الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتوضأ ويصلي ركعتي الطواف أولى بالجواز، وقد نص أحمد على أنه إذا خطب جنبًا جاز (1).
فصل [حكم الطهارة للطواف]
وإذا ظهر أن الطهارة ليست شرطًا في الطواف (2)، فإما أن تكون واجبة وإما أن تكون سنة، وهما قولان للسلف والخلف، ولكن مَنْ يقول هي سنة من أصحاب أبي حنيفة يقول: عليها دم، وأحمد يقول؛ ليس عليها دم ولا غيره، كما صرح به فيمن طاف جنبًا وهو ناسٍ، قال شيخنا (3): فإذا طافت حائضًا مع عدم العذر توجّه القول بوجوب الدم عليها، وأما مع العجز فهنا غاية ما يُقال: عليها دم؛ والأشبه أنه لا يجب الدم؛ لأن الطهارة واجب يُؤمر به مع القدرة لا مع العجز، فإن لزوم الدم إنما يكون مع ترك المأمور أو [مع](4) فعل المحظور، وهذه لم تترك مأمورًا في هذه الحال ولا فعلت محظورًا، فإنها إذا رَمَتِ الجمرةَ وقصرت حل لها ما كان محظورًا عليها بالإحرام غير النكاح؛ فلم يبقْ بعد التحلل الأول محظورٌ يجب بفعله دم، وليست الطهارة مأمورًا بها مع العجز فيجب بتركها دم.
فإن قيل: لو كان طوافها مع الحيض ممكنًا أُمِرت بطواف القدوم وطواف الوداع، فلما سقط عنها طواف القدوم والوداع علم أن طوافها مع الحيض غير ممكن.
قيل: لا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط طواف القدوم عن الحائض، وأمر عائشة لما قدمت وهي متمتعة فحاضت أن تَدَعَ أفعال العمرة وتحرم بالحج (5)؛ فعلم أن
(1) انظر: "زاد المعاد"(1/ 219) للمؤلف، و"مجموع الفتاوى"(26/ 126، 199، 247)، و"شرح العمدة"(3/ 582)، و"المغني"(3/ 377)، و"الفروع"(3/ 501)، و"المبدع"(3/ 221)، و"كشاف القناع"(2/ 485).
(2)
مبحث "شروط الطواف" انظره في "تهذيب "السنن" (1/ 52 - 53).
(3)
في "مجموع الفتاوى"(26/ 207 - 215)، والكلام الآتي برمته له، وعنده تفصيل زائد، فراجعه.
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ك) و (ق).
(5)
سبق تخريجه.
الطواف مع الحيض محظور لحرمة المسجد أو للطواف أولهما، والمحظورات لا تباح إلا في حالة الضرورة، ولا ضرورة بها إلى طواف القدوم؛ لأنه سنة بمنزلة تحية المسجد، ولا إلى طواف الوداع؛ فإنه ليس من تمام الحج، ولهذا لا يودِّع المقيم بمكة، وإنما يوء المسافر عنها فيكون آخر عهده بالبيت (1)، فهذان الطوافان أمر بهما القادر عليهما إما أَمْرَ إيجاب فيهما أو في أحدهما أو استحباب كما هي أقوال معروفة، وليس واحد منهما ركنًا يقف صحة الحج عليه، بخلاف طواف الفرض فإنها مضطرة إليه، وهذا كما يباح لها الدخول إلى المسجد واللُّبْثُ فيه للضرورة، ولا يباح لها الصلاة ولا الاعتكاف فيه وإن كان منذورًا، ولو حاضت المعتكفة خرجت من المسجد إلى فنائه فأتمت اعتكافها ولم يبطل، وهذا يدل على أن منع الحائض من الطواف كَمنعها من الاعتكاف، وإنما هو لحرمة المسجد لا لمنافاة الحيض لعبادة الطواف والاعتكاف، ولما كان الاعتكاف يمكن أن يفعل في رَحْبَة المسجد وفنائه جوز لها إتمامه فيها لحاجتها، والطواف لا يمكن إلا في المسجد وحاجتها في هذه الصورة إليه أعظم من حاجتها إلى الاعتكاف، بل لعل حاجتها إلى ذلك أعظم من حاجتها إلى دخول المسجد واللبث فيه لبَرْد أو مَطَر أو نحوه.
وبالجملة فالكلام في هذه الحادثة في فصلين:
أحدهما: في اقتضاء قواعد الشريعة لها لا لمنافاتها (2)، وقد تبين ذلك بما فيه كفاية.
والثاني: في أن كلام الأئمة وفتاويهم في الاشتراط أو الوجوب إنما هو في حال القدرة والسَّعَة لا في حال الضرورة والعجز؛ فالإفتاء بها لا ينافي نص الشارع ولا قول الأئمة، وغاية المفتي بها أنه يقيد مطلق كلام الشارع بقواعد شريعته وأصولها، ومطلق كلام الأئمة بقواعدهم وأصولهم؛ فالمفتي بها موافق
(1) رواه البخاري (1755) في (الحج): باب طواف الوداع، ومسلم (1328) من حديث ابن عباس قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت.
ورواه مسلم (1327) في (الحج): باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينفرنّ أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت" من حديث ابن عباس أيضًا.
وانظر: "زاد المعاد"(1/ 239 - 240).
(2)
في (ن) و (ك) و (ق): "منافاتها لها".