الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حق، ولم يأت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سنة تخالفه ألبتّة، ولهذا رجع أبو يوسف إلى ذلك كلّه بحضرة الرشيد لمّا ناظره مالك (1) وتبيّن له الحق، فلا يلحق بهذا عملهم من طريق الاجتهاد، ويُجعل ذلك نقلًا متصلًا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وتُترك له السنن الثابتة، فهذا لون [وذلك](2) لون، وبهذا التمييز والتفصيل يزول الاشتباه ويظهر الصواب.
[العمل في المدينة بعد انقراض عصر الصحابة]
ومن المعلوم أن العمل بعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين والصحابة بالمدينة كان بحسب مَنْ فيها من المفتين والأمراء والمحتسبين على الأسواق، ولم تكن الرعية تُخالف هؤلاء، فإذا أفتى المفتون نفَّذه الوالي، وعمل به المُحتسب، وصار عملًا، فهذا هو الذي لا يُلتفت إليه في مخالفة السنن، لا عمل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وخلفائه والصحابة فذاك هو السنة، فلا يُخلط أحدهما بالآخر، فنحن لهذا العمل أشدُّ تحكيمًا، وللعمل الآخر إذا خالف السنة أشدُّ تركًا، وباللَّه التوفيق.
وقد كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يفتي وسليمان بن بلال المحتسب ينفِّذ فتواه فتعمل الرعية بفتوى هذا وتنفيذ هذا، كما يطّرد العمل في بلد أو إقليم ليس فيه إلّا قول مالك على قوله وفتواه، ولا يجوِّزون العمل هناك بقول غيره من أئمّة الإسلام، فلو عمل به أحد لاشتدّ نكيرهم عليه، وكذلك [كل](3) بلد أو إقليم لم يظهر فيه إلّا مذهب أبي حنيفة، فإن العمل المستمر عندهم على قوله، وكل طائفة اطرد عندهم عمل [من](4) وصل إليهم قوله ومذهبه ولم يألفوا غيره.
ولا فرق في هذا العمل بين بلد وبلد، والعمل الصحيح ما وافق (5) السنة.
[تغير عمل أهل المدينة من عصر إلى عصر]
وإذا أردت وضوح ذلك فانظر العمل في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في جهره بالاستفتاح في الفرض في مصلَّى النبيّ صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة به (6)، ثم العمل في زمن مالك بوصل التكبير بالقراءة من غير
(1) انظر تفصيل ذلك في "حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي"(ص 29).
(2)
في (ق) و (ك): "وذاك".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(5)
في (ن) و (ك): "ما وافقته".
(6)
رواه مسلم في "صحيحه"(399)(52) في "الصلاة": باب حجة من قال: لا يجهر =
استفتاحٍ ولا تعوّذ (1).
وانظر العمل في زمن الصحابة كعبد اللَّه بن عمر في [اعتبار](2) خيار المجلس ومفارقته لمكان التبايع ليلزم العقد (3) ولا يخالفه في ذلك صحابي، ثم العمل به في زمن التابعين، وإمامُهم وعالمهم سعيد بن المسيب يُفتي به ويعمل به ولا ينكره عليه مُنكر، ثم صار العمل في زمن ربيعة وسليمان بن بلال بخلاف ذلك.
= بالبسملة من طريق الوليد بن مسلم: حدّثنا الأوزاعي عن عبدة أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: سبحانك اللهمّ وبحمدك.
وعبدة هو ابن أبي لبابة، قال أبو حاتم: رأى ابن عمر رؤية، وقال العلائي (ص 231): أخرج له مسلم عن عمر والظاهر أنه مرسل إذا كان لم يدرك ابن عمر وأم سلمة.
أقول: ورواية مسلم هذه في الشواهد، وانظر:"تذكرة المحتاج"(ص 45 - 46) لابن الملقن، و"شرح النووي على مسلم"(4/ 111 - 112)، و"غرر الفوائد المجموعة"(2/ 778 - ملحق بآخر كتابي "الإمام مسلم ومنهجه في الصحيح")، و"التلخيص الحبير"(1/ 229).
وروى الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 111) من طريق الحكم عن عمرو بن ميمون، قال: صلّى بنا عمر رضي الله عنه بذي الحليفة فقال: اللَّه أكبر سبحانك اللَّهمّ وبحمدك. . . ورجاله ثقات.
وله طريق آخر، خرجته في "الطهور"(رقم 96) لأبي عبيد القاسم بن سلام.
وفي "مصنف عبد الرزاق"(2/ 75) روايات عن عمر في دعاء الاستفتاح، لكن ليس فيها أنه كان يجهر بها.
وانظر حول دعاء الاستفتاح، وترجيح ابن القيم القول بسنيته:"زاد المعاد"(1/ 52)، و"الإشراف"(1/ 251 مسألة 172) للقاضي عبد الوهاب وتعليقي عليه.
(1)
"عقد الجواهر الثمينة"(1/ 132)، و"التلقين"(1/ 103)، و"الذخيرة"(2/ 187)، "المدونة"(1/ 161)، "المعونة"(1/ 216)، "بداية المجتهد"(1/ 96)، "قوانين الأحكام"(ص 75)، "جامع الأمهات"(ص 94)، "الإشراف"(1/ 251 مسألة 172 - بتحقيقي).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(3)
رواه البخاري (2107) في (البيوع): باب كم يجوز الخيار؟ وعلَّقه في (2116) باب إذا اشترى شيئًا فوهب من ساعته قبل أن يتفرّقا، ولم ينكر البائع على المشتري، وهذا وصله أبو نعيم والإسماعيلي -كما في "الفتح"(4/ 336) -، ومسلم (1531) في (المساقاة): باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين.
وانظر: "فتح الباري"(4/ 328)، و"الموافقات"(1/ 425 - بتحقيقي)، و"الإشراف"(2/ 436 مسألة 758 - بتحقيقي).
وانظر إلى العمل في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والصحابة خَلْفه وهم يرفعون أيديهم في الصلاة في الركوع والرفع منه (1)، ثم العمل في زمن الصحابة بعده حتى كان عبد اللَّه بن عمر إذا رأى من لا يرفع يديه حَصَبه (2)، وهو عمل كأنه (3) رأي عَيْن، وجمهور التابعين يعمل به في المدينة (4) وغيرها من الأمصار كما حكاه البخاري ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما [عنهم](5)، ثم صار العمل بخلافه.
وانظر إلى العمل الذي كأنه رأي عين من صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ابني بَيْضاء: سُهيل وأخيه في المسجد والصحابة معه (6)، وصلَّت عائشة على سعد بن
(1) تقدم تفصيل لهذا الإجمال وتخريجه هناك، وذكر في "زاد المعاد"(1/ 218 - 219 - ط. مؤسسة الرسالة) أنه ورد الرفع عن ثلاثين نفسًا.
(2)
رواه البخاري في "جزء رفع اليدين"(15) عن الحميدي -وهو في "مسنده"(رقم 615 - ط. الأعظمي، ورقم 627 - ط. حسين أسد) - والدارقطني (1/ 289)، والحاكم في "معرفة علوم الحديث"(ص 218)، والسهمي في "تاريخ جرجان"(ص 433)، وابن الجوزي في "مناقب الإمام أحمد" (ص 83) جميعهم من طريق الوليد بن مسلم: سمعت زيد بن واقد يحدث عن نافع به، وإسناد صحيح، وصرّح الوليد بالتحديث.
لكنه قال: رماه بالحصى.
وباللفظ الذي ذكره المؤلف عزاه الحافظ ابن حجر في "التلخيص"(1/ 220)"للمسند" -ولم أجده فيه- ولم يذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 101 - 103)، ولا ابن حجر نفسه في "أطراف المسند" واقتصر في "إتحاف المهرة"(9/ 90) في عزوه على الدارقطني، وأهمل أحمد، وقد ذكره الحافظ أيضًا في "الفتح"(2/ 220)، وعزاه للبخاري في "جزئه" فقط، وهو في "مسائل عبد اللَّه لأبيه"(ص 70 - ط. المكتب الإسلامي).
وعزاه ابن عبد البر في "التمهيد"(5/ 65) لأبي بكر الأثرم عن أحمد، وانظر:"تنقيح التحقيق"(1/ 769).
(3)
في المطبوع: "كان".
(4)
في المطبوع: "بالمدينة".
(5)
انظر: "بدائع الفوائد"(3/ 89 - 90 و 4/ 91)، و"زاد المعاد"(1/ 52، 55، 62 - 63)، و"تهذيب السنن"(1/ 368 - 369)، جميعها للمصنف.
وانظر: "جزء رفع اليدين" للبخاري (ص 154 وما بعد)، و"المحلى"(4/ 79 - 80)، و"الاستذكار"(2/ 126 - ط. المصرية القديمة)، و"إيضاح أقوى المذهبين في مسألة رفع اليدين" لأبي حفص عمر بن عيسى الباريني (ت 764 هـ)، نشر دار البخاري، المدينة النبوية.
وما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(6)
رواه مسلم (973)(101) من حديث عائشة، قالت: واللَّه ما صلّى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء إلّا في المسجد: سُهيل وأخيه.
ورواه (973)(99) و (105) قالت: "ما صلّى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على سُهيل بن بيضاء. . . " فقط.
أبي وقاص في المسجد (1).
وصُلِّي على (2) عمر بن الخطاب في المسجد، ذكره مالك عن نافع عن عبد اللَّه (3)، قال الشافعي: ولا نرى أحدًا من الصحابة حضر موته فتخلَّف عن جنازته، فهذا عمل مجمع عليه عندكم، قاله لبعض المالكية، وروى هشام عن أبيه أنَّ أبا بكر صُلِّي عليه في المسجد (4)، فهذا العمل حق (5)، ولو تركت السنن للعمل لتعطَّلت سنن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ودرست رسومها وعَفَت آثارها، وكم من عمل قد اطّرد بخلاف السنة الصريحة على تقادم الزمان وإلى الآن، وكل وقت تُترك سنة ويُعمل بخلافها ويستمر عليها العمل فتجده (6) يسيرًا من السنة معمولًا به على نوع تقصير.
(1) هو في الحديث السابق، لكن هي أمرت أن يدخل إلى المسجد، فيُصلّى عليه.
وجزم الحافظ ابن حجر في "الإصابة" أنه صُلّي عليه في المسجد.
(2)
في (ق): "وصلى علي على عمر".
(3)
رواه مالك (1/ 230)، ومن طريقه ابن أبي شيبة (3/ 242)، وعبد الرزاق (6577) عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: صُلّي على عمر في المسجد، وإسناده صحيح غاية.
وانظر الهامش الآتي.
وله إسناد آخر: رواه ابن أبي شيبة (3/ 243)، وفيه مجاهيل.
(4)
رواه عبد الرزاق (6576) -ومن طريقه ابن حزم في "المحلى"(5/ 162) - وابن أبي شيبة (3/ 242)، وابن سعد (3/ 206، 207)، وأبو بكر الدينوري في "المجالسة" (رقم 2179 - بتحقيقي) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه -وفي رواية عند ابن سعد: عن أبيه أو غيره، شك وكيع- قال: ما صُلّي على أبي بكر إلّا في المسجد، وهذا إسناد منقطع عروة لم يدرك أبا بكر، ولد في خلافة عثمان.
ورواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة"(1/ 185 - 186 رقم 120) عن ابن أبي عمر عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن مولى لهم قال: "صُلِّي على أبي بكر رضي الله عنه في المسجد".
وأخرج ابن سعد (3/ 206) عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب أن أبا بكر وعمر صلِّي عليهما في المسجد تجاه المنبر.
وأخرج ابن سعد (3/ 207)، والبلاذري في "أنساب الأشراف" (ص 80 - أخبار الشيخين) عن ابن جريج عن بعض ولد سعد: أن عمر حين صلّى على أبي بكر في المسجد ربَّع.
وذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 199) ساكتًا عنه.
(5)
انظر: "زاد المعاد"(1/ 140 و 3/ 47)، و"تهذيب السنن"(4/ 325)، و"الإشراف" للقاضي عبد الوهاب (1/ 93 - 94 مسألة رقم 417) وتعليقي عليه.
(6)
في (ق): "فخذ".