الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نعم، قال: اذهب فإن اللَّه قد عفا عنك" (1)، وفي لفظ: "إن اللَّه قد غفر لك ذنبك، أو حَدَّكَ"، ومن تراجم النَّسائي على هذا الحديث: "من اعترف بحد ولم يُسَمِّه" (2) وللناس فيه ثلاث مسالك:
• هذا أحدها.
• والثاني: أنه خاص بذلك الرجل.
• والثالث: سقوط الحد بالتوبة قبل القدرة عليه، وهذا أصح المسالك.
فصل [من أسباب سقوط الحد عام المجاعة]
المثال الثالث: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أسقط (3) القَطْع عن السارق في عام المَجَاعة، قال السعدي (4): حدثنا هارون بن إسماعيل الخَرَّاز: ثنا علي بن المبارك: ثنا يحيى بن أبي كثير: حدثني حَسَّان بن زاهر أن ابن حُدَيْر حدثه عن عمر قال: "لا تُقْطَعُ اليد في عَذْق ولا عَامَ سنَة"(5)، قال السعدي: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: العَذْقُ: النخلة، وعام سنة: المجاعة، فقلت
(1) الحديث في "صحيح مسلم" كتاب (التوبة): باب قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (2765)، وعند النسائي -كما قال ابن القيم- في "السنن الكبرى"(7312 - 7316) في (الرجم) باب من اعترف بحد ولم يسمِّه، وغيرهما عن أبي أمامة، ووقع في بعض طرق النسائي عن واثلة بن الأسقع، وبيَّن رحمه الله خطأ راويه في ذلك فقال: ولا نعلم أحدًا تابع الوليد على قوله: عن واثلة، والصواب أبو هانئ عن أبي أمامة.
وأخرجه البخاري في "الصحيح" كتاب (المحاربين): باب إذا أقر بالحد، ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه؟ رقم (6823)، ومسلم الموضع السابق نفسه رقم (2764)، عن أنس رضي الله عنه.
وانظر: "الخلافيات"(رقم 19 - بتحقيقي).
(2)
انظر: "السنن الكبرى" للنسائي (4/ 314).
(3)
هو لم يسقط الحد، ولكن وجد أن شروطه في هذه الحالة لم تتوفر لإقامته، فامتثل الأمر رضي الله عنه.
(4)
السعدي هو الإِمام الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب السعدي، تتلمذ على يد الإِمام أحمد، وأخذ الفقه عنه، وتتلمذ على يديه خلق كثير منهم: أبو داود والترمذي والنسائي رحمهم الله جميعًا- اختلف في عام وفاته، فقيل: سنة 256 هـ، وقيل: 259 هـ، لم يطبع له إلا "أحوال الرجال" و"أمارات النبوة"، انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ"(2/ 549/ 568).
(5)
أخرجه السعدي في "جامعه" -كما قال الحافظ في "التلخيص"(4/ 70) - عن أحمد بن حنبل عن هارون بن إسماعيل به، فسقط أحمد بن حنبل من الإسناد الذي ذكره ابن القيم رحمه الله. =
لأحمد: تقول به؟ فقال: إِي لعمري، قلت: إن سَرَق في مجاعة لا تقطعه؟ فقال: لا، إذا حملته الحاجة على ذلك والناسُ في مجاعة وشدة.
قال السعدي: وهذا على نحو قضية عمر في غلمان حاطب، ثنا أبو النُّعمان عارم: ثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن حاطب (1) أن غِلْمة لحاطب بن أبي بَلْتعة سرقوا ناقة لرجل من مُزَينة، فأتى بهم عمر، فأقّروا، فأرسل إلى عبد الرحمن بن حاطب فجاء فقال [له] (2): إن غلمان حاطب سرقوا ناقة رجل من مُزَينة وأقروا على أنفسهم، فقال عمر: يَا كثير بن الصَّلْت اذهب فاقطع أيديهم، فلما ولَّى بهم (3) ردَّهم عمر ثم قال: أما واللَّه لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حرَّم اللَّه عليه حَلَّ له لقطعت أيديهم، وأيم اللَّه إذ لم أفعل لأُغَرمنَّك غرامة تُوجِعُكَ، ثم قال: يَا مُزَني بكم أريدت منك ناقتك؟ قال: بأربع مئة، قال عمر: اذهب فأعْطه ثماني مئة (4).
وذهب أحمد إلى موافقة عمر في الفَصْلَيْنِ جميعًا؛ ففي "مسائل إسماعيل بن سعيد الشالنجي" التي شَرَحَها السعدي بكتاب سماه "المترجم"(5)، قال: سألت
= وعلّق البخاري في "تاريخه الكبير"(3/ 4) أوّله من طرق عن يحيى بن أبي كثير به، والأثر فيه حسان بن زاهر، وحُصين بن حُدَير ترجمهما البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيهما جرحًا ولا تعديلًا، وهما على شرط ابن حبان في "الثِّقات"!
(1)
في (و): "عن أبي حاطب".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
في (ن): "فلما مضى بهم"، وفي (ك) و (ق):"فلما قفى بهم".
(4)
روى هذه القصة مالك (2/ 748 رواية يحيى ورقم 2905 - رواية أبي مصعب) وعبد الرزاق (18978) والبيهقي في "سننه الكبرى"(8/ 278) و"معرفة السنن"(رقم 17242) من طريق هشام بن عروة به، وسَمَّى ابن حاطب: يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، وهو لم يدرك عمر قطعًا مات سنة 104 هـ.
قال ابن التركماني في "الجوهر النقي": "وذكر ابن وهب في "موطئه" الحديث بمعناه من طريقين: من رواية يحيى بن عبد الرحمن عن أبيه، وأبوه عبد الرحمن سمع عمر، وَرَوى عنه وليس عند جمهور رواة "الموطأ": عن أبيه قال أبو عمر (ابن عبد البر): أظن ابن وهب وَهِمَ فيه".
قلت: رواية عبد الرزاق عن ابن جريج ثني هشام بن عروة عن عروة أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أخبره عن أبيه فذكر القصة، وأن الغرامة وقعت في مال عبد الرحمن بن حاطب، فهذه تقوي رواية ابن وهب بذكر عبد الرحمن بن حاطب، واللَّه أعلم، وانظر -لزامًا- "الاستذكار" لابن عبد البر (22/ 258 - 262).
(5)
انظر في التعريف به تعليقي على "القواعد" لابن رجب (2/ 304 - 305).