الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[العرف يجري مجرى النطق]
وقد أُجريَ العرفُ مجرى النطق في أكثر من مئة موضع (1) منها نقد البلد في المعاملات، وتقديم الطعام إلى الضيف، وجواز تناول اليسير مما يسقط من الناس من مأكول وغيره، والشرب من خَوَابي السيل ومصانعه في الطرق، ودخول الحَمَّام وإن لم يعقد عقد الإجارة مع الحمامي لفظًا، وضرب الدابّة المستأجرة إذا حرنت في السير وايداعها في الخان إذا قدم بلدة أو ذهب في حاجة، ودفع الوديعة إلى من جَرَت العادة بدفعها (2) إليه من امرأة أو خادم أو ولد، وتوكيل الوكيل لما لا يباشره مثله بنفسه، وجواز التخلّي في دار من أذن له بالدخول إلى داره والشرب من مائه والاتّكاء على الوسادة المنصوبة، وأكل الثمرة الساقطة من الغصن الذي على الطريق، وإذن المستأجر للدار لمن شاء من أصحابه أو أضيافه في الدخول والمبيت والثواء عنده والانتفاع بالدار وإن لم يتضمنهم عقد الإجارة لفظًا اعتمادًا على الإذن العُرفي، وغسل القميص الذي استأجره للبس مدة يحتاج فيها إلى الغسل، ولو وكَّل غائبًا أو حاضرًا في بيع شيء والعرف قبض ثمنه ملك ذلك، ولو اجتاز بحرث غيره في الطريق ودعته الحاجةُ إلى التخلِّي فيه فله ذلك إن لم يجد موضعًا سواه إما لضيق الطريق أو لتتابع المارِّين فيها، فكيف بالصلاة فيه والتيمّم بترابه؟ ومنها لو رأى شاة غيره تموت فذبحها حفظًا لمالكها (3) عليه كان ذلك أَوْلى من تركها تذهب ضياعًا، وإن كان من جامدي الفقهاء من يمنع من ذلك ويقول: هذا تصرف في ملك الغير، ولم يعلم هذا البائس (4) أن التصرف في ملك الغير إنما حَرَّمه اللَّه لما فيه من الإضرار به وترك التصرّف هاهنا هو الإضرار.
ومنها لو استأجر غلامًا فوقعت الأكلة (5) في طرفه فتيقَّن أنه إن لم يقطعه سرت إلى نفسه فمات جاز له قطعه ولا ضمان عليه.
ومنها لو رأى السيل يمر بدار جاره فبادر ونقب حائطه وأخرج متاعه فحفظه عليه جاز ذلك، ولم يضمن نقب الحائط.
(1) انظر مباحث العرف لابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد"(3/ 137، 139)، وفي "إغاثة اللهفان"(2/ 60)، و"بدائع الفوائد"(4/ 51).
(2)
في (ق): "بدفع الوديعة".
(3)
في المطبوع: "علماليتها".
(4)
كذا (ك) و (ق) وفي باقي النسخ: "اليابس".
(5)
"أي الحكة"(و).
ومنها لو قصد العدوّ مال جاره فصالحه ببعضه دفعًا عن بقيّته (1) جاز له، ولم يضمن ما دفعه إليه.
ومنها لو وقعت النار في دار جاره فهدم جانبًا منها على النار لئلّا تسري إلى بقيتها لم يضمن.
ومنها لو باعه صبرة (2) عظيمة أو حطبًا أو حجارة ونحو ذلك جاز له أن يدخل ملكه من الدواب والرجال ما ينقلها [به](3)، وإن لم يأذن له في ذلك لفظًا.
ومنها لو جذّ ثماره أو حصد زرعه ثم بقي من ذلك ما يرغب عنه عادة جاز لغيره التقاطه وأخذه، وإن لم يأذن فيه لفظًا.
ومنها لو وجد هديًا مشعرًا منحورًا ليس عنده أحد جاز له أن يقتطع [منه](4) ويأكل منه.
ومنها لو أتى إلى دار رجل جاز له طرق حلقة الباب عليه، وإن كان تصرفًا (5) في بابه لم يأذن له فيه لفظًا.
ومنها الاستناد إلى جداره والاستظلال به.
ومنها الاستمداد من محبرته، وقد أنكر الإمام أحمد على من استأذنه في ذلك.
وهذا أكثر من أن نحصره (6)، وعليه يخرَّج حديث عروة بن الجعد البارقي (7) حيث أعطاه النبيّ صلى الله عليه وسلم دينارًا يشتري له به شاة، فاشترى شاتين بدينار، فباع إِحداهما بدينار وجاءه بالدينار والشاة الأخرى (8)، فباع وأقبض وقبض بغير إذن لفظي اعتمادًا منه على الإذن العرفي الذي هو أقوى من اللفظي في أكثر المواضع، ولا إشكال بحمد اللَّه في هذا الحديث بوجهٍ ما، وإنما الإشكال في
(1) في (ن): نفسه.
(2)
"الصبرة: الكومة من الطعام، ويقال: اشترى الطعام صبرة، جزافًا بلا كيل أو وزن"(و).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(5)
كذا في (ق) وفي غيرها من الأصول: "تصرف".
(6)
في (ك) والمطبوع: "يُحصر".
(7)
انظر حديث عروة البارقي وكلام ابن القيم عليه في "تهذيب السنن"(5/ 48 - 49).
(8)
رواه البخاري (3642) في المناقب، باب (28).