الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأيضًا فإنه لو خربت ذمته لبطل الضمان بموته؛ فإن الضامن فرعه، وقد خربت ذمة الأصل، فلما اسْتُدِيْمَ الضمانُ ولم يبطل بالموت علم أن الضمان لا ينافي الموت؛ فإنه لو نافاه أبتداء لنافاه استدامَةً؛ فإن هذا من الأحكام التي لا يفرق فيها بين الدوام والابتداء لاتحاد سبب الابتداء والدوام فيها؛ فظهر أن القياس المحفمع السنة الصحيحة (1)، واللَّه الموفق.
[الجمع بين الصلاتين]
المثال الثاني والسبعون: ترك السنة الثابتة الصحيحة الصريحة المحكمة في جَمْع التقديم والتأخير بين الصلاتين للعذر، كحديث أنس:"كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا ارتَحَلَ قبل أن تزيغ الشمس أَخَّر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما"(2) وفي لفظ له: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخّر الظهر حتى يدخل وقت العصر (3)، ثم يجمع بينهما"، وهو في "الصحيحين"(4)، وكقول معاذ بن جَبَل:"كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة تَبُوك [إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس (5) أخَّر الظهر حتى يجمعها مع (6) العصر فيصلّيهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زَيْغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا ثم سار] (7)، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخَّر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجَّل العشاء فصلاها مع المغرب"(8) وهو في "السنن" و"المسند"،
= قال الهيثمي في "المجمع"(3/ 39): وعيسى وثقه أبو حاتم وضعفه غيره.
أقول: أبو حاتم لم يوثقه بل قال: يكتب حديثه، وحكى عن أبي الوليد (أظنه الطيالسي) أنه قال: ضعيف، وقال أبو زرعة: شيخ، وشنَّع عليه ابن حبان. . .
(1)
انظر: "كتاب الروح"(ص 121).
(2)
رواه البخاري (1111) في (تقصير الصلاة): باب يؤخر الظهر إلى الغصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس، و (1112) باب إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس صلى الظهر ثم ركب، ومسلم (704) في (صلاة المسافرين): باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر.
(3)
في (ن) و (ق): "أخر الظهر إلى وقت العصر".
(4)
هو بهذا اللفظ في "صحيح مسلم" فقط (704 بعد 47)، ولم أجده في "صحيح البخاري".
(5)
في (ن) و (ك): "قبل زيغ الشمس".
(6)
في (ق) و (ك): "إلى".
(7)
ما بين المعقوفتين مكرر في (ك).
(8)
رواه أحمد في "مسنده"(5/ 241 - 242)، وأبو حاتم -كما في "علل ابنه" (1/ 91) - وأبو داود (1225) في (الصلاة): باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين، والترمذي (553 و 554) =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= في (الصلاة): باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين، وابن حبان (1458 و 1593)، والحاكم في "معرفة علوم الحديث"(ص 119 - 120)، والدارقطني (1/ 292 - 293) والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 163)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(12/ 465 - 466) وابن عبد البر في "التمهيد"(12/ 205) والمزي في "تهذيب الكمال"(23/ 532 - 533) من طريق قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عنه.
وهذا الحديث أعله غير واحد منهم أبو داود والترمذي، وأبو حاتم، وقد أطال الحاكم في الحديث عنه حيث قال: فنظرنا فإذا الحديث موضوع، وقتيبة بن سعيد ثقة مأمون.
ونقل عن البخاري قوله: قلت لقتيبة بن سعيد: مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل؟ فقال: كتبته مع خالد المدائني: قال البخاري، وكان خالد المدائني يدخل الحديث على الشيوخ.
أقول: الرواة المشهورون: قرة بن خالد وسفيان الثوري ومالك وغيرهم، رووه عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ مختصرًا في ذكر الجمع بين الصلاتين، وليس فيه التفصيل الوارد هنا، ولذلك تكلموا في رواية قتيبة هذه.
فأخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 143) -ومن طريقه عبد الرزاق (4399) وأحمد (5/ 237 - 238، 238)، والشافعي (1/ 187 - 188 - ترتيب المسند)، والدارمي (1/ 356) وعنه مسلم (4/ 1784 - 1785)، والنسائي (587) وأبو داود (1206)، وابن خزيمة (968، 1704) وابن حبان (1595) والشاشي (1340) والطحاوي (1/ 160) والطبراني (20/ رقم 102) والبيهقي (3/ 162) وفي "الدلائل"(5/ 236) والبغوي (4/ 193) - عن أبي الزبير عن أبي الطفيل أن معاذًا أخبره أنهم خرجوا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عام تبوك، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء قال: فأخّر الصلاة يومًا، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا، هذا هو اللفظ المحفوظ ورواه قرّة عن أبي الزبير به بلفظ:"جمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرها في غزوة تبوك، فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء" رواه الطيالسي (569) ومسلم (1/ 490 رقم 706) وأحمد (5/ 229) وابن خزيمة (966) والطحاوي (1/ 160) والشاشي (1338) والبزار (2/ ق 42) وابن حبان (1591) والطبراني (20/ 59) وأبو الشيخ في "الجزء فيه أحاديث أبي الزبير عن غير جابر"(رقم 44) ورواه عن أبي الزبير هكذا مختصرًا، دون ذكر جمع التقديم قبل السفر:
* زهير بن معاوية: رواه مسلم (1/ 490) والطبراني (20/ 58) والبزار (2/ ق 42).
* سفيان الثوري: رواه عبد الرزاق (2/ 545) وابن أبي شيبة (4/ 211) وأحمد (5/ 230، 236) وابن ماجه (1070) والطبراني (20/ 57) والبيهقي (3/ 162) وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 88). واختلف فيه على سفيان على نحو فصله الدارقطني في "العلل"(6/ 40 - 41) ورجح هذه الطريق. =
وإسناده صحيح، وعلَّتُه واهية، وكقول ابن عباس:"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا زاغت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب، وإذا لم تزغ في منزله سار حتى إذا حانت (1) العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر، وإذا حانت (1) له المغرب في منزله جمع بينه وبين العشاء، وإذا لم تَحِنْ (2) في منزله ركب حتى إذا كان العشاء نزل فجمع بينهما"(3) وهذا متابع لحديث معاذ، وفي بعض طرق
= * ابن لهيعة وعنه قتيبة بن سعيد. رواه أبو الشيخ (رقم 42).
* عمرو بن الحارث، رواه الطبراني (20/ 58).
وقد رد المصنف على هذا في "زاد المعاد"(477 - 480) وذكر له متابعة يزيد بن خالد بن عبد اللَّه بن مَوْهب.
لكن يزيد هذا خالف في إسناده، فقال: حدثنا المفضل بن فضالة، والليث بن سعد عن هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ، رواه أبو داود (1208) -ومن طريقه الدارقطني (1/ 392) والبيهقي (3/ 162 - 163) وابن عبد البر في "التمهيد"(12/ 204 - 205) - وأبو الشيخ في "الجزء فيه أحاديث أبي الزبير عن غير جابر"(رقم 43) ويزيد ثقة.
وهشام بن سعد هذا لم يكن بالحافظ، وتكلم فيه أحمد وابن معين والنسائي وابن عدي، وخالف أصحاب أبي الزبير -مالك وغيره- فذكر ما لم يذكروه، فهذه المتابعة لا تنفع فإعلال الحديث ما زال قائمًا وأما قول شيخنا الألباني رحمه الله في "الإرواء" (3/ 29):"إن قتيبة ثقة فلا يضر تفرده، أما الوهم فمردود، إذ لا دليل عليه إلا الظن والظن لا يغني من الحق شيئًا ولا يرد به حديث الثقة، ولو فتح هذا الباب لم يسلم لنا حديث" فعليه ملاحظتان:
الأولى: فَرْقٌ بين تفرد الراوي وبين مخالفته، فجميع الرواة الثقات رووا الحديث دون ذكر جمع التقديم، ورواها قتيبة وحده فهذه مخالفة وهي غير التفرد.
الثانية: الظن الذي لا يغني من الحق شيئًا هو إذا كان من غير دليل أما هنا فليس هذا بظن، بل هو مع دليله وكبار أهل الحديث يُعِلُّون بزيادات الثقات، حتى وإن كانوا من المشاهير كمالك والثوري، وكتب "العلل" طافحة بهذا.
والخلاصة ما قاله ابن حجر في "التهذيب"(8/ 360) أنه وقع في متن الحديث الذي رواه قتيبة التصريح بجمع التقديم في وقت الأولى، وليس ذلك في حديث مالك من تابعه، وإذا جاز أن يغلط في رجل في الإسناد، فجائز أن يغلط في لفظة في المتن، والحكم عليه مع ذلك بالوضع بعيد جدًا، واللَّه أعلم.
وفي الباب عن ابن عباس، ينظر في الذي بَعْده.
(1)
في (ن) و (ك) و (ق): "جاءت".
(2)
في (ن) و (ك): "لم تجيء".
(3)
رواه الشافعي في "مسنده"(1/ 186)، وعبد الرزاق (4405)، وأحمد (1/ 367 - 368)، والطبراني في "الكبير"(11522 - 11526)، والدارقطني (1/ 388 و 389)، والبيهقي (3/ 163 و 164)، والترمذي -كما في "تحفة الإشراف"(5/ 120) في رواية أبي حامد =
هذا الحديث: "وإذا سافر قبل أن تزول الشَّمس أخَّر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر"، وكقول ابن عمر وقد أخَّر المغرب حتى غاب الشفق ثم نزل فجمع بينهما. ثم أخبر "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك إذا (1) جَدَّ به السير"(2).
كل هذه سنن في غاية الصحة والصراحة، ولا معارض لها؛ فردّت بأنها
= أحمد بن عبد اللَّه التاجر المروزي عنه -من طريق حسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه عن عكرمة وكريب عنه، مطولًا ومختصرًا.
وبعضهم يرويه عن حسين عن عكرمة عن ابن عباس، وبعضهم يرويه عن حسين عن كريب عن ابن عباس، وبعضهم يجمع بينهما، وقد صحح الدارقطني في "علله"(6/ 40) كلا الوجهين، لكن العِلّة هي في حُسين هذا الذي عليه مدار الحديث.
قال الحافظ في "التلخيص"(2/ 48)، وفي "الفتح" (2/ 583): حُسين ضعيف، ويقال: إن الترمذي حسَّنه، وكأنه باعتبار القابعة وَغَفَل ابن العربي فصحح إسناده، لكن له طريق أخرى أخرجها يحيى بن عبد الحميد الحماني في "مسنده" عن أبي خالد الأحمر عن الحجاج عن مقسم عن ابن عباس.
وروى إسماعيل القاضي في "الإحكام" عن إسماعيل بن أبي أُويس عن أخيه عن سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن كريب عن ابن عباس نحوه.
أقول: الطريق الأول الذي ذكره الحافظ ابن حجر فيه يحيى الحِمّاني -راويه- كان يسرق الحديث، والحكم لم يسمع من مقسم إلا أربعة أحاديث، وأما الطريق الثاني الذي رواه إسماعيل القاضي -فقد ذكره أَيضًا مسندًا ابن القيم في "زاد المعاد"(1/ 480) لكن وقع في مطبوعه -سليمان بن مالك!! - بدلًا من سليمان بن بلال، وسليمان بن مالك لم أجد له ترجمة، وأما سليمان بن بلال فهو ثقة مشهور.
وإسماعيل بن أبي أويس وإن روى له البخاري ومسلم إلا أنَّه أخطأ في أحاديث كان يرويها من حفظه.
وذكر الحافظ في "الفتح"(2/ 583) طريقًا آخر للحديث من طريق حماد عن أبي أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس مرفوعًا نحوه، رواه البيهقي (3/ 164) قال الحافظ: إلا أنَّه مشكوك في رفعه والمحفوظ أنَّه موقوف، وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر مجزومًا بوقفه على ابن عباس.
(1)
في المطبوع: "إذ"!
(2)
رواه البخاري (1091 و 1092) في (تقصير الصلاة): باب يُصلي المغرب ثلاثًا في السَّفر، و (1096) باب في الجمع في السفر بين المغرب والعشاء، و (1109) باب هل يؤذن أو يقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء، و (1805) في العمرة: باب المسافر إذا جد به السير يُعَجل إلى أهله، و (3000) في (الجهاد): باب السُّرعة في السير، ومسلم (703) في (صلاة المسافرين): باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، وفي (ك):"المسير".
أخبار آحاد (1)، وأوقات الصلوات (2) ثابتة بالتواتر، كحديث إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وصلاته به كل صلاة في وقتها ثم قال:"الوقت ما بين هذين"(3) فهذا في أول الأمر بمكة، وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالسائل في المدينة سواء، صلى به كل صلاة في أول وقتها وآخره وقال:"الوقت ما بين هذين"(4) وقال: في حديث عبد اللَّه بن عمرو: "وقت صلاة الظهر ما لم تحضر العصر، ووقت صلاة العصر ما لم تصفّر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يسقط ثور الشفق (5)، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل"(6) وقال: "وقت كل صلاة ما لم يدخل وقت التي تليها"(7) ويكفي [قوله](8) للسائل وقد سأله عن المواقيت ثم بيّنها له بفعله: "الوقت فيما بين هذين"(9) فهذا بيان بالقول والفعل، وهذه أحاديث محكمة صحيحة صريحة (10) في تفصيل الأوقات مجمع عليها بين الأمة، وجميعهم احتجوا بها في أوقات الصلاة، فقدمتم عليها أحاديث مجملة محتملة في الجمع غير صريحة فيه؛ يجوز (11) أن يكون المراد بها الجمع في الفعل، وأن يراد بها الجمع في الوقت، فكيف يترك الصريح المبيّن للمجمل المحتمل؟ وهل هذا إلا تَرْك للمحكم وأخذ بالمتشابه، وهو عين ما أنكرتموه في هذه الأمثلة؟
(1) انظر: "بداية المجتهد"(1/ 171) وكتابي: "الجمع بين الصلاتين"(ص 54 وما بعد - ط الأولى).
(2)
في المطبوع: "وأوقات الصلاة".
(3)
أحاديث إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم كثيرة. وردت من حديث ابن عباس، وجابر بن عبد اللَّه، وأبي مسعود الأنصاري، وأبي هريرة وغيرهم وفيها قول جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم:"الوقت ما بين هذين" انظرها مُخَرّجة مفصلة في "نصب الراية"(1/ 221) والطبعة الثانية من كتابي: "فقه الجمع بين الصلاتين في الحضر بعذر المطر"(ص 21 - 23).
(4)
رواه مسلم في "صحيحه"(613) في (المساجد): باب أوقات الصلوات الخمس من حديث بُرَيدة، ورواه مسلم أيضًا (614) من حديث أبي موسى الأشعري، وانظر -غير مأمور- "المجالسة"(3144 - بتحقيقي)، وفي (ق):"الوقت فيما بين هذين".
(5)
تصحفت في المطبوع و (ك) إلى "نور الشفق"، وتحرفت في (ن) و (ق) إلى "فور الشفق".
(6)
سبق تخريجه.
(7)
في معناه ما رواه مسلم (681) في (المساجد): باب قضاء الفائتة، من حديث، أبي قتادة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصلِّ حتى يجيء وقت صلاة أخرى".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(9)
مضى تخريجه قريبًا.
(10)
في (ق) و (ك): "صريحة صحيحة".
(11)
في المطبوع: "لجواز".
فالجواب أن يقال: الجميع حق، فإنه من عند اللَّه، وما كان من عند اللَّه فإنه لا يختلف، فالذي وَقَّتَ هذه المواقيت وبيَّنها بقوله وفعله هو الذي شرع الجمع بقوله وفعله؛ فلا يؤخذ ببعض السنة ويترك بعضها، والأوقات التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله نوعان بحسب حال أربابها: أوقات السعة والرفاهية، وأوقات العذر والضرورة، ولكلٍ منها أحكام تخصها، وكما أن واجبات الصلاة وشروطها تختلف باختلاف القُدْرة والعجز فهكذا أوقاتها، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم وَقْتَ النائم والناسي (1) حين يستيقظ ويذكر، أيَّ وقتٍ كان (2)، وهذا غير الأوقات الخمسة، وكذلك جعل أوقات المعذورين ثلاثة: وقتين مشتركين، ووقتًا مختصًا؛ فالوقتان المشتركان لأرباب الأعذار هما أربعة لأرباب الرفاهية، ولهذا جاءت الأوقات في كتاب اللَّه نوعين: خمسة وثلاثة في نحو عشر آيات من القرآن، فالخمسة لأهل الرفاهية والسعة، والثلاثة لأرباب الأعذار، وجاءت السنة بتفصيل ذلك وبيانه وبيان أسبابه، فتوافقت دلالة القرآن والسنة، والاعتبار الصحيح الذي هو مقتضى حكمة الشريعة وما اشتملت عليه من المصالح؛ فأحاديث الجمع مع أحاديث الإفراد بمنزلة أحاديث الأعذار والضرورات مع أحاديث الشروط والواجبات؛ فالسنة يبيّن بعضها بعضًا، لا يُرد بعضها ببعض ومَنْ تأمل أحاديث الجمع وجدها كلها صريحة في جمع الوقت لا في جمع الفعل، وعلم أن جمع الفعل أشق وأصعب من الإفراد بكثير؛ فإنه يُنتظر بالرخصة أن يبقى من وقت الأولى قدر فعلها فقط، بحيث إذا سلّم منها دخل وقت الثانية فأوقع كل واحدة منهما في وقتها، وهذا أمر في غاية العسر والحرج والمشقة، وهو مُنَافٍ لمقصود الجمع، وألفاظ السنة [الصحيحة](3) الصريحة ترده كما تقدم، وباللَّه التوفيق (4).
(1) كذا الصواب، وفي الأصول:"والذاكر"!! فتأمل!.
(2)
بقوله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها؛ فليصلها إذا ذكرها".
أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب مواقيت الصلاة): باب من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، ولا يعيد إلا تلك الصلاة. . .، (597)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب المساجد): باب قضاء الفائتة، واستحباب تعجيله (684)؛ من حديث أنس.
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
انظر كلام ابن القيم في هذه المسألة في "زاد المعاد"(1/ 132 - 133 أو 3/ 7 - 8، 14)، وبنحو المذكور هنا عند ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(24/ 54 - 55)، وقارن بـ"مجموعة الرسائل والمسائل"(2/ 251 - وما بعد)، وكتابنا "فقه الجمع بين الصلاتين في الحضر بعذر المطر"(ص 161 - 163).