الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[رسالة من الليث بن سعد إلى مالك بن أنس]
وقال الحافظ أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفَسَويُّ في كتاب "التاريخ والمعرفة"(1) له -وهو كتابٌ جَليلٌ غزيرُ العلمِ جَمُّ الفوائد-: حدثني يحيى بن عبد اللَّه بن بكير المخزومي قال: هذه رسالة الليث بن سعد إلى مالك بن أنس (2):
سلامٌ عليك، فإني أحمد إليك اللَّه الذي لا إله إلا هو، أما بعد -عافانا اللَّه وإياك، وأحسن لنا العاقبة (3) في الدنيا والآخرة- قد بلغني كِتابُكَ تذكُر فيه من صلاح حالِكم الذي يسُرُّني، فأدام اللَّه ذلك لكم وأتمّهُ بالعَوْن على شكره والزيادة من إحسانه.
وذكرتَ نظَرَك في الكتب التي بعثتُ بها إليك وإقامتَك إياها وخَتْمَكَ عليها بخاتمك، وقد أَتتْنا فجزاك اللَّه عما قدَّمتَ منها خيرًا، فإنها كُتُبٌ انتهت إلينا عنك فأحببتُ أن أبْلُغ حقيقَتَها بنظرك فيها.
وذكرتَ أنه قد أنْشَطَكَ ما كتبتُ إليك فيه من تقويم ما أتاني عنك إلى ابتدائي بالنصيحة (4)، ورجوتَ أن يكونَ لها عندي موضعٌ، وأنه لم يمنعك من ذلك فيما خلا إلا أن يكون (5) رأيك فينا جميلًا إلا لأني (6) لم أُذَاكِرْكَ مثلَ هذا.
وأنّه بلغَكَ أني أفتي بأشياء مُخالِفة لما عليه جماعة الناس عندكم، وأني يَحِقُّ عليَّ الخوفَ على نفسي لاعتماد مَنْ قِبَلي على ما أفتيتُهم به، وأن الناس تبَعٌ لأهل المدينة إليها كانت الهجرة وبها نزل القرآنُ.
وقد أصبتَ بالذي كتبتَ به من ذلك إن شاء اللَّه تعالى، ووقَعَ مني بالموقع الذي تحب، وما أَعُدّ (7) أحدًا [قد] يُنْسِبُ إليه العلمَ أكْرَهَ لِشَواذِّ الفُتيا ولا أشَدَّ تفضيلًا لعلماء أهل المدينة الذين مَضَوْا، ولا آخَذَ لفُتياهم فيما اتَّفقوا عليه منِّي، والحمد للَّه رب العالمين لا شريك له.
(1)(1/ 687) وما بين المعقوفتين منه، وسقط من الأصول جميعًا.
(2)
سيأتي توثيقها وتخريجها (ص 487)، وجاء في هامش (ق):"قال محمد بن رمح: كان دخل الليث كل سنة ثمانين ألف دينار وما وجبت عليه زكاة قط".
(3)
في (ن) و (ك): "أحسن العافية".
(4)
أي: أن تبتدأني بالنصيحة.
(5)
كذا في الأصول جميعًا، وفي مصادر التخريج، ونقلها صاحب "نماذج من رسائل الأئمة السلف، وأدبهم العلمي"(ص 33): "أن لا يكون"!!
(6)
كذا في (ط)، و (د):"إلا لأني"، وفي غيرها:"إلا أني".
(7)
في الأصول جميعًا: "وما أجد"، والتصويب من "المعرفة والتاريخ".
وأما ما ذكرْتَ مِنْ مُقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه [وآله](1) وسلم بالمدينة، ونزولِ القرآن [بها](2) عليه بين ظَهْرَي أصحابه، وما علَّمهم اللَّه منه، وأن الناس صاروا به تبَعًا لهم فيه، فكما ذكَرت.
وأما ما ذكرتَ من قول اللَّه تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا (3) الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة: 100] فإن كثيرًا من أولئك السابقين الأولين خَرَجُوا إلى الجهاد في سبيل اللَّه ابتغاءَ مرضاة اللَّه فجنَّدُوا الأجنادَ، واجتمع إليهم الناسُ فأظهروا بين ظَهْرَانَيْهمِ كتابَ اللَّه وسنَّةَ نبيه (4) ولم يكْتُمُوهم شيئًا عَلِموه.
وكان في كلِّ جُند منهم طائفة يُعلِّمون -[للَّه](5) - كتاب اللَّه وسنة نبيه ويجتهدون برأيهم فيما لم يُفَسِّره لهم القرآنُ والسنةُ، ويقوِّمُهُم (6) عليه أبو بكر وعمر وعثمان الذين اختارَهم المسلمون لأنفسهم.
ولم يكن أولئك الثلاثة مضيِّعين لأجناد المسلمين ولا غافلين عنهم، بل كانوا يكتبون [لأجنادهم](7) في الأمر اليسير لإقامة الدين والحَذَر من الاختلاف بكتاب اللَّه وسنة نبيه، فلم يتركوا أمرًا فسَّرهُ القرآن أو عمل به النبيُّ صلى الله عليه وسلم أو ائتمروا فيه بعده إلا أعْلَمُوهُمُوهُ.
فإذا جاء أمرٌ عمل (8) فيه أصحابُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمصرَ والشَّامِ والعراقِ على عهد أبي بكر وعمر وعثمان، ولم يزالوا عليه حتى قُبِضُوا لم يأمُرُوهم بغيره، فلا نراهُ يجوزُ لأجناد المسلمين أن يُحْدِثوا اليوم أمرًا لم يعمل به سَلَفُهم من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم.
(1) ما بين المعقوفتين من (و).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
في مطبوع "المعرفة"، و (د) و (ط)، و (و) و (ك)"من تحتها"، والصواب حذف "من".
(4)
كذا في الأصول، وفي سائر المصادر:"نبيّهم".
(5)
ما بين المعقوفتين من (و) و (ك)، و"المعرفة والتاريخ"، وفي "تاريخ ابن معين":"يعملون بكتاب اللَّه".
(6)
في مطبوع "المعرفة": "ويقومونهم"! وفي (ك) و (ق): "ويقويهم" وفي باقي الأصول: "وتقدمهم"!! والصواب ما أثبتناه، ومعناه: يصحح لهم فيما أخطأوا به أبو بكر. . .
(7)
ما بين المعقوفتين من (ق) فقط.
(8)
في "المعرفة والتاريخ"، وسائر المصادر:"عملوا".