الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أقرب القياس إلى الصواب، وأبعده عن الفساد، وأقربه إلى النصوص، مع شدة ورعهم وما منحهم اللَّه من محبة المؤمنين لهم وتعظيمِ المسلمين علمائِهم وعامَّتِهم لهم، فإن احتجَّ كل فريق منهم بترجيح متبوعه بوجه من وجوه التراجيح من (1) تقدم زمان أو زهد أو ورع أو لقاء شيوخ وأئمة لم يلقهم مَنْ بعده أو كثرة أتباع لم يكونوا لغيره أَمكنَ الفريق الآخر أن يُبدوا لمتبوعهم من الترجيح بذلك أو غيره ما هو مثل هذا أو فوقه، وأمكن غير هؤلاء كلهم أن يقولوا لهم جميعًا: نفوذ قولكم هذا إن لم تأنفوا من التناقض يوجب عليكم أن تتركوا قول متبوعكم لقول من هو أقدم منه من الصحابة والتابعين وأعلم وأورع وأزهد وأكثر أتباعًا وأجل، فأين أتباع ابن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل بل أتباع عمر وعلي من أتباع الأئمة المتأخرين في الكثرة والجلالة؟
[فضل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين]
وهذا أبو هريرة رضي الله عنه قال البخاري (2): "حَملَ العلم عنه ثمان مئة رجل ما بين صاحب وتابع"، وهذا زيد بن ثابت من جملة أصحابه عبد اللَّه بن عباس، وأين في أتباع الأئمة مثل عطاء وطاوس ومجاهد وعكرمة وعُبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عُتبة وجابر بن زيد؟ وأين في أتباعهم مثل السَّعيدين والشعبى ومسروق وعلقمة والأسود وشُريح؟ وأين في أتباعهم مثل نافع وسالم والقاسم وعروة وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار وأبي بكر بن عبد الرحمن؟ فما الذي جَعلَ الأئمةَ بأتباعِهم أَسعدَ من هؤلاء بأتباعهم؟ ولكن أولئك وأتباعهم على قدر عصرهم فعظمُهم وجلالتُهم وكبرُهم منع المتأخرين من الاقتداء بهم، وقالوا بلسان قالهم وحالهم: هؤلاء كبارٌ علينا لسنا من زبونهم، كما صَرَّحوا وشهدوا على أنفسهم بأن (3) أقدارهم تتقاصر عن تلقي العلم من القرآن والسنة، وقالوا: لسنا أهلًا لذلك، لا لقصور الكتاب والسنة، ولكن لعجزنا نحن وقصورنا، فاكتفينا بمن هو أعلم بهما مِنَّا، فيقال لهم: فَلِمَ تنكرون على من اقتدى بهما وحَكَّمهما وتحاكم إليهما وعَرضَ أقوال العلماء عليهما فما وافقهما قبِله وما خالفهما رَدَّه؟ فهب أنكم لم تصلوا إلى هذا العنقود فلم تنكرون على من وصل إليه وذاق حَلاوتَه؟ وكيف
(1) في (ق) و (ك): "في".
(2)
نقلها عن البخاري ابن الملقن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"(1/ 214).
(3)
في المطبوع: "فإن".
تحجّزتم الواسع من فضل اللَّه الذي ليس على قياسه عقول العالمين ولا اقتراحاتهم، وهم كان كانوا في عصركم ونشأوا معكم وبينكم وبينهم نسب قريب فالئه يَمنُّ على من يشاء من عباده، وقد أنكر اللَّه سبحانه على من رد النبوة بأن اللَّه صَرَفها عن عُظماء القرى ورؤسائها (1) وأعطاها لمن ليس كذلك بقوله:{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32] وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل أمتي كالمطر، لا يُدرى أوَّله خيرٌ أم آخره"(2) وقد أخبر اللَّه سبحانه عن السابقين بأنهم: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة: 13، 14]، وأخبر سبحانه أنه:{بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ثم قال: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ثم أخبر أَنَّ {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: 2 - 4].
(1) في (د): "ومن رؤسائها".
(2)
ورد الحديث عن جمع من الصحابة منهم:
أولًا: عمار بن ياسر، وله عنه طرق:
فقد أخرجه الطيالسي (647) عن عمران عن قتادة عن صاحب لنا عن عمار. ورواه البزار في "مسنده"(1412)، وابن حبان (7226)، والرَّامَهُرْمُزِيُّ في "الأمثال"(ص 109)، والبيهقي في "الزهد الكبير"(399)، والطبراني في "الكبير"؛ كما في "المجمع"(10/ 68) من طريق الفضيل بن سُليمان عن موسى بن عقبة عن عبيد بن سلمان الأغر عن أبيه عن عمار.
ورجاله ثقات، غير عبيد بن سلمان الأغر، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو حاتم: لا أعلم فيه إنكارًا، وروى عنه جمع، وفضيل بن سليمان، قال ابن معين: ليس بثقة، وقال أبو زرعة: ليس الحديث، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وليس بالقوي. قال البزار: وهذا الإسناد أحسن من الأسانيد الأخرى التي تروى عن عمار.
ورواه أحمد (4/ 319) من طريق أبي عمر عن الحسن عن عمار.
ثانيًا: حديث أنس: رواه أحمد (3/ 130 و 143)، والطيالسي (2023)، والترمذي (2869)، وأبو الشيخ في "الأمثال"(330 و 331)، والخطيب (11/ 114)، وابن عدي (3/ 918 و 4/ 1638 و 7/ 2623) والرامهرمزي في "الأمثال"(ص 108 - 109)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(1351 و 1352)، والبيهقي في "الزهد الكبير"(400)، وحسنه الترمذي، وفي الباب أيضًا عن ابن عمر، وابن عمرو.
قال الحافظ في "الفتح"(6/ 7): "وهو حديث حسن، له طرق يرتقي بها إلى الصحة".