الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلّا أن يشترطه المبتاع" (1)، فجعله للمشتري بالشرط الزائد على عقد البيع، وقال: "مَن باع نخلًا قد أُبِّرت فثمرها للذي باعها إلّا أن يشترَطها المبتاع" (2)، فهذا بيع وشرط ثابت بالسنة الصحيحة الصريحة، وأمّا مخالفته للإجماع فالأمة مجمعة على جواز اشتراط الرَّهن والكَفيل والضَّمين والتأجيل والخيار ثلاثة أيام ونقد غير نقد البلد فهذا بيع وشرط متفق عليه، فكيف يُجعل النهي عن بيع وشرط موافقًا للأصول وشروط النكاح التي هي أحق الشروط بالوفاء مخالفة للأصول (3)؟.
[المزارعة]
المثال الخامس والثلاثون: رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في دفع الأرض بالثُّلث والربع مزارعة (4)، بأنها خلاف الأصول (5)، والأخذ بالحديث الذي لا يثبت بوجه أنه:"نهى عن قَفيز الطَّحَّان"(6)، وهو أن يدفع
(1) رواه الشيخان، وتقدم تخريجه.
(2)
هو جزء من الحديث السابق.
وفي (د) و (ك): "باع ثمرة قد أُبِّرت فهي للبائع إلا. . . ".
(3)
انظر: "زاد المعاد"(4/ 4).
(4)
الذي وجدته في المزارعة على الثلث والربع: ما رواه البخاري (2339) في الحرث والمزارعة: باب ما كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضًا في الزراعة والثمر، و (2346) باب كراء الأرض بالذهب والفضة، و (4012) في المغازي، ومسلم (1548) في (البيوع): باب كراء الأرض بالطعام من حديث ظهير بن رافع قال: نهانا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن أمرٍ كان لنا موافقًا فقلت: ما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فهو حق. فقال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما تصنعون بمحاقلكم؟ قلنا: نؤاجرها على الثلث والربع. . . قال: فلا تفعلوا ازْرَعوها أو أَزْرِعُوها".
ففيه نهي عن ذلك، وانظر "الفتح" لزامًا.
وقد ثبت في "الصحيح" إعطاء النبيّ صلى الله عليه وسلم أرض خيبر لأصحابها على النصف.
(5)
انظر تقرير ابن القيم مشروعية المزارعة والمساقاة، وأنها على وفق القياس في "زاد المعاد"(2/ 77، 143)، و"الطرق الحكمية"(ص 286 - 290)، و"تهذيب السنن"(5/ 56 - 62، 64، 65، 66).
(6)
رواه الدارقطني في "سننه"(3/ 47) أو (رقم 2951 - بتحقيقي)، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 339) من طريق وكيع وعبيد اللَّه بن موسى، قالا: حدثنا سفيان عن هشام أبي كليب عن ابن أبي نُعيم البجلي عن أبي سعيد الخدري قال: نهى عن عَسْب الفحل، زاد عبيد اللَّه: وعن قفيز الطحان.
أقول: عبيد اللَّه بن موسى هذا من الثقات، روى له الستة.
ورواه عبد اللَّه بن المبارك أيضًا عن سفيان وذكرها. =
حِنْطة (1) إلى مَنْ يطحَنُها بقفيزٍ منها أو غزله إلى مَنْ ينسجه ثوبًا بجزء منه أو زيتونه إلى من يعصره بجزءٍ منه ونحو ذلك مما لا غَرَر فيه ولا خَطَر ولا قِمَارَ ولا جهالة ولا أكل مال بالباطل، بل هو نظير دفع ماله إلى من يتجر فيه بجزءٍ من الربح، بل أولى؛ فإنه قد لا يربح [المال](2) فيذهب عمله مجانًا، وهذا لا يذهب عمله مجانًا؛ فإنه يطحن الحب ويعصر الزيتون ويحصل على جزء منه يكون [به](2) شريكًا لمالكه، فهو أولى [بالجواز](2) من المضاربة، فكيف يكون المنع منه موافقًا للأصول والمزارعة التي فعلها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون خلاف الأصول؟.
= أخرجه أبو يعلى في "مسنده"(1024)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(رقم 711)، وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
والعجب أن الذهبي ذكر هذا الحديث في ترجمة هشام أبي كليب، وقال: هذا منكر، وراويه لا يُعْرف، وكذا ذكره الحافظ في "اللسان"، ونقل كلام الذهبي، وزاد: ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التلخيص الحبير" (3/ 60): هشام أبو كليب راويه عن ابن أبي نُعيم لا يعرف.
أقول: هشام هذا هو هشام بن عائذ بن نصيب الأسدي، أبو كليب، ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(9/ 64 - 65)، وذكر أنه روى عن ابن أبي نعيم، وروى عنه الثوري ثم نقل عن أحمد بن حنبل وابن معين أنهما قالا: ثقة، وقال أبو حاتم: شيخ.
ثم ترجمه في هشام أبي كليب (9/ 68)، ونقل عن عبد اللَّه بن أحمد قال: سألت أبي عن هشام بن كليب الذي يروي عنه الثوري فقال: ثقة.
إذن فثبت أن هشامًا هذا ثقة، وباقي رجاله ثقات، واعلم أن ألفاظ الحديث كلها جاءت بلفظ:"نُهي" المبني للمجهول، وليس فيها ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم، أفاده ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام"(2/ 271 - 272).
أما شيخنا الألباني رحمه الله فنقل عن "مشكل الآثار" -الطبعة الهندية- لفظ الحديث: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالبناء للمعلوم، وبناء عليه تعقب ابن القطان، ولكن في طبعة مؤسسة الرسالة ورد الحديث: نُهي بالبناء للمجهول، فاللَّه أعلم.
نعم، ورد الحديث من طريق آخر بصيغة المبني للمعلوم: رواه الطحاوي في "مشكل الآثار"(709) من طريق عطاء بن السائب عن ابن أبي نُعيم عن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن عَن عَسْب التيس. . .، وقفيز الطحان، وعطاء اختلط.
ورواه (710) من طربق عطاء بن السائب عن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم به.
وعلى كل حال فالصحيح أن مثل هذه الألفاظ لها حكم الرفع لأن الآمر الناهي في ذلك الوقت هو رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، والنهي عن عَسْب الفجل ثابت في "صحيح البخاري" وغيره، وانظر:"الأحكام الوسطى"(6/ 255) لعبد الحق الإشبيلي.
وفي هامش (ق): "حديث النهي عن قفيز الطحان غير ثابت"!!.
(1)
في المطبوع: "حنطته".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).