الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: "إذ بَهْرَجْتَني" أي أَهدَرتني بإسقاط الحد عني، ومنه:"بَهَرَج دم ابن الحارث"(1) أي: أبطله، وليس في هذا ما يخالف نصًا ولا قياسًا ولا قاعدة من قواعد الشرع ولا إجماعًا، بل لو أُدعي أنه إجماع الصحابة كان أصوب.
قال الشيخ (2) في "المغني": وهذا اتفاق لم يظهر خِلَافُه.
[أكثر ما فيه تأخير الحد لمصلحة راجحة]
قلت: وأكثر ما فيه تأخير الحد لمصلحة راجحة إما من حاجة المسلمين إليه أو من خوف ارتداده ولحوقه بالكفار، وتأخيرُ الحدِّ لعارضٍ أمرٌ وردت به الشريعة، كما يؤخَّر عن الحامل والمرضع وعن وقت الحُر والبرد والمرض؛ فهذا تأخير لمصلحة المحدود؛ فتأخيره لمصلحة الإِسلام أولى (3).
[تفسير موقف سعد من أبي محجن]
فإن قيل: فما تصنعون بقول سعد: "واللَّه لا أضرب اليوم رجلًا أبلى للمسلمين ما أبلاهم"(4) فأسقط عنه الحد؟
قيل: قد يتمسك بهذا من يقول: "لا حَدَّ على مسلم في دار الحرب" كما
= وانظرها في: "الشعر والشعراء"(1/ 423)، و"تاريخ الطبري"(3/ 575)، و"فتوح البلدان"(2/ 316 - 317) للبلاذري، و"طبقات الشعراء" لابن سلام (268)، و"البداية والنهاية"(7/ 45)، و"تاريخ الإِسلام"(ص 300 - 301 عهد الخلفاء الراشدين)، و"العقد الثمين"(8/ 97)، و"التذكرة الحمدونية"(2/ 455 - 456)، وكتاب "القادسية"(ص 159 - 161، 245 - 248) لأحمد عادل كامل.
والشعر في "ديوان أبي محجن"(37) -وقد طبع قديمًا بمصر، دون تاريخ، وهو ديوان صغير-، و"فتوح البلدان"(2/ 319).
(1)
هو ذباب بن الحارث، والمذكور حديث أورده أبو موسى المديني في "المجموع المغيث"(1/ 202) وعنه -كعادته- ابن الأثير في "النهاية"(1/ 166) وابن منظور في "لسان العرب"(2/ 217)، ولم أظفر به مسندًا! وانظر مادة (بهرج) أيضًا في "غريب الحديث"(2/ 224) للخطابي و (3/ 706) لابن قتيبة و"الفائق"(1/ 140 - 141).
وفي (ق): "ومنه أنه بهرج. . . "
(2)
(13/ 175 - ط هجر)، وفي هامش (ق):"يعني الموفق".
(3)
انظر: "تحفة المودود"(ص 200)، و"زاد المعاد"(3/ 204، 207)، و"الحدود"(ص 68 - 70).
(4)
مضى تخريجه قريبًا.
يقوله أبو حنيفة (1)، ولا حجة فيه، والظاهر أن سعدًا رضي الله عنه اتَّبَعَ في ذلك سنة اللَّه تعالى؛ فإنه لما رأى من تأثير أبي محجن في الدين وجهاده وبَذْلِه نفسَه للَّه ما رأى درأ عنه الحد؛ لأن ما أتى به من الحسنات غمرت هذه السيئة الواحدة وجعلتها كقَطْرة نجاسةٍ وقعت في بحر، ولا سيما وقد شام منه مَخَايل التربة النصوح وقت القتال، إذ لا يُظن [في](2) مسلم إصراره في ذلك الوقت الذي هو مظنة القدوم على اللَّه وهو يرى الموت، وأيضًا فإنه بتسليمه نفسَه ووضع رجله في القيد اختيارًا قد استحق أن يوهب له حده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له:"يَا رسول اللَّه أصَبْتُ حدًّا فأقمه عليَّ، فقال: هل (3) صليت معنا هذه الصلاة؟ قال: نعم، قال: اذْهَبْ فإن اللَّه قد غَفَرَ لك حَدَّكَ"(4) وظهرت (5) بركة هذا العفو الإسقاط في صدق توبته، فقال: واللَّه لا أشربها أبدًا، وفي رواية:"أبَدَ الأبدِ"(6)[وفي رواية](7): "قد كنت آنف أن أتركها من أَجل جلداتكم، فأما إذا تركتموني فواللَّه لا أشربها أبدًا"(8) وقد برئ النبي صلى الله عليه وسلم مما صنع خالد ببني جذيمة، وقال:"اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد"(9) ولم يؤاخذه به لحسن بلائه ونصره للإسلام.
ومن تأمل المطابقة بين الأمر والنهي والثواب والعقاب وارتباط أحدهما بالآخر علم فقه هذا الباب.
(1) انظر: "الخراج"(178)، "الاختيار"(2/ 91)، "تبيين الحقائق"(3/ 182)، "المبسوط"(9/ 100)، "شرح فتح القدير"(4/ 152)، "حاشية ابن عابدين"(4/ 29)، وانظر:"الإشراف"(4/ 236 مسألة رقم 1590) وتعليقي عليه.
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(3)
"في رواية سبقت: "أليس" بدلًا من: "هل"، وعلقت عليها، واستعمال "هل" هنا هو الصواب"(و).
(4)
رواه مسلم (2765) في (التربة): باب قول اللَّه تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} ، من حديث أبي أُمامة.
ورواه البخاري (6823) في (الحدود): باب إذا أقر بالحد ومسلم (2764) من حديث أنس.
(5)
في (و): "ظهر"، وفي (ك) و (ق):"وظهر".
(6)
في (و): "أبدًا لأبد".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ك) و (ق).
(8)
هذا في قصة أبي محجن السابقة، ومضى تخريجها.
(9)
رواه البخاري (4339) في (المغازي): باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، و (7189) في (الأحكام): باب إذا قضى الحاكم بجور أو بخلاف أهل العلم فهو رد، من حديث ابن عمر.