الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا أعلم شيئًا يدفع هذه السنن (1) والآثار مع صحتها وكثرتها غير رأي فاسد، وهو أن نِعَمَ اللَّه سبحانه وتعالى لا تزال واصلة إلى عبده، فلا معنى لتخصيص بعضها بالسجود، وهذا من أفسد رأي وأبطله.
[نوعا النعم الإلهية]
فإن النعم نوعان: مستمرة، ومتجدّدة، فالمستمرة شكرها بالعبادات والطاعات، والمتجددة شرع لها سجود الشكر، شكرًا للَّه عليها، وخضوعًا له، وذلًّا، في مقابلة فرحة النعم وانبساط النفس لها، وذلك من أكبر أدوائها، فإن اللَّه سبحانه لا يُحبُّ الفَرِحين ولا الأَشِرين، فكان دواء هذا الداء الخضوع والذل والانكسار لرب العالمين، وكان في سجود الشكر من تحصيل هذا المقصود ما ليس في غيره. ونظير هذا السجود عند الآيات (2) التي يُخوّف اللَّه بها عباده كما في الحديث:"إذا رأيتم آية فاسجدوا"(3)، وقد فزع النبيّ صلى الله عليه وسلم عند رؤية انكساف الشمس إلى الصلاة، وأمر بالفَزَع إلى ذكره (4)، ومعلوم أن آياته [تعالى](5) لم تزل مشاهدة معلومة بالحسّ والعقل، ولكن تجدّدها يحدث للنفوس (6) من الرهبة والفزع إلى اللَّه ما لا تحدثه الآيات المستمرة، فتجدُّد هذه النعم في اقتضائها لسجود الشكر كتجدّد تلك الآيات في اقتضائها للفزع إلى السجود والصلاة (7)،
= وورد سجود علي في الحادثة نفسها عن عبيدة السلماني عن علي، وجل المصادر لم تذكر السجود من هذا الطريق، ورواه بذكره الآجرّي في "الشريعة"(رقم 53).
فهذه طرق لا شك أنه يتقوّى بها الحديث، واللَّه أعلم.
قال (و): ". . . وكان [أي: ذا الثدية] في يده مثل ثدي المرأة، على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي عليه شعرات مثل سبالة السنور" اهـ.
(1)
في (ق): "هذا السياق".
(2)
ثبت في "مصنف عبد الرزاق"(4929، 4930) عن ابن عباس وحذيفة أنهما صليا في زلزلة، الأول بالبصرة، والثاني بالمدائن في الآيات، وقال عبد اللَّه في "مسائل أحمد":"رأيت أبي إذا كانت ريح أو ظلمة، أو أمر يفزع الناس منه يفزع إلى الصلاة كثيرًا، والدعاء حتى ينجلي ذلك"، وذهب إلى هذا أبو ثور وأهل الرأي وابن حزم، ولعلّه المراد بالسجود في الحديث الآتي، وانظر:"المحلى"(5/ 96)، و"المغني"(2/ 282)، و"المقنع"(1/ 363)، و"الإنصاف"(2/ 449)، و"فقه الإمام أبي ثور"(ص 271).
(3)
سيأتي تخريجه ضمن قصة ابن عباس الآتية.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
في (ق) و (ك): "سبحانه".
(6)
في المطبوع: "للنفس".
(7)
في المطبوع: "الصلوات".
ولهذا لما بلغ فقيه الأمة وترجمان القرآن عبد اللَّه بن عباس موت ميمونة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم خرّ ساجدًا، فقيل له: أتسجد لذلك؟ فقال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم آية فاسجدوا"، وأيّ آية أعظم من ذهاب أزواج [النبيّ](1) صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا (2)؟ فلو لم تأتِ النصوص بالسجود عند تجدّد النعم لكان هو محض القياس، ومقتضى عبودية الرغبة، كما أن السجود عند الآيات مقتضى عبودية الرهبة، وقد أثنى اللَّه سبحانه على الذين يسارعون في الخيرات ويدعونه رغبًا ورهبًا، ولهذا فرَّق الفقهاء بين صلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء بأن (3) هذه صلاة رهبة وهذه صلاة رغبة، فصلوات اللَّه وسلامه على من جاءت سنّته وشريعته بأكمل ما جاءت به شرائع الرسل وسننهم (4)[وعلى آله].
(1) في (ق) و (ك): "رسول اللَّه".
(2)
رواه أبو داود (1197) في (الصلاة): باب السجود عند الآيات، والترمذي (3891) في (المناقب): باب فضل أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، والطبراني في "الكبير"(11618)، وابن حبان في "المجروحين"(1/ 114)، والبيهقي في "الكبرى"(3/ 343)، والبغوي في "شرح السنة"(1156)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(812)، والمزي في "تهذيب الكمال"(11/ 251) من طريق إبراهيم بن الحكم وسَلم بن جعفر، كلاهما عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس به.
ووقع في سنن الترمذي: "مسلم بن جعفر، وكان ثقة". وقال الترمذي: حسن غريب، وفي نسخة:"حسن صحيح"، ونقله محب الدين الطبري في "السمط الثمين" (ص 10) عنه:"حسن صحيح غريب"، ولعله الصواب.
أما ابن الجوزي فقال: هذا حديث لا يصح، قال يحيى: إبراهيم بن الحكم بن أبان ليس بشيء.
وقال أحمد: ليس بثقة.
أقول: وإبراهيم كما ترى توبع، وسَلْم هذا وثقه ابن المديني، ويحيى بن كثير، والترمذي وابن حبان وابن شاهين.
وقال الأزدي: متروك الحديث لا يحتج به.
أقول: الأزدي نفسه مجروح!
والحكم بن أبان وثقه ابن معين والنسائي وسفيان بن عيينة وابن نمير وابن المديني وأحمد وقد تكلم فيه بعضهم ولعل البلاء من ابنه إبراهيم، فهو حسن الحديث إن شاء اللَّه، وحسن شيخنا الألباني رحمه الله في تعليقه على "المشكاة"(رقم 1491) إسناد هذا الحديث.
(3)
في (ق): "فإن".
(4)
في (ق): "وسنتهم"، وما بين المعقوفتين بعدها سقط منها.