الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاسم: وأنا معك على هذا، فأقام ابن وهب على رأيه، ورجع ابن القاسم فقال: لا أفسخه إلى أربعين وأفسخه فيما فوق ذلك، فقال أصبغ: وبه آخذ ولا أحب ذلك نَدْبًا (1) إلى العشر ونحوها، وقد شهدتُ أشهب زوج ابنته وجعل مُؤخَّر مهرها إلى اثنتي عشرة سنة، قال عبد الملك: وما قَصُرَ من الأجل فهو أفضل، وإنْ بَعُد لم أفسخه إلا أن يُجاوز ما قال ابن القاسم، وإن كانت الأربعون في ذلك كثيرة جدًا، قال عبد الملك: وإن كان بعضُ الصَّداق مؤخَّرًا إلى غير أجل فإن مالكًا كان يفسخه قبل البناء ويمضيه بعده، وترد المرأة إلى صداق مثلها معجلًا كله (2)، إلا أن يكون صداق مثلها أقل من المُعجَّل فلا تنقص منه أو أكثر من المعجل والمؤجل فتوفي تمام ذلك، إلا أن يرضى الناكح بأن يجعل المؤخَّرَ معجلًا كله مع النقد فيمضي النكاح ولا يفسخ لا قبل البناء ولا بعده، ولا تُردُّ المرأةُ إلى صداق مثلها، ثم أطالوا بذكر فروع تتعلق بذلك (3).
[فتاوى الصحابة في هذه المسألة]
والصحيحُ ما عليه أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من صحة التسمية وعدم تمكين المرأة من المطالبة به إلا بموتٍ أو فرقةٍ، حكاه الليث إجماعًا منهم، وهو محض القياس والفقه، فإن المُطْلَقَ من العقود ينصرفُ إلى العرف والعادة عند المتعاقدين كما في النقد والسكة والصفة والوزن، والعادةُ جاريةٌ بين الأزواج بترك المطالبة بالصداق إلا بالموت أو الفراق، فجرت العادة مجرى الشرط كما تقدم ذكر الأمثلة بذلك، وأيضًا فإن عقد النكاح يخالف سائر العقود، ولهذا نافاه التوقيتُ المشترَطُ في غيره من العقود على المنافع، بل كانت جهالة مدة بقائه غير مؤثّرة في صحّته، والصداق عوضه ومقابله، فكانت جهالة مدته غير مؤثرة في صحته، فهذا محض القياس، ونظير هذا لو أجَّره كلَّ شهر بدرهم فإنه يصح وإن كانت جملة الأجرة غير معلومة تبعًا لمدة الإجارة، فقد صحَّ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم اللَّه وجهه في الجنة أنه أجَّر نفسَه كل دلو بتمرة، وأكل النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك التمر (4)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلمون عَلَى
(1) كذا في جميع الأصول! وفي "عقد الجواهر الثمينة"(2/ 104): "بدءًا" وهو الصواب.
(2)
في (ك): "كليهما".
(3)
تراها في "عقد الجواهر الثمينة"(2/ 105 - 106) وما سبق منه بالحرف.
(4)
رواه الترمذي (2473 و 2476) في (صفة القيامة): باب (34)، وابن إسحاق في =
شروطهم، إلا شرطًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا" (1) وهذا لا يتضمن واحدًا من الأمرين، فإن ما أحلَّ الحرَّام وحرَّم الحلال لو فعلاه بدون الشرط لما جاز، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أحقَّ الشروط (2) أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" (3) وأما تلك التقديرات المذكورة فيكفي في عدم اعتبارها عدمُ دليل واحد يدل عليها، ثم ليس تقدير منها بأولى من تقدير أزيد عليه أو أنقص منه، وما كان هذا سبيله فهو غير معتبر.
= "المغازي"(رقم 248)، وعنه هناد في "الزهد" (749) من طريق محمد بن كعب: حدثني من سمع علي بن أبي طالب فذكر قصة، وفيها أنه نزع كل دلو بتمرة، وليس فيه أنه أطعم النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا.
وقال الترمذي: حسن غريب!! وفيه راوٍ مبهم، ورواه مطولًا أبو يعلى (502)، وفيه مبهم أيضًا.
وروى نحوه أحمد في "مسنده"(1/ 90 و 135) و"فضائل الصحابة"(1229)، وابنه عبد اللَّه في "الزهد"(164)، و"زوائده على فضائل الصحابة"(896)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 71، 72)، من طريق مجاهد عن علي نحوه، وفيه أكل النبي صلى الله عليه وسلم منه، ومجاهد لم يسمع من علي.
وروى ابن ماجه (2446) في (الرهون)؛ باب الرجل يستقي كل دلو بتمرة ويشترط جَلِدَة، والبيهقي (6/ 119) من طريق حنش عن عكرمة عن ابن عباس نحوه في قصة عليّ، وفيه أنه جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم.
وحنش هذا اسمه حسين بن قيس.
قال البوصيري في "الزوائد"(2/ 262): هذا إسناد ضعيف، حنش اسمه حسين بن قيس، ضعفه أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والبخاري، والنسائي، والبزار، وابن عدي، والعقيلي، والدارقطني.
وعزاه لأحمد في "مسنده" من حديث ابن عباس، ولم أجده فيه بعد بحث، وهو فيه من حديث علي كما ذكرت، فلعله سبق فلم.
وفي "سنن ابن ماجه"(2447)، والبزار (738 - البحر الزخار) من حديث علي موقوفًا: إن كنت لأدلو الذنوب بتمرة، وأشترط أنها حلوة جَلدة.
وروى هناد (757) والمعافى بن عمران (246) كلاهما في "الزهد" من طريقين عن حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار أن علي بن أبي طالب آجر نفسه من يهودي في أن ينزل له كل دلوٍ بتمرة، ورواية عمار عن علي مرسلة.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
في المطبوع: "الشرط".
(3)
رواه البخاري (2721) في (الشروط): باب الشرط في المهر عند عقدة النكاح، و (5151) في (النكاح): باب الشروط في النكاح، ومسلم (1418) في (النكاح): باب الوفاء بالشروط في النكاح، من حديث عقبة بن عامر.