الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[رد المحكم من نصوص إثبات الحكمة والغاية]
المثال الثامن: رد النصوص المحكمة الصريحة التي في غاية الصحة والكثرة على أن الرب سبحانه إنما يفعل ما يفعله لحكمة وغاية محمودة، وجودها خير من عدمها، ودخول لام التعليل في شرعه وقدره أكثر من أن تعد، فردوها بالمتشابه من قوله:{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] ثم جعلوها كلها متشابهة.
[رد نصوص إثبات الأسباب]
المثال التاسع: رد النصوص الصحيحة الصريحة الكثيرة الدالة على ثبوت الأسباب شرعًا وقدرًا كقوله: {بِمَا كنُتُم تعْمَلُونَ} (1)[المائدة: 105]، {بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [الأعراف: 39 ويونس: 52]، {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [آل عمران: 182]، {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: 10]، {بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: 93]، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} [النحل: 107]، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 9]، {ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [الجاثية: 35]، وقوله:{يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة: 16]، {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [البقرة: 26]، وقوله:{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ق: 9]، وقوله:{فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 57]، وقوله:{فَأَنْشَأْنَا (2) لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} [المؤمنون: 19] وقوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: 14]، وقوله في العسل:{فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69]، و [قوله] (3) في القرآن:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] إلى أضعاف [أضعاف](4) ذلك من النصوص المثبتة للسبب (5) فردوا ذلك كله بالمتشابه من قوله: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3]، وقوله:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]
(1)"هناك غيرها بباء السببية -أيضًا- {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32]، {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ} [السجدة: 14] وغيرها"(و).
(2)
في المطبوع و (ق) و (ك): "فأنبتنا"، والصواب ما أثبتناه.
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
في المطبوع و (ك): "للسببية".
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أنا حملتكم ولكن اللَّه حملكم"(1) ونحو ذلك، وقوله:"إني لا أعطي أحدًا ولا أمنعه"(2)، وقوله للذي سأله عن العَزْل عن أمته:"اعزل عنها فسيأتيها ما قُدِّر لها"(3)، وقوله:"لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ"(4)، وقوله:"فمن أعدى الأول"(5)، وقوله:"أرأيت إنْ منعَ اللَّه الثمرة"(6)، ولم يقل منعها البرد أو (7) الآفة التي تصيب الثمار، ونحو ذلك من المتشابه الذي إنما يدل على أن مالكَ السَّببِ وخالقه يتصرف فيه؛ بأن يُسلبه سببيَّته إن شاء، ويُبقيها عليه إن شاء، كما سَلَبَ النار قوَّةَ الإحراق عن الخليل، ويا للَّه العجب! أترى من أثبت الأسباب، وقال: إن اللَّه خالقها أثبتَ خالقًا غير اللَّه؟!
وأما قوله: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] فغاب عنهم فقه الآية وفهمها، والآية من أكبر معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، والخطاب بها خاص لأهل بدر. وكذلك القبضة التي رمى بها النبي صلى الله عليه وسلم فأوصلها اللَّه سبحانه إلى جميع وجوه المشركين (8)، وذلك خارج عن قدرته صلى الله عليه وسلم،
(1) رواه البخاري (3133) في (فرض الخمس): باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين -وأطرافه هناك وهي كثيرة جدًا- ومسلم (1649) في (الأيمان): باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه، من حديث أبي موسى الأشعري.
(2)
لم أعثر عليه بهذا اللفظ، وإنما وجدت في "صحيح البخاري" (3117) في (فرض الخمس): باب قوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "ما أعطيكم وما أمنعكم، إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت"، وبنحوه في "مسند أحمد"(2/ 248).
(3)
رواه مسلم (1439) في (النكاح): باب حكم العزل، من حديث جابر.
(4)
قطعة من حديث أخرجه البخاري (كتاب الطب): باب لا هامة (10/ 241/ رقم 577)، وباب لا صفر (10/ 171/ رقم 5717)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب السلام): باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر (4/ 1742 - 1743/ رقم 2220)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه:"لا عدوى ولا صفر ولا هامة" فقال أعرابي: يا رسول اللَّه! فما بال إبلي تكون في الرمل كأنها الظِّباء، فيأتي البعير الأجرب؛ فيدخل بينها فيجربها؟ قال: "فمن أعدى الأول؟.
وقال (و): "والطيرة: هي التشاؤم بالشيء، ولم يجيء غيرها هي وخيرة -كذا- من المصادر هكذا".
(5)
قطعة من آخر الحديث السابق.
(6)
سبق تخريجه.
(7)
في المطبوع: "و".
(8)
رواه الطبري في "تفسيره"(9/ 205) مختصرًا، وأبو نعيم في "دلائل النبوة"(ص 469 رقم 400)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (3/ 78 - 79) من طريق عبد اللَّه بن صالح قال: =
وهو الرمي الذي نفاه عنه، وأثبت له الرمي الذي هو في محل قدرته وهو الخذْف (1)، وكذلك القَتْل الذي نفاه عنهم هو قتل لم تباشره أيديهم، وإنما باشرته أيدي الملائكة، فكان أحدهم يشتدُّ في أَثَر الفارس وإذا برأسه قد وقع أمامه من ضربة الملك، ولو كان المراد ما فهمه هؤلاء الذين لا فقه لهم في فهم النصوص لم يكن فرق بين ذلك وبين كل قتل وكل فعل من شرب أو زنى أو سرقة أو ظلم فإن اللَّه خالق الجميع، وكلام اللَّه يُنزَّه عن هذا (2).
وكذلك قوله: "ما أنا حملتكم ولكن اللَّه حملكم"(3) لم يُرد أنَّ اللَّه حَمَلهم بالقدر، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم متصرفًا بأمر اللَّه منفّذًا له، فاللَّه سبحانه أمره بحملهم فنفَّذ أوامره، فكأن اللَّه هو الذي حملهم، وهذا معنى قوله:"واللَّه إني لا أعطي أحدًا شيئًا ولا أمنعه"(3)، ولهذا قال:"وإنما أنا قاسم"(4) فاللَّه سبحانه هو المعطي على لسانه وهو يقسم ما يقسمه (5) بأمره، وكذلك قوله في العَزْل:"فسيأتيها ما قُدّر لها"(6) ليس فيه إسقاط الأسباب؛ فإن اللَّه سبحانه إذا قَدَّر خلق الولد سبق من الماء ما يخلق منه الولد ولو كان أقل شيء فليس من كل الماء يكون الولد، ولكن أين في السنة أن الوطء لا تأثير له في الولد ألبتة وليس سببًا له، وأن الزوج أو
= حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
أقول: عبد اللَّه بن صالح كاتب الليث فيه كلام، وعلي بن أبي طلحة روايته عن ابن عباس مرسلة، لكن هناك شواهد مرفوعة وموقوفة تجعل للحادثة أصلًا أصيلًا؛ فانظر:"فتح الباري"(7/ 236) و"السيرة النبوية"(2/ 239) لابن كثير، و"الدر المنثور"(4/ 39 - 42) وتعليقي على "الموافقات"(3/ 69 - 70).
(1)
"رمي الحصا بالأصابع"(و).
(2)
انظر مبحث ابن القيم في التعليل والأسباب في: "شفاء العليل"(396 - 418)، و"مفتاح دار السعادة"(6، 8، 36 - 38، 350 - 351، 427، 373 مهم)، و"بدائع الفوائد"(1/ 44 - 60 و 2/ 205، 210، 211 و 3/ 179 و 4/ 127 - 130)، و"الداء والدواء"(20 - 22) مهم، و"حادي الأرواح"(ص 81 - 82)، و"مدارج السالكين"(1/ 94 و 2/ 116، 118، 133، 134 و 3/ 395 - 410، 495) مهم.
(3)
سبق تخريجه قريبًا.
(4)
جزء من حديث، رواه البخاري في (العلم) (71): باب من يرد اللَّه به خيرًا يفقهه في الدين، و (3116) في (فرض الخمس): باب قوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} و (7312) في (الاعتصام): باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق"، وهم أهل العلم، ومسلم (1037)(100)، من حديث معاوية بن أبي سفيان.
(5)
في (د): "قسمه".
(6)
سبق تخريجه.