الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البيهقي (1): "رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات" فردَّت هذه السنن بأنها معارضة لأحاديث تحريم الكلام في الصلاة، وقد تعارض حاظر ومبيح، فيقدَّم الحاظر.
والصواب أنه لا تعارض بين سنن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بوجهٍ، وكل منها له وجه، والذي حَرَّم الكلام في الصلاة ومنع منه هو الذي شرع التسبيح المذكور، وتحريم الكلام كان قبل الهجرة، وأحاديث التسبيح بعد ذلك، فدعوى نسخها بأحاديث تحريم الكلام محال، ولا تعارض بينهما بوجهٍ ما، فإن "سبحان اللَّه"، ليس من الكلام الذي منع منه المصلي، بل هو مما أُمِرَ به أَمْر إيجاب أو استحباب، فكيف يُسوَّى بين المأمور والمحظور؟ وهل هذا إلّا من أفسد قياس واعتبار؟.
[سجدات المفصل والحج]
المثال الثامن (2) والستون: رد السنة الثابتة في إثبات سجدات المفصل، والسجدة الأخيرة من [سورة] الحج (3)، كما روى أبو داود في "السنن": حدثنا محمد بن عبد الرحيم البَرْقي: [ثنا سعيد](4) بن أبي مريم، أخبرنا نافع بن يزيد، عن الحارث بن سعيد العُتَقي (5)، عن عبد اللَّه بن مُنَيْن (6)، عن عمرو بن العاص: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدةً في القرآن، منها ثلاث في المُفصَّل، وفي
= كيسان استأذنتُ على سالم بن أبي الجعد وهو يصلي فسبَّح بي فلما سلم قال: إنّ إذن الرجل إذا كان في الصلاة يسبح، وإن إذنْ المرأة أن تصفق وقال أحمد: حدثنا مروان أنا عوف عن الحسن عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثله.
وأخرجه أحمد (2/ 290) وابن حبان (2262 الإحسان) من طريق مروان: أخبرني عوف عن ابن سيرين عن أبي هريرة مثله، فهذه ثلاثة أسانيد: الأول مقطوع، والثاني مرسل، والثالث: مرفوع على شرط الشيخبن.
(1)
في "السنن الكبرى"(2/ 247)، و"الخلافيات"(2/ 151 - مختصره).
(2)
في (ك): "السابع".
(3)
تقدمت الإشارة إلى هذا المبحث، وتتميمًا للفائدة انظر:"زاد المعاد"(1/ 96)، و"تهذيب السنن"(2/ 117).
وما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(4)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق) بياض يسع لفظه "ثنا"، وقبلها في (ن)، و (ق):"البرتي" بالتاء، وفي (ك):"الزبري".
(5)
في (ق) و (ك): "العنفي".
(6)
في المطبوع و (ك) و (ق): "منير" براء في آخره، والصواب نون.
سورة الحج سجدتان" (1)، تابعه محمد بن إسماعيل السُّلمي، عن سعيد بن أبي مريم.
وقال ابن وهب: أنا ابنُ لَهِيعة، عن مِشْرَح بن هاعَان (2)، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "فُضِّلت سورة الحج بسجدتين، فمن لم يسجد فيهما (3) فلا يقرأهما"(4)،
(1) رواه أبو داود (1401) في (الصلاة): باب تفريع أبواب السجود كم سجدة في القرآن؟ وابن ماجة (1057) في (إقامة الصلاة): باب عدد سجود القرآن، والدارقطني (1/ 408) -ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق"(3/ 66 رقم 666 - ط، قلعجي) -، والحاكم (1/ 223)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ"(2/ 527)، وابن عبد الحكم في "فتوح مصر"(97 و 249) من طريق الحارث بن سعيد العتقي به.
قال الحاكم: وقد احتجّ الشيخان بأكثر رواته، وليس في عدد سجود القرآن أتمّ منه.
ونقل في "التلخيص" عن المنذري أنه حسنه (2/ 18)، ولم أجدها في "مختصره على أبى داود".
قال عبد الحق في "أحكامه"(2/ 92): وعبد اللَّه بن منين لا يحتج به، قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام"(3/ 158 رقم 869) وذلك لجهالته، فإنه لا يعرف روى عنه غير الحارث بن سعيد العتقي، وهو رجل لا يعرف له حال.
وانظر: "نصب الراية"(2/ 180).
قلت: عبد اللَّه بن مُنين وثقه يعقوب بن سفيان، كما في "التهذيب" و"التقريب".
وأما الحارث بن سعيد: قال ابن حجر في "التهذيب": "قال ابن القطان الفاسي: لا يعرف له حال، وقرأت بخط الذهبي: لا يعرف حاله".
فهذا إسناد ضعيف لا تقوم به حجة.
وضعفه شيخنا الألباني في "تمام المنة"(ص 269).
(2)
في المطبوع: "بن عاهان"، وفي (ق):"ماهان"، والصواب ما أثبتناه.
(3)
في (ك): "بهما".
(4)
رواه أحمد في "مسنده"(4/ 151 و 155)، وأبو داود (1402) في (الصلاة): باب تفريع أبواب السجود، وكم سجدة في القرآن؟ والترمذي (578) في (أبواب الصلاة): باب ما جاء في السجدة في الحج، وأبو عبيد في "فضائل القرآن"(ص 249)، والروياني في "مسنده"(1/ 173 رقم 220)، والدولابي في "الكنى"(1/ 116)، وابن عبد الحكم في "فتوح مصر"(ص 289)، وأبو نعيم في "المعرفة"(4/ 2153 رقم 5393)، والطبراني في "الكبير"(17/ 847)، والدارقطني (1/ 408)، والحاكم (1/ 221) و (2/ 390)، والبيهقي في "سننه الكبرى"(2/ 317)، والبغوي في "شرح السنة"(4/ 304)، والديلمي في "مسند الفردوس"(ق 265/ أ)، والثعلبي في "الكشف والبيان"(م 3/ ق 57/ أ) كلهم من طرق عن ابن لهيعة.
وقال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بذلك القويّ، وقال الحاكم: هذا حديث لم نكتبه مسندًا إلّا من هذا الوجه، وعبد اللَّه بن لهيعة الحضرمي أحد الأئمة إنما نقم عليه اختلاطه في آخر عمره. =
وحديث ابن لهيعة يحتجّ منه (1) بما رواه عنه العبادلة كعبد اللَّه بن وهب وعبد اللَّه بن المبارك، وعبد اللَّه بن يزيد المقرئ، قال أبو زرعة (2): ابنُ لهيعة، كان ابن المبارك وابن وهب يتبعان أصوله، وقال عمرو بن علي (3): من كتب عنه قبل احتراق كتبه مثل ابن المبارك والمقرئ (4) أصح ممن كتب عنه بعد احتراقها، وقال ابن وهب (5): كان ابن لهيعة صادقًا، وقد انتقى النسائي (6) هذا الحديث من جملة
= أقول: ابن لهيعة اختلط ورواية العبادلة عنه صحيحة، وهنا روى عنه اثنان: عبد اللَّه بن يزيد، وابن وهب، إلا أن هناك علّة أخرى، وهي مِشْرح بن هاعان.
قال الذهبي: صدوق لينه ابن حبان، وقال ابن معين: ثقة، وقال ابن حبان: يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليها، وقال الذهبي: الصواب ترك ما انفرد به.
ثم وجدت ابن لهيعة يضطرب في هذا الحديث، فقد رواه أبو عبيد في "فضائل القرآن"(ص 249)، والطبراني في "الكبير"(17/ 846) من طريقه عن أبي عُشَّانة عن عقبة بن عامر.
وأبو عشانة هذا هو حي بن يؤمن وهو ثقة، لكن هذا من تخاليط ابن لهيعة، ويشهد له حديث ابن العاص المتقدم.
ومرسل خالد بن معدان، رواه أبو عُبيد في "فضائل القرآن"(248 - 249)، وأبو داود في "المراسيل"(رقم 78)، ومن طريقه البيهقي (2/ 307)، قال: وقد أُسند هذا، ولا يصح، وقد ذكر له الحاكم والبيهقي شواهد موقوفة عن عدد من الصحابة، قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (3/ 221): وهذه شواهد يشدّ بعضها بعضًا، وانظرها في "الخلافيات"(مسألة رقم 104 - بتحقيقي)، و"فضائل القرآن" لأبي عبيد (ص 248 - 249 - ط. دار ابن كثير)، و"لمحات الأنوار ونفحات الأزهار وريّ الظمآن لمعرفة ما ورد من الآثار في ثواب قارئ القرآن"(2/ 815 - 817)، و"موسوعة فضائل سور وآيات القرآن"(2/ 20 - 24) للطرهوني.
(1)
في (ك): "به".
(2)
في "أسامي الضعفاء"(630) ومقولته هذه أوردها ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(5/ رقم 682)، وانظر:"الميزان"(2/ 477).
(3)
نقله عنه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(5/ رقم 682)، وانظر "الميزان"(2/ 477).
(4)
في المطبوع: "وابن المقرئ".
(5)
نقل كلامه الذهبي في "الميزان"(2/ 477).
(6)
لم أظفر بالحديث في "السنن الصغرى" ولا "الكبرى" للنسائي، ولا عزاه المزي في "تهذيب الكمال"(7/ 321) له، واكتفى بعزوه للترمذي وأبي داود، ولم يتعقبه ابن العراقي ولا ابن حجر، ولم يرمز المزي أيضًا في "تهذيب الكمال"(15/ 487) في ترجمة (ابن لهيعة) للنسائي، وكذا من اختصر كتابه، وختم المزي ترجمته بقوله: "وروى =
حديثه، وأخرجه، واعتمده، وقال:"ما أخرجتُ من حديث ابن لهيعة قط إلّا حديثًا واحدًا أخبرناه هلال بن العلاء: ثنا مُعافى بن سُليمان، عن موسى بن أعين، عن عمرو بن الحارث، عن ابن لهيعة، فذكره".
وقال ابن وهب (1): حدثني الصادق البار -واللَّه- عبدُ اللَّه بن لهيعة، وقال الإمام أحمد (2): مَنْ كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه؟! وقال ابن عيينة (3): كان عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع، وقال أبو داود: سمعت أحمد (4) يقول: ما كان محدِّث مصر إلّا ابن لهيعة. وقال أحمد بن صالح الحافظ: كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلّابًا للعلم (5).
وقال ابن حبان (6): "كان صالحًا لكنه يدلس عن الضعفاء، ثم احترقت كتبه، وكان أصحابنا يقولون: سماع من سمع منه قبل احتراق كتبه مثل العبادلة: ابنُ وهب، وابن مبارك، والقعنبي، والمقرئ فسماعهم صحيح"(7).
= النسائي أحاديث كثيرة من رواية ابن وهب وغيره يقول فيها عن عمرو بن الحارث وذكر آخر: وعن فلان، وذكر آخر، ونحو ذلك، وجاء كثير من ذلك مبيّنًا في رواية غيره أنه ابن لهيعة".
ثم وجدتُ كلام النسائي الذي عند المصنف في "الميزان"(2/ 477) -وينقل المصنف منه كما بيّنته في "فوائد حديثية" و"الفروسية"- وقبله: "وقال أبو سعيد بن يونس: قال النسائي يومًا. . . " وذكره.
(1)
رواه عنه أبو الطاهر بن السرح، وقال:"وما سمعتُه يحلف بمثل هذا قط". انظر: "الكامل" لابن عدي (4/ 1463)، و"تهذيب الكمال"(15/ 495)، و"الميزان"(2/ 477).
(2)
في (د): "حمد"!، ومقولته في "سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود"(2/ 175 رقم 1512)، و"تهذيب الكمال"(15/ 494)، وفيه "قال النسائي عن أبي داود" والنسائي خطأ شنيع، صوابه "الآجري"، والعبارة في "الميزان"(2/ 477).
(3)
هذه مقولة سفيان الثوري، كما في "تهذيب الكمال"(15/ 495)، ورأى المصنف العبارة في "الميزان"(2/ 477) معزوة لسفيان هكذا دون تعيين، فظنه "ابن عيينة"!! فأخطأ.
(4)
"تهذيب الكمال"(15/ 496)، و"الميزان"(2/ 478)، وفي (ق):"من كان. . . ".
(5)
في المطبوع: "طالبًا للعلم"، والصواب ما أثبتناه، كما في "المعرفة والتاريخ"(2/ 184)، و"تهذيب الكمال"(15/ 497)، و"الميزان"(2/ 477)، و (ق).
(6)
في "المجروحين"(2/ 11)، وتسمية العبادلة من الذهبي في "الميزان"(2/ 482) والتصرف في عبارة ابن حبان منه.
(7)
ألحق بعضُ العلماء جمعًا بالعبادلة، فمشوا روايتهم عن ابن لهيعة، وألحقوهم بهم، بسبب قيام الأدلة أو القرائن على روايتهم عنه قبل اختلاطه (المزعوم!!)، وإليك ما =
وقد صحّ عن أبي هريرة أنه سجد مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} (1)، وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه سجد في النجم، ذكره البخاري (2).
فردّت هذه السنن برأي فاسد وحديث ضعيف: أما الرأي (3) فهو أن آخر الحج السجود فيها سجود الصلاة لاقترانه بالركوع، بخلاف الأولى؛ فإن السجود فيها مجرد عن ذكر الركوع، ولهذا لم يكن قوله تعالى {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)} [آل عمران: 43]، من مواضع السجدات بالاتفاق.
وأما الحديث الضعيف فإنه (4) رواه أبو داود: ثنا محمد بن رافع: ثنا أزهر بن القاسم: ثنا أبو قدامة، عن مطر الوَرَّاق، عن عكرمة، عن ابن العباس:"أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المُفصَّل منذ تحول إلى المدينة"(5).
= وقفت عليه، وأكتفي بسرد الأسماء، تجنبًا للإطالة:
قتيبة بن سعيد، سفيان الثوري، شعبة بن الحجاج، الأوزاعي، عثمان بن الحكم الجذامي، عمرو بن الحارث المصري، إسحاق بن عيسى الطباع، ليث به سعد، لهيعة بن عيسى بن لهيعة (أخذ عنه قتيبة من كتابه)، عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عبيد أبو سعد مولى بني هاشم، بشر بن بكر البجلي، عثمان بن صالح السهمي، النضر بن عبد الجبار.
(1)
رواه مسلم (578) في (المساجد) باب سجود التلاوة.
(2)
في "الصحيح" كتاب "سجود القرآن: باب ما جاء في سجود القران وسنتها (1067) و (1070): باب سجدة النجم، و (3853) في "مناقب الأنصار": باب ما لقي النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة، و (3972) في (المغازي): باب قتل أبي جهل، و (4863) في (التفسير): باب {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} ، ومسلم (576) من حديث ابن مسعود، ورواه البخاري (1071)، و (4862) من حديث ابن عباس.
(3)
وهو قول "أصحاب أبي حنيفة"، انظر "المبسوط"(2/ 6).
(4)
في المطبوع: "فما".
(5)
رواه الطيالسي في "المسند"(1/ 112 - المنحة)، وأبو داود في (1403) في (الصلاة): باب من لم ير السجود في المفصل، وابن خزيمة (560)، والبيهقي (2/ 313)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 444)، -وعزاه الحافظ في "التلخيص الحبير"(2/ 15) لابن السكن في "صحيحه"- من طريق أبي قدامة به.
قال الحافظ ابن حجر: وأبو قدامة، ومطر من رجال مسلم، ولكنهما ضُعّفا.
أقول: أبو قدامة، قال فيه أحمد بن حنبل: مضطرب الحديث، وقال ابن معين: ضعيف، وقال مرة: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: كان شيخًا صالحًا وكثر وهمه.
ومطر فيه ضعف أيضًا.
قال ابن عبد البر -كما في "نصب الراية"(2/ 182) -: هذا حديث منكر، وأبو قدامة =
فأما الرأي فيدل على فساده وجوه: منها أنه مردودٌ بالنص، ومنها أن اقتران الركوع بالسجود في هذا الموضع لا يُخرجه عن كونه [موضع سجدة، كما أن اقترانه بالعبادة التي هي أعمّ من الركوع لا يخرجه عن كونه سجدة](1)، وقد صح سجوده صلى الله عليه وسلم في النَّجم (2)، وقد قَرَنَ السجود فيها بالعبادة كما قرنه بالعبادة في سورة الحج، والركوع لم يزده إلّا تأكيدًا، ومنها أن أكثر السجدات المذكورة في القرآن متناولة لسجود الصلاة، فإن قوله تعالى:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [الرعد: 15]، يدخل فيه سجود المصلين قطعًا، وكيف لا؛ وهو أجلّ السجود وأفرضه؟ وكيف لا يدخل هو في قوله:{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} [النجم: 62]، وفي قوله:{كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)} [العلق: 19]، [وقد قال قبل:{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10)} [العلق: 9 - 10]،] (3) ثم قال:{كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)} [العلق: 19]، فأمره بأن يفعل هذا الذي نهاه عنه عدوّ اللَّه، فإرادة سجود الصلاة بآية السجدة لا تمنع كونها سجدة، بل تؤكّدها وتقوّيها.
يوضحه أن مواضع السجدات في القرآن نوعان: إخبار، وأمر، فالإخبار خبر من اللَّه تعالى عن سجود مخلوقاته له عمومًا أو خصوصًا، فسُنَّ للتالي والسامع وجوبًا أو استحبابًا أن يتشبّه بهم عند تلاوة آية السجدة أو سماعها، وآيات الأوامر بطريق الأَوْلى.
وهذا لا فرق فيه بين أمر وأمر، فكيف يكون الأمر بقوله:{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} [النجم: 62]، مقتضيًا للسجود دون الأمر بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
= ليس بشيء، وأبو هريرة لم يصحب النبيّ صلى الله عليه وسلم إلّا بالمدينة، وقد رآه يسجد في "الانشقاق- والقلم" -أي العلق-.
أقول: وحديث أبي هريرة ثابت في "الصحيح".
وقد روى عبد الرزاق في "مصنفه"(5900)(3/ 343) عن معمر عن طاوس عن ابن عباس قال: ليس في المفصل سجدة، وهذا إسناد صحيح.
لكن العمدة ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في "الصحيح". وانظر: "تنقيح التحقيق"(2/ 969) لابن عبد الهادي، و"فتح الباري"(2/ 555)، وتعليقي على "الإشراف" للقاضي عبد الوهاب (1/ 318 رقم 235).
(1)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق) و (ك): "سجودًا".
(2)
هو في "صحيح البخاري"، وقد سبق تخريجه قريبًا.
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).=