الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوليد بن عقبة، فشرب الخمر، فأردنا أن نحده، فقال حذيفة: أتحدُّون أميركم وقد دنوتم من عدوكم فيطمعوا فيكم؟ (1)
[قصة أبي محجن]
وأُتي سعد بن أبي وقَّاص بأبي مِحْجَنٍ يوم القادسية وقد شربَ الخمر، فأمر به إلى القيد، فلما التقي النَّاسُ قال أبو محْجَنٍ:
كَفَى حَزَنًا أن تطرد (2) الخيلُ بالقَنَا
…
وأُتْرَكَ مشدودًا عليَّ وثاقِيا
فقال لابنة خصفة (3) امرأة سعد: أطلقيني ولَكِ واللَّه (4) عليَّ إن سَلَّمني اللَّه أن أرجع حتى أضَعَ رجلي في القَيْد، فإن قتلت استرحْتُمْ مني، قال: فحلّته حين (5) التقي الناس وكانت بسعد جراحة فلم يخرج يومئذ إلى الناس، قال: وصعدوا به فوق العذيب ينظر إلى الناس، واستعمل على الخيل خالد بن عُرْفُطة، فوثب أبو مِحْجَنٍ على فَرَس لسعد يقال لها: البلقاء، ثم أخذ رمحًا ثم خرج فجعل لا يحمل على ناحية من العدو إلا هَزَمهم، وجعل الناس يقولون: هذا مَلَك، لما يرونه يصنع، وجعل سعد يقول: الضَّبْرُ ضبْرُ (6) البلقاء، والظفر ظفر أبي محجن، وأبو محجن في القيد، فلما هُزِم العدو رجع أبو محجن حتى وضع رجليه في القيد، فأخبرت ابنة خصفة سعدًا بما كان من أمره، فقال سعد: لا واللَّه لا
(1) هو في "سنن سعيد بن منصور"(2501)، و"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 566) من طريق عيسى بن يونس وأبو يوسف في "الخراج"(ص 361 - ط إحسان عباس) كلاهما عن الأَعمش عن إبراهيم به.
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات.
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه"(9372) من طريق ابن عيينة عن الأَعمش به، إلا أنه قرن بحذيفة بن اليمان أبا مسعود الأنصاري، وجعله من قولهما معًا، وإسناده صحيح كذلك.
(2)
وقع في "الإصابة": "ترتدي"، وفي رواية الطبري وابن الأثير والراغب:"تردي"، وفي كتاب "الشعر والشعراء":"قطعن"، وفي "المجالسة":"تطعن".
(3)
ذكر الاسم بعد قليل أيضًا محرفًا في المطبوع إلى: "حفصة".
(4)
في (ن) و (ق): "ولك اللَّه".
(5)
في المطبوع: "حتى".
(6)
في جميع النسخ المطبوعة: "الصبر صبر" بالصاد المهملة، وصوابه بالضاد المعجمة، قال الخطابي في "غريبه" (2/ 224):"الضَّبْر: عَدْو الفَرس، وهو أن يجمع قوائمه ثم يَثِب" قال: "ومن هذا قيل للرجل المجتمع الخلق: مضْبور، وللحزمة من الكتب إضبارَة، وللجماعة يغزون ضَبْر".
أضرب اليوم رجلًا أبْلى للمسلمين ما أبلاهم، فخلَّى سبيله، فقال أبو محجن: قد كنتُ أشربها إذ يقام عليَّ الحدُّ وأُطَهَّرُ منها، فأما إذ بَهْرَجْتَني فواللَّه لا أشربها أبدًا (1).
(1) أخرجه الدينوري في "المجالسة"(رقم 1014 - بتحقيقي)، قال: حدثنا عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة، نا إسماعيل بن محمد، عن الأصمعي، عن ابن عون، عن عُمَيْر بن إسحاق؛ قال:. . . وذكر نحوه، وإسناده ضعيف.
عُمير بن إسحاق لم يرو عنه غير عبد اللَّه بن عون، قاله خليفة في "طبقاته"(ص 255)، ومسلم في "الوحدان"(ص 18 - ط الهندية)، والنسائي في "تسمية من لم يرو عنه غير رجل واحدًا:(رقم 8 - بتحقيقي)، وأبو حاتم في "الجرح والتعديل"(6/ 375)، وأحمد في "العلل"(رقم 4441، 4443 - رواية ابنه عبد اللَّه)، والخطيب في "تالي التلخيص"(رقم 137 - بتحقيقي)، وابن عدي في "الكامل"(5/ 1724)، والذهبي في "الميزان"(3/ 296).
وذكر ابن حجر في "التهذيب"(8/ 127) أن العقيلي ذكره في "الضعفاء"(3/ 317)؛ لأنه لم يرو عنه غير واحد.
ومن هذا تعلم أن ما في "طبقات ابن سعد"(7/ 220) في ترجمته: "روى عنه البصريون ابن عون وغيره" فيه نظر كبير.
وانظر له: "تهذيب الكمال"(22/ 369 - 371).
قلت: ولا يعرف لعُمير سماع من سعد أو شهود لواقعة القادسية!!
وقد رويت القصة عن غيره وسنه تتحملها؛ فقد أورد المزي من ضمن من روى عنهم: عمرو بن العاص، وأبو هريرة، والمقداد بن الأسود.
وفي القصة نكارة ظاهرة، ولا سيما أن في آخرها: أن سعدًا عزم على عدم سجنه مرة أخرى إن عاد إلى شرب الخمر، وليس ذلك من سلطته شرعًا، وليست عقوبة شارب الخمر السجن، وليس من سلطة سعد أو أم ولده -إن صح أن عمر أمر بسجنه- أن يفرج عن أبي محجن قبل أن يراجع عمر، واضطربت الروايات في سبب سجن أبي محجن؛ فرواية تذهب إلى أنه كان ممن شغب على سعد حين استخلف خالد بن عرفطة، وتذهب رواية إلى أن أبا جهراء لحق بعمر حين هرب منه أبو محجن، فكتب عمر إلى سعد بسجنه، ورواية ثالثة تقول أن أبا محجن هوى امرأة من الأنصار يقال لها:(شموس)، فحاول النظر إليها فلم يقدر؛ فآجر نفسه من بنّاء كان يبني بيتًا بجانب منزلها، فأشرف عليها، وأنشد شعرًا، فاستعدى زوجها عمر، فنفاه، وكان ذلك سبب قصة أبي الجهراء، وفي رواية رابعة: أن عمر سجنه بسبب أبيات شعر قالها في الخمر، وفي رواية أن سعدًا لم يسجنه، وقال له:"اذهب؛ فما أنا بمؤاخذك بشيء حتى تفعله".
وفي هذا اضطراب شديد، وبعضها مصنوع.
وأخرجه ابن قتيبة في "عيون الأخبار"(1/ 284 - ط دار الكتب العلمية، و 1/ 187 - ط المصرية): حدثني يزيد بن عمرو: حدثنا أسهل بن حاتم: حدثنا ابن عون، به نحو ما عند المصنف. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(رقم 2502 ط الأعظمي) -ومن طريقه الخطابي في "غريب الحديث"(2/ 323) -، وابن أبي شيبة في "المصنف" وأبو أحمد الحاكم في "الكني" -كما في "الإصابة"(4/ 174) -، وعمر بن شبّة -ومن طريقه محمد بن عمران العبدي في "العفو والاعتذار"(2/ 599 - 602)، وأبو الفرج في "الأغاني" (19/ 11 - 12 - ط دار الكتب العلمية) -؛ جميعهم عن أبي معاوية محمد بن خازم: نا عمرو بن مهاجر، عن إبراهيم بن محمد بن سعد، عن أَبيه؛ قال: أتي سعد بأبي محجن يومِ القادسية، وقد شرب الخمر. . . "، وذكره بنحوه، وفيه قول سعد؛ "واللَّه؛ لا أحبسه أبدًا في الخمر".
ورجّح ابن حجر في "الإصابة"(4/ 175) ألفاظ هذا الطريق، وقال (4/ 174):
"وأخرج عبد الرزاق [في "المصنف" (9/ 243 رقم 7077) وابن القاص الطبري في "أدب القاضي" (1/ 128 - 129)، بسند صحيح عن ابن سيرين: كان أبو محجن الثقفي لا يزال يجلد في الخمر، فلما أكثر عليهم، سجنوه وأوثقوه، فلما كان يوم القادسية. . . "، وذكر نحوه، وانظر:"الاستيعاب"(4/ 310).
ثم قال ابن حجر بعد كلام طويل (4/ 175 - 176): "وأنكر ابن فتحون قول من روى أن سعدًا أبطل عنه الحد، وقال: لا يظن هذا بسعد، ثم قال: لكن له وجه حسن، ولم يذكره، وكأنه أراد أن سعدًا أراد بقوله: "لا يجلده في الخمر" بشرط أضمره، وهو: إن ثبت عليه أنه شربها؛ فوفقه اللَّه أن تاب توبة نصوحًا؛ فلم يعد إليها؛ كما في بقية القصة".
قلت: وهذا التأويل بعيد، ولا يتناسب مع السياق الذي قيلت فيه هذه المقولة، وهذا شرط عام يجب توفره في حق كل أحد، ويا ليت ابن فتحون صرح به!
وأخرج نحوها مطولة: سيف بن عمر في كتاب "الفتوح" -ومن طريقه أبو الفرج الأصفهاني في "الأغاني"(11/ 7 - 8 - ط دار الكتب العلمية)، وابن قدامة في "التوّابين"(ص 145 - 147) - عن محمد وطلحة وابن مخراق وزياد؛ قالوا. . . وذكروها.
وانفرد سيف بذكر أشياء فيها؛ قال ابن حجر في "الإصابة"(4/ 175):
"قلت: سيف ضعيف، والروايات التي ذكرناها أقوى وأشهر".
وانفرد أبو الفرج الأصفهاني في "الأغاني"(11/ 5 - 6، 11 - 12) بذكر طرق أخرى عن قصاصين! وهي أشبه منها بالحكايات من الطرق الثابتات، والنيل من صحابي جليل، واتهامه بشرب الخمر، بله الإدمان عليه، وغزل النساء والتشبب والتعلق والتفكير والعمل على لقائهن، والنظر إليهن أمر لا يقدم عليه إلا مَنْ خَفَّ دينه، وطاش عقله، نسأل اللَّه السلامة.
وعلى كلٍّ؛ هذه قصة شهر ذكرها في كتب الأدب والتاريخ، والنفس ليست مطمئنة إلى صحة تفصيلاتها، وفيما ذكرناه كفاية، ولعل لي عودة لها في كتابي "قصص لا تثبت"، واللَّه الموفق. =