الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقود أولى من اعتبار الألفاظ؛ فإن الألفاظ مقصودة لغيرها، ومقاصد العقود هي التي تُرادُ [لأجلها (1)، فإذا ألغيت واعتبرت الألفاظ التي لا تراد](2) لنفسها كان هذا إلغاءً لما يجب اعتباره واعتبارًا لما قد يسوغ إلغاؤه، وكيف يقدَّمُ اعتبارُ اللفظِ الذي قد ظهر كُل الظهور أن المراد خلافه؟ بل قد يُقطع بذلك على المعنى الذي قد ظهر بل قد يتيقن أنه المراد، وكيف ينكَرُ على أهل الظاهر من يسلك هذا؟ وهل ذلك إلا من إيراد الظاهرية؟ فإن أهل الظاهر تمسكوا بألفاظ النصوص وأجْرَوْهَا على ظواهرها حيث لا يحصل القَطعُ بأن المراد خلافُها، وأنتم تمسكتم بظواهر ألفاظ غير المعصومين حيث يقع القطع بأن المراد خلافُها فأهل الظاهر أعذرُ منكم بكثير، وكل شبهة تمسكتم بها في تسويغ ذلك فأدلة الظاهرية في تمسكهم بظواهر النصوص أقوى وأصح.
[اللَّه يحبُّ الإنصاف]
واللَّه تعالى يحب الإنصاف، بل هو أفضلُ حِلْية تحلَّى بها الرجل، خصوصًا من نصب نفسه حَكَمًا بين الأقوال والمذاهب، وقد قال [اللَّه] (3) تعالى لرسوله:{وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى: 15] فورثةُ الرسولِ (4) منصبهم العدل بين الطوائف وألا يميل أحدُهم مع قريبه وذوي مذهبه وطائفته ومتبوعه، بل [يكونُ](5) الحقُّ مطلوبه يَسِيرُ بسيرِه وينزل بنزوله، يدين بدين العدل والإنصاف ويحكّم الحجة، وما كان عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو العلم الذي قد شَمَّرَ إليه، ومطلبه الذي يحوم بطلبه عليه، لا يثني عنانه عنه عذل عاذل، ولا تأخذهُ فيه لومة لائم، ولا يصده عنه قول قائل.
[إلغاء الشارع الألفاظ التي لم يقصد المتكلمُ معناها]
ومن تدبّر مصادر الشرع وموارده تبيَّن له أن الشارع ألغى الألفاظ التي لم يقصد المتكلم بها معانيها، بل جرت على غير قصد منه كالنائم والناسي والسكران والجاهل والمكره والمخطئ من شدة الفرح أو الغضب أو المرض ونحوهم، ولم
(1) اعتبار القصد في العقود تكلم عليه ابن القيم في "إغاثة اللهفان"(1/ 340)، وانظر "الموافقات" للشاطبي (3/ 23)، وتعليقي عليه.
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(3)
ما بين المعقوفتين من (د)، و (ط).
(4)
في (ن) و (ق): "فورثة الأنبياء".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
يُكفَّر من قال من شدة فرحه براحلته بعد يأسه منها: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك"(1) فكيف يعتبر الألفاظ التي يُقطع بأن مرادَ قائِلها خلافها؟ ولهذا المعنى رد شهادة المنافقين (2) ووَصَفهم بالخداع والكذب والاستهزاء، وذَمَّهُم على أنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم وأن بواطِنَهم تخَالف ظواهِرَهم، وذم تعالى من يقول ما لا يفعل، وأخبر أن ذلك من أكبر المَقْتِ عنده، ولعن اليهودَ إذ توسَّلوا بصورة عقد البيع على ما حرَّمَهُ عليهم إلى أكل ثمنه، [وجعل أكل ثمنه](3) لما كان هو المقصود بمنزلة أكله في نفسه، وقد لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الخمر عاصرَهَا ومُعتصِرَها (4)، ومن المعلوم أن العاصر إنما عصر عنبًا، ولكن لما كانت
(1) سبق تخريجه.
(2)
في (ن) و (ك) و (ق): "ولهذا ألغى شهادة المنافقين".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(4)
ورد هذا من حديث ابن عباس، وابن عمر، وأنس، وابن مسعود:
أما حديث ابن عباس: فرواه أحمد (1/ 316)، وعبد بن حميد (686)، والطبراني في "الكبير"(12976)، وابن حبان (5356)، والحاكم (4/ 145) من طريق مالك بن خير الزبادي عن مالك بن سعد التُّجيبي عن ابن عباس مرفوعًا أنه لعن الخمر ومعتصريها وشاربها وحاملها. . .، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وإسناده حسن.
وأما حديث ابن عمر: فرواه أحمد (2/ 25 و 71 و 97) وابن أبي شيبة (6/ 447) والطيالسي (1957) وسعيد بن منصور (816 - ط الصميعي) والبخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 172 - مختصرًا) وأبو داود (3674) في (الأشربة): باب العنب يعصر للخمر، وابن ماجه (3380) في الأشربة باب العنب يعصر للخمر، وأبو يعلى (5583، 5591)، والحاكم (2/ 31 - 32 و 4/ 144 - 145)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(3343)، والطبراني في "الصغير"(740) و"الأوسط"(4962) والبيهقي (5/ 327 و 6/ 12، 8/ 287) وفي الشعب (5583، 5584) والمزي في "تهذيب الكمال"(17/ 245) من طرق عن ابن عمر، وبعض طرقه صحيحة.
وأما حديث أنس: فرواه الترمذي (1295) في (البيوع): باب النهي أن يتخذ الخمر خلًا، وابن ماجه (3381) في (الأشربة): باب لعنت الخمر على عشرة أوجه والطبراني في "الأوسط"(1355).
وقال الترمذي: غرب من حديث أنس.
وأما حديث ابن مسعود: فرواه البزار في "مسنده"(1601)، والطبراني في "الكبير"(10056)، وابن عدي في "الكامل"(5/ 1888).
وقال الهيثمي في "المجمع"(5/ 72 - 73): فيه عيسى بن أبي عيسى الخياط، وهو ضعيف.
وعزاه الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 264) لأحمد، ولم أجده فيه، ولا في "أطراف المسند" لابن حجر وفي الباب عن عثمان بن أبي العاص عند الطبراني في "الأوسط"(4090).