الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به النصُّ (1)، وهذا هو المحفوظ عن الصحابة والتابعين (1)، وهو قول الجمهور (2)، وحكاه أبو حفص نصًا (3) عن أحمد، وهو قول أصحابه، وقول طائفة من أصحاب الشافعي، وذكر بعضُهم أن الشافعي نص على أن نكاح الهازل لا يصح بخلاف طلاقه، ومذهب مالك الذي رواه ابن القاسم عنه وعليه العمل عند أصحابه أن هزل النكاح والطلاق لازم، بخلاف البيع، وروى عنه علي بن زياد أن نكاح الهازل لا يجوز، قال بعض أصحابه: فإن قام دليلُ الهزل لم يلزمه عتق ولا نكاح ولا طلاق، ولا شيء عليه من الصَّدَاق، وأما بيع الهازل وتصرفاته المالية فإنه لا يصح عند القاضي أبي يعلى وأكثر أصحابه، وهو قول الحنفية والمالكية. وقال أبو الخطاب [في "انتصاره"] (4): يصح بيعه كطلاقه، وخَرَّجها بعض الشافعية على وجهين، ومن قال بالصحة قاس سائر التصرفات على النكاح والطلاق والرجعة.
[الهازل يقصد السبب لا الحكم]
والفقه فيه أن الهازل أتى بالقول غيرَ ملتزِم لحكمه، وترتيبُ الأحكام على الأسباب للشارع لا للعاقد، فإذا أتى بالسبب لزمه حكمه شاء أم أبى؛ لأن ذلك لا يقف على اختياره، وذلك أن الهازل قاصدٌ للقول مريدٌ له مع علمه بمعناه وموجبه، وقَصْدُ اللفظ المتضمن للمعنى قَصْدٌ لذلك المعنى لتلازمهما، إلا أن يعارضه قصدٌ آخر كالمكره والمخادع المحتال؛ فإنهما قَصَدا شيئًا آخر غير معنى القول وموجبه، ألا ترى أن المكره قصد دفع العذاب عن نفسه ولم يقصد السبب ابتداءً. والمحلِّل قصد إعادتها إلى المطلق، وذلك منافٍ لقصده موجب السبب، وأما الهازل فقَصَد السبب ولم يقصد حكمه ولا ما ينافي حكمه فترتب عليه أثره.
فإن قيل: هذا ينتقض عليكم بلغو اليمين فإنه لا يترتب عليه حُكْمُه.
قيل: اللاغي لم بقصد السبب، وإنما جَرَى على لسانه من غير قصد؛ فهو بمنزلة كلام النائم والمغلوب على عقله، وأيضًا فالهزل أمر باطن لا يُعْرَف إلا من جهة الهازل، فلا يقبل قوله في إبطال حق العاقد [الآخر](4)، ومَنْ فرَّق بين البيع وبابه والنكاح وبابه قال: الحديثُ والآثارُ تدل على أن من العقود ما يكون جده
(1) انظر التخريجات السابقة قريبًا.
(2)
انظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 643)، و"المغني"(9/ 463 و 10/ 373)، و"زاد المعاد"(5/ 204)، و"تكملة المجموع"(15/ 418).
(3)
تحرفت في المطبوع إلى: "أيضًا".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
وهزله سواء، ومنها ما لا يكون كذلك، وإلا لقال: العقود كلها أو الكلام كله جده وهزله سواء، وأما من جهة المعنى فإن النكاح والطلاق والرجعة والعتق فيها حقُّ للَّه تعالى؛ أما العتق فظاهر، وأما الطلاق فإنه يوجب تحريم البُضْع، ولهذا تجب إقامة الشهادة فيه وإن لم تطلبها الزوجة، وكذلك في النكاح فإنه يفيدُ حِلَّ ما كان حرامًا وحرمة ما كان حلالًا وهو التحريم الثابت بالمصاهرة؛ ولهذا لا يُستباح إلا بالمهر، وإذا كان كذلك لم يكن للعبد -مع تعاطي السبب الموجب لهذه الأحكام- أن لا يرتب عليها موجباتها، كما ليس له ذلك في كلمات الكفر إذا هَزَل بها كما صرَّح به القرآن؛ فإن الكلام المتضمن لحق اللَّه لا يمكن قوله مع رفع ذلك الحق؛ إذ ليس للعبد أن يهزل مع ربه ولا يستهزئ بآياته ولا يتلاعب بحدوده، وفي حديث أبي موسى:"ما بالُ أقوامٍ يلعبون بحدود اللَّه ويستهزئون بآياته"(1)[وذلك في الهازلين، و](2) يعني -واللَّه أعلم-: يقولونها لعبًا غير ملتزمين لأحكامها وحكمُها لازمٌ لهم، وهذا بخلاف البيع وبابه؛ فإنه تصرّفٌ في المال الذي هو محضُ حق الآدمي، ولهذا يملك بَذْلَه بعوض وغير عوض، والإنسان قد يلعب مع الإنسان وينبسط معه، فإذا تكلم على هذا الوجه لم يلزمه حكم الجادِّ؛ لأن المزاح معه جائز.
(1) رواه ابن ماجه (2017) في "الطلاق"، أوله، وابن حبان (4265)، والبيهقي (7/ 322) من طريق مؤمل بن إسماعيل قال: حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى به وليس عندهم كلهم "ويستهزئون بآياته" وإنما تكملة الحديث: "يقول: قد طلقتُ قد راجعتُ".
وقد أورده بهذه التتمة مع "ويستهزئون بآياته": ابن تيمية في "بيان الدليل"(ص 163).
وهذا إسناد ضعيف، مؤمل بن إسماعيل قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال أبو زرعة: في حديثه خطأ كثير وقال أبو حاتم: صدوق شديد في السنة كثير الخطأ، ووثقه ابن معين. ويظهر أنه ثقة في دينه، أما في حديثه فهو ضعيف، أما البوصيري فقال في "زوائده" (1/ 351): هذا إسناد حسن!!
وتابعه موسى بن مسعود، أخرجه البيهقي (7/ 322)، وموسى هذا قال فيه أحمد: كأنَّ سفيان الذي يحدث عنه أبو حذيفة ليس هو سفيان الذي يحدث عنه الناس.
ورواه البيهقي (7/ 322) من طريق الطيالسي عن زهير عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. وانظر: "التلخيص الحبير"(3/ 205).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).