الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرعًا أو عقلًا أو لغة؟ وإذا دخلت في قوله: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] فهلا دخلت في قوله: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] وإذا دخلت في قول الحالف: "أيمان البيعة تلزمني" وهي الأيمان التي رتّبها الحَجّاج فلِمَ لا تكون أولى بالدخول في لفظ الأيمان في كلام اللَّه تعالى ورسوله؟ فإن كانت يمين الطلاق يمينًا شرعية بمعنى أن الشرع اعتبرها وجَبَ أن تُعطى حكم الأيمان.
[يمين الطلاق باطلة لا يلزم بها شيء]
وإن لم تكن يمينًا شرعية كانت باطلة في الشرع (1)، فلا (2) يلزم الحالفَ بها شيء كما صح عن طاوس من رواية عبد الرزاق (3)، عن معمر، عن ابن طاوس، عنه:"ليس الحلف بالطلاق شيئًا" وصح عن عكرمة من رواية سنيد بن داود [بن علي](4) في "تفسيره" عنه "أنها من خُطُوَات الشيطان لا يلزم بها شيء"، وصح عن شُرَيْح (5) قاضي [أمير المؤمنين](6) علي وابن مسعود أنها لا يلزم بها طلاق، وهو مذهب داود بن علي وجميع أصحابه (7)، وهو قول بعض أصحاب مالك في بعض الصور فيما (8) إذا حلف عليها بالطلاق على شيء لا تفعله هي كقوله: إنْ كلَّمتِ فلانًا فأنت طالق، فقال: لا تطلق إن كلَّمته؛ لأن الطلاق لا يكون بيدها إنْ شاءتْ طلقت وإنْ شاءت أُمسكت (9).
[من قال: الطلاق يلزمني لا أفعل]
وهو قول بعض الشافعية في بعض الصور، كقوله: الطلاق يلزمني أو لازم لي لا أفعل كذا وكذا، فإن لهم فيه ثلاثة أوجه:
(1)"هذا هو الحق، وهذا هو هدي النبوة، وقارئ آيات الطلاق في القرآن يتبين له ذلك"(و).
(2)
في (ك) و (ق): "فلم".
(3)
في "مصنفه"(6/ 386)، وعنه ابن حزم في "المحلى"(10/ 213).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ك) و (ق). وسُنيد بن داود قال عنه ابن حجر في التقريب: ضعِّف مع إمامته ومعرفته.
(5)
مضى تخريج ذلك والمذكور عند ابن حزم.
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(7)
انظر: "المحلى"(10/ 211 - 213).
(8)
في (و): "فيم".
(9)
انظر: "المعيار المعرب"(2/ 497)، "عقد الجواهر الثمينة"(1/ 517 - 518).
أحدها: أنه إن نوى وقوع الطلاق بذلك لزمه، وإلا فلا يلزمه، وجعله هؤلاء كناية، والطلاق يقع بالكناية مع النية.
الوجه الثاني: أنه صريح، فلا يحتاج إلى نية (1)، وهذا اختيار الروياني، ووجهه أن هذا اللفظ قد غلب في إرادة الطلاق فلا يحتاج إلى نية.
الوجه الثالث: أنه ليس بصريح ولا كناية، ولا يقع به طلاق وإن نواه، وهذا اختيار القَفَّال في "فتاويه"، ووجهه أن الطلاق لا بد فيه من إضافته إلى المرأة كقوله: أنت طالق، أو طلّقتك، أو قد طلقتك (2)، أو يقول: امرأتي طالق، أو فلانة طالق، ونحو هذا، ولم توجد هذه الإضافة في قوله: الطلاق يلزمني، ولهذا قال ابن عباس فيمن قال لامرأته: طلِّقي نفسك، فقالت: أنت طالق، فإنه لا يقع بذلك طلاق (3)، وقال؛ خطَّأ اللَّه نَوْأها (4)، وتبعَهُ على ذلك الأئمة، فإذا قال:" [الطلاق] (5) يلزمني" لم يكن لازمًا به إلا أن يضيفه إلى محله، ولم يضفه فلا يقع، والمُوقِعون يقولون: إذا التزمه فقد لزمه، ومِنْ ضرورة لزومه إضافته إلى المحل، فجاءت [الإضافة من](5) ضرورة اللزوم، ولمن نَصَر قولَ القَفَّال أن يقول (6): إما أن يكون قائل هذا اللفظ قد التزم التطليق أو وقوع الطلاق الذي هو أثره، فإن كان الأول لم يلزمه لأنه نَذَر أن يُطلِّق، ولا تطلق المرأة بذلك، وإن كان قد التزم الوقوع فالتزامه بدون سبب الوقوع ممتنع، وقوله:"الطلاق يلزمني" التزامٌ لحكمه عند وقوع سببه، وهذا حق، فأين في هذا اللفظ وجود سبب الطلاق؟ وقوله:"الطلاق يلزمني" لا يصلح أن يكون سببًا، إذا (7) لم يضفْ فيه الطلاق إلى محله بوجه، ونظيرُ هذا أن يقول له: بعني أو أجِّرني (8)، فيقول: البيع
(1) في المطبوع: "نيته".
(2)
في (ك) و (ق): "طلَّقت".
(3)
رواه ابن أبي شيبة (4/ 45)، وسعيد بن منصور (1641 و 1642) من ثلاثة طرق عن ابن عباس، بأسانيد صحيحة.
ورواه البيهقي (7/ 349) بإسنادين عن ابن عباس أحدهما منقطع، والآخر فيه متروك!!
(4)
في (و)، و (ح):"عطاء اللَّه بوَّأها" وما أثبتناه من (د)، و"مصنف ابن أبي شيبة" و"السنن الكبرى".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(6)
في (ن) و (ق): "ولمن نصر الإضافة من قول القفال أن يقول".
(7)
في (د)، و (ط) و (ق):"إذ"، وما أثبتناه من (و)، و (ح).
(8)
في (د): "آجرني".