الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[لا يؤاخذ الإنسان حين يخطئ من شدة الغضب]
وكذلك إذا أخطأ من شدة الغضب لم يؤاخذ بذلك، ومن هذا قوله تعالى:{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11] قال السلف: هو دعاء الإنسان على نفسه وولده وأهله في حال الغضب، ولو (1) استجابه اللَّه تعالى لأهلكه وأهلك مَنْ يَدْعو عليه، ولكنه لا يستجيبه لعلمه بأن الداعي لم يقصده (2).
[حكم الطلاق حال الغضب]
ومن هذا رفعه صلى الله عليه وسلم حكم الطلاق عمن (3) طلق في إغلاق (4)، وقال الإمام أحمد في رواية حنبل: هو الغَضَب، وبذلك (5) فسَّره أبو داود، وهو قول القاضي إسماعيل بن إسحاق أحد أئمة المالكية ومُقَدَّم فقهاء أهل العراق منهم، وهي (6) عنده مِنْ لَغْو اليمين أيضًا، فأدخل يمين الغضبان في لغو اليمين وفي يمين الإغلاق، وحكاه شارح "أحكام عبد الحق" عنه، وهو ابن بزيزة الأندلسي، قال: وهذا قول عليّ (7) وابن عباس وغيرهما من الصحابة أن الأيمان المنعقدة كلها في حال الغضب لا تلزم، وفي "سنن الدارقطني" بإسناد فيه لِين من حديث ابن عباس يرفعه:"لا يمين في غَضَبٍ، ولا عتاق فيما لا يملك"(8) وهو وإن لم يثبت رفعه
(1) في (ك) و (ق): "لو".
(2)
قاله مجاهد، وهو في "تفسيره" (1/ 292) وأسنده عنه ابن جرير (11/ 92) وابن أبي حاتم (6/ 1932 رقم 10255) وقال المصنف في "إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان" (ص 8): وفي "تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد. . . " وذكره.
(3)
في (ن) و (ق): "فيمن".
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
في المطبوع: "وكذلك".
(6)
في (ك): "وهو".
(7)
مضى تخريجه.
(8)
رواه الدارقطني في "سننه"(4/ 16 و 159) -ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق"(9/ 136 رقم 2058 و 10/ 368 رقم 2422) - وابن عدي في "الكامل"(3/ 1110)، والطبراني في "المعجم الكبير"(10933)، وفي "الأوسط"(رقم 2029) من طريق سليمان بن أبي سليمان عن يحيى بن أبي كثير عن الزهري عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا، وفيه زيادة، وليس عند الطبراني في "الكبير": ولا يمين في غضب.
قال الهيثمي في "المجمع"(4/ 186): ورجال الكبير ثقات!!
أقول: سليمان بن أبي سليمان هذا هو ابن داود اليمامي، قال فيه ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، أما ابن عدي في "الكامل" فجعلهما اثنين: =
فهو قول ابن عباس، وقد فسَّر الشافعي (1):"لا طلاق في إغلاق" بالغضب، وفسره به مسروق؛ فهذا مسروق والشافعي وأحمد وأبو داود والقاضي إسماعيل، كلهم فسروا الإغلاق بالغضب وهو من أحسن التفسير؛ لأن الغَضبَان قد أُغْلِقَ عليه بابُ القصد لشدة غضبه (2)، وهو كالمُكْره، بل الغضبان أولى بالإغلاق من المُكْرَه؛ لأن المكره قد قصد رفع الشر الكثير بالشر القليل الذي هو دونه، فهو قاصد حقيقة، ومن [ها](3) هنا أوقع عليه الطلاقَ مَنْ أوقعه، وأما الغَضْبَان فإن انغلاق باب القصد والعلم عنه كانغلاقه عن السكران والمجنون، فإن الغضب غُول العقل يغتاله [كما يغتاله](4) الخمر، بل أشد، وهو شعبة من الجنون، ولا يشك فقيهُ النفسِ في أن هذا لا يقع طَلَاقُه؛ ولهذا قال حَبْر الأمة الذي دعا له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالفقه (5) في الدين:"إنما الطلاق عن وَطَر"، ذكره البخاري في
= سليمان بن أبي سليمان، وسليمان بن داود، وقال في سليمان بن داود: وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد.
وقال في سليمان بن أبي سليمان: في بعض رواياته عن يحيى بعض الإنكار مما لا يرويه عن يحى غيره، ولم أر للمتقدمين فيه كلامًا من صدق أو ضعف (وذكر حديثنا في ترجمة هذا).
ونقل الذهبي في "الميزان" عن ابن أبي حاتم أنه ضعَّفه.
وهو في "الجرح والتعديل"(4/ 122)، وقال فيه: شيخ ضعيف، وقد فرّق ببنهما أيضًا ابن حبان، فذكر ابن داود في "الضعفاء"، وذكر ابن أبي سليمان في "الثقات"، وقال: ربما خالف.
وفرّق بينهما أيضًا البخاري، ورد عليه الخطيب في "الموضح"(1/ 119).
قال ابن حجر: ولم يأت بدليل، وانظر:"بيان الوهم والإيهام"(3/ 555) و"الدر المنظوم"(رقم 262) و"تنقيح التحقيق"(9/ 135 و 10/ 367) للذهبي، و"لسان الميزان"(3/ 95 رقم 322)، وتعليقي على "سنن الدارقطني"(رقم 3867، 4233) وعلى كل حال: فالحديث فيه لين، كما قال المصنف رحمه الله.
(1)
"الأم"(5/ 184)، وانظر "مختصر البيهقي"(4/ 218).
(2)
في المطبوع و (ك): "بشدة غضبه".
(3)
ما بين المعقوفتين من (و) و (ك).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ق).
(5)
رواه البخاري (143) في (الوضوء): باب وضع الماء عند الخلاء، ومسلم (2477) في (فضائل الصحابة): باب فضائل عبد اللَّه بن عباس، من حديث ابن عباس بهذا اللفظ.
ورواه البخاري (75 و 3756 و 7270) من حديثه أيضًا بلفظ: "اللهم علِّمه الكتاب".
ورواه أحمد في "مسنده"(1/ 266 و 314 و 328 و 335)، وفي (فضائل الصحابة):(1856 و 1858 و 1882) من حديثه أيضًا بلفظ: "اللهم فقهه في الدين وعلِّمه التأويل".