الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الرّد على العلل]
فأما العلة الأولى فقال محمد بن عبد الواحد المقدسي (1): "مِشْرَح قد وثَّقه يحيى بن معين في رواية عثمان بن سعيد (2)، وابن مَعِين أعلم بالرجال من ابن حبَّان" قلت: وهو صدوق عند الحفاظ، لم يتهمه أحد البتة، ولا أطلق عليه أحد من أهل الحديث قط أنه ضعيف، ولا ضعفه ابنُ حبَّان، وإنما قال (3): يروي عن عقبة بن عامر مناكير لا يتابع عليها؛ فالصواب تَرْكُ ما انفرد به، وانفرد ابن حبان من بين أهل الحديث بهذا القول فيه.
وأما العلة الثانية؛ فعبد اللَّه بن صالح قد صرّح بأنه سمعه من الليث، وكونُه لم يخرجه وقت اجتماع البخاري به لا يضره شيئًا؛ وأما قوله:"إن حيوة يروي (4) عن بكر بن عمرو (5) عن مِشْرَح" فإنه يريد به أن حيوة (6) من أقران الليث أو أكبر منه، وإنما روى عن بكر بن عمرو عن مِشْرَح، وهذا تعليل قوي، ويؤكده أن الليث قال:"قال مِشْرَح" ولم يقل: حدثنا، وليس بلازم؛ فإن الليث كان معاصرًا لِمشْرح وهو في بلده، وطلبُ اللَّيث العلمَ (7) وجمعه لم يمنعه أن لا يسمع من مِشْرح حديثه عن عقبة بن عامر وهو معه في البلد.
وأما التعليل الثالث فقال شيخ الإسلام: "إنكار مَنْ أنكر هذا الحديث على عثمان (8) غيرُ جيدٍ، وإنما هو لتوهم انفراده به عن الليث وظَنِّهم أنه لعله أخطأ فيه حيث لم يبلغهم عن غيره من أصحاب الليث، كما قد يتوهم بعضُ مَنْ يكتب الحديث أن الحديث إذا انفرد به عن الرجل مَنْ ليس بالمشهور مِنْ أصحابه كان
(1) في كتابه: "الكمال"، وهو غير مطبوع وطبع "تهذيب الكمال"، وترجمة مشرح فيه (28/ 7 رقم 5974).
(2)
انظر: "تاريخ عثمان بن سعيد"(رقم 755) وقال عئمان عقب توثيق ابن معين: "ومشرح ليس بذاك، وهو صدوق".
(3)
في "المجروحين"(3/ 28)، وذكره في "الثقات" (5/ 452) وقال:"يخطئ ويخالف" وفي المطبوع: "يقال"!
(4)
في (ق) و (ك): "روى".
(5)
في (و): "عمر"، وبعدها في (ن) و (ك):"بن شريح المصري".
(6)
في (ق) و (ك): "أن حيوة بن شريح المصري".
(7)
في (و): "فطلب الليث العلم"، وفي (ن) و (ق):"وطلب الليث للعلم".
(8)
هو ابن صالح المصري يرويه عن الليث عن مشرح عن عقبة رفعه، ومضت روايته ورواية من تابعه (أبو صالح كاتب الليث).
ذلك شذوذًا فيه وعلة قادحة، وهذا لا يتوجه هاهنا لوجهين:
أحدهما: أنه قد تابعه عليه أبو صالح كاتبُ الليث عنه، روِّيناه [عنه] (1) من حديث أبي بكر القَطِيعي [أحمد بن جعفر بن حمدان قال] (1): ثنا جعفر بن محمد الفِرْيابي (2) حدثني العباس المعروف بأبي فريق [قال](1): ثنا أبو صالح: حدثني الليث به، فذكره، ورواه أيضًا الدارقطني في "سننه": ثنا أبو بكر الشافعي [قال](1): ثنا إبراهيم بن الهَيْثم: أخبرنا أبو صالح، فذكره.
الثاني: أن عثمان بن صالح هذا المصري [ثقة](3) روى عنه البخاري في "صحيحه"، وروى عنه ابن معين وأبو حاتم الرازي، وقال (4): هو شيخ صالح سليم [التأدية](5)، قيل له: كان يُلَقَّن؟ قال: لا.
ومَنْ (6) كان بهذه المثابة كان ما ينفرد به حجة، وإنما الشاذ (7) ما خالف به الثقات، لا ما انفرد به عنهم، فكيف إذا تابعه مثل أبي صالح وهو كاتب الليث وأكثر الناس حديثًا عنه؟ وهو ثقة أيضًا، وإن كان قد وقع في بعض حديثه غلط، ومِشْرَح بن هاعان (8)، قال فيه ابن معين (9): ثقة، وقال فيه الإمام أحمد (10): هو معروف؛ فثبت أن هذا [الحديث](11) حديث جيّد وإسناده حسن" (12) انتهى. وقال الشافعي: ليس الشاذ أن ينفرد الثقة عن الناس بحديثٍ، إنما الشاذ أن يخالف ما رواه الثقات (13).
(1) ما بين المعقوفتين من كتاب: "بيان الدليل على بطلان التحليل".
(2)
في (ق): "محمد بن جعفر" أشار في الهامش أنه في نسخة: "جعفر بن محمد".
(3)
بدل ما بين المعقوفتين في نسخ "الإعلام" المطبوعة والخطية "نفسه" والمثبت من "بيان الدليل".
(4)
في "الجرح والتعديل"(6/ 154 رقم 846) وانظر: "تهذيب الكمال"(19/ 391 - 393).
(5)
بدل ما بين المعقوفتين في "بيان الدليل": "الناحية".
(6)
في "بيان الدليل": "وهن"!
(7)
في "بيان الدليل": "وإنما أشاذ"!
(8)
في المطبوع و (ن) و (ق): "عاهان"، والصواب ما أثبتناه كما في "بيان الدليل"، وكتب الرجال.
(9)
وثقه في رواية عثمان بن سعيد الدارمي في "تاريخه"(رقم 755) وانظر: "الجرح والتعديل"(8/ 432).
(10)
قاله في رواية حرب بن إسماعيل عنه، كما في "الجرح والتعديل"(8/ 432) و"تهذيب الكمال"(28/ 8).
(11)
ما بين المعقوفتين من "الإعلام" فقط.
(12)
انظر كلام شيخ الإسلام بطوله في: "بيان الدليل على بطلان التحليل"(ص 398 - 399 - تحقيق: د فيحان المطيري).
(13)
انظر قول الشافعي رحمه الله في "آداب الشافعي ومناقبه" لابن أبي حاتم (233، 234، 235)، "المقنع"(1/ 165) لابن الملقن، "الإرشاد"(1/ 176)"معرفة علوم الحديث"(119).