الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليس ذلك في الصلاة، وإنما هو بدل عن قيام الليل (1)، وبقوله [للأعرابي] (2):"ثم اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن"(3) وهذا يحتمل أن يكون قبل تعيين الفاتحة للصلاة وأن يكون الأعرابي لا يحسنها، وأن يكون لم يسئ في قراءتها، فأمره أن يقرأ معها ما تيسر من القرآن، وأن يكون أمره بالاكتفاء بما تيسر عنها؛ فهو متشابه يحتمل هذه الوجوه فلا يترك له المحكم الصريح (4).
[رد نصوص وجوب التسليم]
المثال السابع عشر: رد المحكم الصريح من توقف الخروج من الصلاة على التسليم كما في قوله: "تحليلها التسليم"(5)، وقوله:"إنما يكفي أحدكم أن يُسلِّم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله: السلامُ عليكم ورحمة اللَّه، السلام عليكم ورحمة اللَّه"(6) فأخبر أنه لا يكفي غير ذلك فرد بالمتشابه من قول ابن مسعود: "فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك"(7) وبالمتشابه من عدم أمره للأعرابي بالسلام.
[رد نصوص وجوب النية]
المثال الثامن عشر: رد المحكم الصريح في اشتراط النية لعبادة الوضوء والغسل كما في قوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [حُنَفَاءَ] (8)} [البينة:
(1) قال في هامش (ق): "لعله: وإنما هو في قيام الليل".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ق) و (ك).
(3)
هو في حديث المسيء صلاته الذي مضى تخريجه.
(4)
انظر: "بدائع الفوائد"(3/ 94).
(5)
سبق تخريجه قريبًا.
(6)
رواه مسلم (431) في (الصلاة)؛ باب الأمر بالسكون في الصلاة، من حديث جابر بن سمرة لكن عنده:"إنما يكفي أحدكم. . . ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله" هكذا مختصرًا.
ورواه الشافعي في "مسنده"(1/ 98)، وعبد الرزاق (3135)، والحميدي (896)، وأحمد (5/ 86 و 88 و 102 و 107)، وأبو داود في (الصلاة) (998 و 999): باب في السلام، والنسائي (3/ 4 - 5) في (السهو): باب السلام بالأيدي في الصلاة، وابن خزيمة (733)، وابن حبان (1880 و 1881)، والطبراني في "الكبير"(1837)، والبغوي (699) من طرق عن مِسْعر عن عبيد اللَّه بن القبطية عن جابر مرفوعًا مطولًا باللفظ الذي ذكره ابن القيم، ومختصرًا كلفظ مسلم وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وما بين المعقوفتين سقط من (د).
(7)
سبق تخريجه.
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
5]، وقوله:"وإنما لامرئ ما نوى"(1) وهذا لم ينو رفع الحَدَث فلا يكون له بالنص؛ فردوا هذا بالمتشابه من قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] ولم يأمر بالنية، قالوا: فلو أوجبناها بالسنة لكان زيادة على نص القرآن فيكون نسخًا، والسنة لا تنسخ القرآن؛ فهذه ثلاث مقدمات:
إحداها: أن القرآن لم يوجب النية.
الثانية: أن إيجاب السنة لها نسخ للقرآن.
الثالثة: أن نسخ القرآن بالسنة لا يجوز.
وبنوا على هذه المقدمات إسقاط كثير مما صَرَّحت السنة بإيجابه كقراءة الفاتحة والطمأنينة وتعيين التكبير للدخول في الصلاة والتسليم للخروج منها.
ولا يُتصوَّر صِدْق المقدِّمات الثلاث (2) في موضع واحد أصلًا، بل إما أن تكون كلها كاذبة أو بعضه؛ فأما آية الوضوء فالقرآن قد نبَّه على أنه لم يكتف من طاعات عباده إلا بما أخلصوا له فيه الدين، فمن لم ينو التقرب إليه جملة لم يكن ما أتى به طاعة ألبتة؛ فلا يكون معتدًا به (2)، مع أن قوله:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] إنما يَفهم المخاطب منه غسل الوجه وما بعده لأجل الصلاة كما يفهم من قوله: "إذا واجهت الأمير فترجل، وإذا دخل الشتاء فاشتر الفرو"(3) ونحو (4) ذلك؛ فإن لم يكن القرآن قد دل على النية ودلت عليها السنة لم يكن وجوبها ناسخًا للقرآن وإن كان زائدًا عليه، ولو كان كل ما أوجبته السنة ولم يوجبه القرآن نسخًا له لبطلت أكثر سنن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ودفع في صدورها
(1) أخرجه البخاري في "صحيحه" في مواطن كثيرة، منها:(كتاب بدء الوحي) باب كيف كان بدء الوحي (1/ 9/ رقم 1)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الإمارة): باب قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"(3/ 1515/ رقم 1907)، والترمذي في "الجامع" (أبواب فضائل الجهاد): باب ما جاء فيمن يقاتل رياء (4/ 179/ رقم 1647)، وأبو داود في "السنن" (كتاب الطلاق): باب فيمن عني به الطلاق والنيات (2/ 651/ رقم 2201)، والنسائي في "المجتبى" (كتاب الطهارة): باب النية في الوضوء (1/ 58)، وابن ماجه في "السنن" (كتاب الزهد): باب النية (2/ 1413/ رقم 4227)، وأحمد في "المسند"(1/ 25، 43) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يصح إلا من حديثه.
ووقع في (ن): "وإنما لكل امرئ ما نوى".
(2)
سقطت من (ك) و (ق).
(3)
في (ن) و (ق): "فاشتروا الفرو"!.
(4)
في (ك): "أو نحو".
وإعجازها، وقال القائل: هذه زيادة على ما في كتاب اللَّه فلا تُقبل ولا يعمل بها، وهذا بعينه هو الذي أخبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه سيقع وحَذَّر منه كما في "السنن" من حديث المِقدام بن مَعْديكرب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ألا إني أوتيتُ القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجلٌ شبعانَ على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما (1) وجدتم فيه من حلالٍ فأحلوه وما وجدتم فيه من حَرَام فحرِّموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة مال المعاهد" وفي لفظ: "يوشك أن يقعد الرجل (2) على أريكته فَيُحَدَّثُ بحديثي فيقول: بيني وبينكم كتاب اللَّه، فما وجدنا فيه حلالًا استحللناه، وما وجدنا فيه حرامًا حَرَّمناه، وإن ما حَرَّم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما حرم اللَّه"(3).
(1) في (ق): "ما".
(2)
زاد هنا في (ك) و (ق): "منكم".
(3)
اللفظ الأول: أخرجه أبو داود في "السنن"(كتاب السنة): باب في لزوم السنة (4/ 200/ رقم 4604)، وأحمد في "المسند"(4/ 130 - 131)، والآجري في "الشريعة"(ص 51)، وابن نصر المروزي في "السنة" ص (116) والطبراني في "الكبير"(20/ رقم 670)، والبيهقي في "الدلائل"(6/ 549)، والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه"(1/ 89)، وفي "الكفاية"(ص 9)، والحازمي في "الاعتبار"(ص 7)، وابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 149 - 150)، والهروي في "ذم الكلام"(73) من طريق حريز بن عثمان عن عبد اللَّه بن أبي أوفى الجُرَشي عن المقدام بن معديكرب مرفوعًا، وإسناده صحيح.
وتابع حريزًا مروان بن رؤبة التغلبي؛ كما عند أبي داود في "السنن"(كتاب الأطعمة): باب النهي عن أكل السباع (3/ 355/ رقم 3804 - مختصرًا)، والدارقطني في "السنن"(4/ 287)، وابن حبان في "الصحيح"(رقم 97 - موارد)، وابن نصر المروزي في "السنة"(ص 116)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(1/ 89)، ابن رؤبة مقبول، وقد توبع.
أما اللفظ الثاني: فقد أخرجه الترمذي في "الجامع"(أبواب العلم): باب ما نُهي عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم (5/ 38/ رقم 2664)، وابن ماجه في "السنن" (المقدمة): باب تعظيم حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والتغليظ على من عارضه (1/ 6/ رقم 12)، وأحمد في "المسند"(4/ 130 - 131)، والدارمي في "السنن"(1/ 144)، والدارقطني في "السنن"(4/ 286)، والبيهقي في "الكبرى"(7/ 76)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(1/ 88)، و"الكفاية"(8 - 9)، وابن عبد البر في "الجامع"(رقم 2343)، والحازمي في "الاعتبار"(ص 245)، والسمعاني في "أدب الإملاء والاستملاء"(ص 3)، والهروي في "ذم الكلام"(ص 72) من طريق معاوية بن صالح عن الحسن بن جابر عن المقدام بن معديكرب، وذكره.
والحسن بن جابر وثقه ابن حبان، وقال ابن حجر في "التقريب":"مقبول"، وفي الباب عن جماعة آخرين منها: =