَّه على كل من استطاع إليه سبيلًا، وأنه هو والدليل في هذا الفرض سواء، فهو لم يحج تقليدًا للدليل، ولم يصل تقليدًا للإمام.
وقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم دليلًا يدلُّه (4) على طريق المدينة لما هاجر الهِجْرَة التي فرضها اللَّه عليه (5)، وصلَّى خلف عبد الرحمن بن عوْف مأمومًا (6)، والعالم يُصلِّي خلف مثله ومن هو دونه، بل خلف من ليس بعالم، وليس من تقليده في شيء.
يوضحه الوجه الحادي والسبعون: (7) أن المأموم يأتي بمثل ما يأتي به الإمام سواء، والركب يأتون بمثل ما يأتي به الدليل، ولو لم يفعلا ذلك لما كان هذا متَّبعًا، فالمتبع للأئمة هو الذي يأتي بمثل ما أتوا به سواء من معرفة الدليل وتقديم الحجة وتحكيمها حيث كانت ومع من كانت؛ فهذا يكون مُتَّبعًا لهم، وأما مع إعراضه عن الأصل الذي قامت عليه إمامتهم، ويسلك غير سبيلهم ثم يدَّعي أنه مؤتمٌ بهم فتلك أمانيُّهم، ويقال لهم:{هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النحل: 64].
(1) في (ك): "لأن المأموم يصلي لا لأجل الإمام يصلي".
(2)
في (ق) و (ك): "الأدلة".
(3)
في (ق) و (ك): "الوجه التاسع والتسعون".
(4)
"رواية البخاري: واستأجر رسول اللَّه وأبو بكر رجلًا من بني الديل، وهو من بني عبد بن عدي هاديًا خريتًا"، والخريت -بكسر الخاء وتشديد الدال-: الماهر بالهداية. وهناك في اسمه خلاف، فهو عبد اللَّه بن أرقد، أو أريقد، أو أريقط، أو رقيط" (و).
(5)
رواه البخاري (2263) في الإجارة: باب استئجار المشركين عند الضرورة و (2264) باب إذا استاجر أجيرًا ليعمل له بعد ثلاثة أيام أو بعد شهر أو بعد سنة جاز و (3905) في مناقب الأنصار: باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، من حديث عائشة أم المؤمنين.
(6)
رواه مسلم (421) في الصلاة: باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم، من حديث المغيرة بن شعبة.
(7)
في (ق) و (ك): "الوجه السبعون".