الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاعتقاد يجعل الشئ حلالًا أو حرامًا، وصحيحًا أو فاسدًا، وطاعةً أو (1) معصيةً، كما أن القصد في العبادة يجعلها واجبةً أو مستحبةً أو محرمةً أو صحيحةً أو فاسدةً.
[دلائل القول السابق]
ودلائل هذه القاعدة تفوت الحصر، فمنها قوله تعالى في حق الأزواج إذا طلَّقوا أزواجهم طلاقًا رجعيًا:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228] وقوله: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] وذلك نصٌّ في أن الرجعة إنما ملَّكها اللَّه تعالى لمن قصد الصلاح دون من قصد الضرَار. وقوله في الخُلع: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]، وقوله:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 230] فبيَّن تعالى أن الخُلعَ المأذون فيه والنكاح المأذون فيه إنما يُبَاح إذا ظنَّا أن يقيما حدود اللَّه، وقال تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12] فإنَّما قدم اللَّه الوصية على الميراث إذا لم يَقْصد بها المُوصِي الضرار (2)؛ فإن قَصَده فللورثة إبطالها [وعدم تنفيذها](3)، وكذلك قوله:{فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 182] فرفع الإثمَ عمن أبطل الجَنَفَ والإثم من وصية الموصي، ولم يجعلها بمنزلة نصِّ الشارع الذي تحرم مخالفته.
[شروط الواقفين]
وكذلك الإثم مرفوع عمن أبطل من شروط الواقفين ما لم يكن إصلاحًا، وما كان فيه جنَفَ أو إثم، ولا يحل لأحد أن يجعل هذا الشرط الباطل المخالف لكتاب اللَّه بمنزلة نص الشارع (4)، ولم يقل هذا أحد من أئمة الإسلام (5).
بل قد قال إمام الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليه وعلى آله: "كُل شرطٍ ليس في كتاب اللَّه فهو باطلٌ وإن كان مئة شرط، كتابُ اللَّه أحقُّ، وشَرْطُ اللَّه أوثق"(6)
(1) في (و) و (ك): "و" بدلًا من "أو".
(2)
في (ك): "الضرر".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (و).
(4)
انظر: "إغاثة اللهفان"(1/ 378).
(5)
انظر: "أحكام الأوقاف"(143) لشيخنا مصطفى الزرقا رحمه الله، "محاضرات في الوقف"(136) لمحمد أبو زهرة، "أحكام الوقف في الشريعة الأسلامية"(1/ 261).
(6)
رواه البخاري (2155) في (البيوع): باب الشراء والبيع مع النساء، و (2168) باب إذا =
فإنما ينفذُ من شروط الواقفين ما كان للَّه طاعةً، وللمكلف مصلحة، وأما ما كان بضد ذلك فلا حُرمةَ له كشرط التعزُّب والترفُب المضاد لشرع اللَّه ودينه؛ فإنه تعالى فتح للأمة باب النكاح بكل طريق، وسدَّ عنهم باب السِّفاح بكل طريق، وهذا الشرط [باطِلٌ مُضَادّ](1) لذلك؛ فإنه يسدُّ على من التزمه باب النكاح، ويفتحُ له باب الفجور، فإن لوازم البشرية تتقاضاها الطّباع أتمَّ تقاضٍ، فإذا سد عنها مشروعها فتحت لها (2) ممنوعا ولا بد.
والمقصود أن اللَّه تعالى رفع الإِثْمَ عمَّن أبطل الوصية الجانفة الآثمة، وكذلك هو مرفوع عمن أبطل شروط الواقفين التي هي كذلك، فإذا شَرَط الواقف القراءة على (3) القبر كانت القراءة في المسجد أولى وأحب إلى اللَّه ورسوله وأنفع للميت (4)، فلا يجوز تعطيل الأحب إلى اللَّه الأنفع لعبده واعتباره ضده، وقد رَامَ بعضُهم الانفصال عن هذا بأنه قد يكون قصد الواقف حصول الأجر له باستماعه للقرآن في قبره، وهذا غلط؛ فإن ثواب الاستماع مشروط بالحياة فإنه عمل اختياري وقد انقطع بموته، ومن ذلك اشتراطه أن يصلّي الصلوات الخمس في المسجد الذي بناه على قبره، فإنه شرطٌ باطلٌ [لا يجب بل](5) لا يحلُّ الوفاء به، وصلاتُه في المسجد الذي لم يوضع على قبر (6) أحب إلى اللَّه ورسوله، فكيف يُفتى أو يُقضى بتعطيل الأحب إلى اللَّه والقيام بالأكْرَه إليه اتباعًا لشرط الواقف الجانف الآثم؟ ومن ذلك أن يشرط عليهم (7) إيقاد قنديل على قبره أو بناء مسجد عليه؛ فإنه لا يحل تنفيذ هذا الشرط ولا العمل به، وكيف ينفذ (8) شرط لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاعله؟ (9)
= اشترط شروطًا في البيع لا تحل، و (2561) في (المكاتب): باب ما يجوز من شروط المكاتب، و (2563) باب استعانة المكاتب وسؤاله الناس، و (2717) في (الشروط): باب الشروط في البيع، و (2729) باب الشروط في الولاء، ومسلم (1504)(6)، و (7)، و (8)، و (9) في (العتق): باب إنما الولاء لمن أعتق، من حديث عائشة.
(1)
في (و): "الباطل معتاد"، وفي (ك) و (ق):"الباطل مضاد".
(2)
في المطبوع: "فتحت له".
(3)
في (ق) و (ك): "عند".
(4)
مسألة إهداء القرب للميت بحثها ابن القيم في عدة مواضع من كتبه، لكن تغير اختياره فيها؛ ففي "الروح"(ص 117 - 143) قرر وصولها إلى الميت عامة، وفي "تهذيب السنن"(3/ 279) قرر وصول ما ورد به النصُّ فقط.
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(6)
في المطبوع: "قبره".
(7)
في المطبوع: "عليه".
(8)
في المطبوع: "فكيف ينقله".
(9)
يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم: لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد" أخرجه=