الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظهارته، فإن الحكمَ في ذلك التحريمُ على أصح القولين، والفرق على القول الآخر مباشرة الحرير وعدمها كحشو الفراش به، فإن صح الفرق بطل القياس، وإن بطل الفرق مُنع الحكم، وقد تمسك بعموم النهي عن افتراش الحرير طائفة من الفقهاء فحرَّموه على الرجال والنساء، وهذه طريقة الخراسانيين من أصحاب الشافعي، وقابلهم من أباحه للنَّوعين، والصواب التفصيل وأن من أبيح له لبسه أبيح له افتراشه ومن حرم عليه حرم عليه، وهذا قول الأكثرين، وهي طريقة العراقيين من الشافعية (1).
[خرص الثمار في الزكاة والعرايا]
المثال التاسع والأربعون: رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في خرص الثمار في الزكاة والعَرَايا وغيرها إذا بدا صلاحها كما رواه الشافعي عن عبد اللَّه بن نافع، عن محمد بن صالح التَّمَّار، عن الزهري، عن سعيد بن المُسيّب، عن عَتَاب بن أَسِيد أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال في زكاة الكَرْم:"يُخرص كما يخرص النَّخل، ثم تُؤدَّى زكاتُه زبيبًا كما تُؤدَّى زكاةُ النخل تمرًا"(2)، وبهذا الإسناد بعينه
(1) انظر: "بدائع الفوائد"(3/ 204 و 4/ 42)، و"زاد المعاد"(3/ 87).
(2)
رواه الشافعي (1/ 243/ 661)، كما ذكره ابن القيم، ورواه ابن أبي شيبة (3/ 195)، وأبو داود (1604) في (الزكاة): باب في خرص العنب، والترمذي (644) في (الزكاة)، وابن ماجه (1819) في (الزكاة)، والنسائي (5/ 109) في (الزكاة): باب شراء الصدقة، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(1/ 404 رقم 562، 563)، والطبراني (27/ 162 رقم 424)، وابن خزيمة (2317 و 2318)، وابن قانع في "معجم الصحابة"(2/ 270 رقم 792)، وابن الجارود (351)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/ 39)، وابن حبان (3278 و 3279)، والدارقطني (2/ 132 - 133)، والحاكم (3/ 595)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"(4/ 2224 رقم 5535)، والبيهقي (4/ 121، 122) من طرق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد، باللفظين اللذين أوردهما المصنف.
قال أبو داود وابن قانع: سعيد لم يسمع من عَتَّاب شيئًا.
قلت: عتاب رحمه الله متقدم الوفاة حيث توفي سنة (13)، وكانت ولادة سعيد لسننين خلتا من خلافة عمر -أي: لعله ولد بعد وفاة عتاب-.
ولذلك قال الحافظ في "التهذيب": "وأما حديثه -أي ابن المسيب- عن بلال وعتاب فظاهر الانقطاع بالنسبة إلى وفاتيهما ومولده".
ورواه الدارقطني (رقم 2019 - بتحقيقي) من طريق الواقدي -وانفرد بوصله- عن عبد الرحمن بن عبد العزيز عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن المِسْوَر بن مخرمة عن عتاب به، والواقدي متروك. =
"أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يبعث من يخرص على الناس كرومهم وثمارهم"(1)، وقال أبو داود الطيالسي: ثنا شعبة، عن خُبيب بن عبد الرحمن قال: سمعتُ عبد الرحمن بن مسعود بن نِيَار يقول: أتانا سهل بن أبي حَثْمَة إلى مجلسنا فحدَّثنا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرصتم فدعُوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع"(2)، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ورواه أبو داود في "السنن"، ورَوَى فيها أيضًا عن عائشة:"كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يبعثُ عبدَ اللَّه بن رواحة إلى يهود فيخرصُ النَّخلَ حين يطيب قبل أن يُؤكل منه، ثم يُخيّر يهود فيأخذونه بذلك الخرص أم (3) يدفعونه إليهم بذلك الخرص، لكي تُحصى الزكاة قبل أن تُؤكل الثمار وتفرَّق"(4)، وروى الشافعي، عن مالك، عن ابن شِهَاب، عن
= ورواه ابن أبي شيبة (3/ 195)، ومالك (2/ 703)، وابن خزيمة (4/ 14)، وابن زنجويه في "الأموال"(1987)، والبيهقي (4/ 122) عن سعيد بن المسيب مرسلًا، وهو أصح.
ومع هذا فقد قال الترمذي عن الموصول: حديث حسن غريب.
ولعله لشواهده، حيث يشهد للخرص أحاديث ذكرتها في حديث عائشة الآتي.
قال (و): "وعن الشافعي فيه أقوال: وجوب الخرص، وجوازه، وندبه، وأبو حنيفة لا يجوز؛ لأنه رجم بالغيب".
(1)
مضى في الذي قبله.
(2)
رواه ابن أبي شيبة (3/ 194)، وأحمد (3/ 448 و 4/ 2 - 3 و 3)، وأبو داود (1605) في (الزكاة): باب في الخرص، والترمذي (643) في (الزكاة): باب ما جاء في الخرص، والنسائي (5/ 42) في (الزكاة): باب كم يترك الخارص، وابن خزيمة (2319 و 2320)، والطحاوي (2/ 39)، وابن الجارود (352)، وابن حبان (3280)، والدارمي (2/ 272)، وأبو عبيد (585)، وابن زنجويه (1992، 1993) كلاهما في "الأموال"، والحاكم (1/ 402)، والبيهقي (4/ 123) من طرق عن شعبة به، كما ذكره المصنف.
ورجاله ثقات؛ إلا عبد الرحمن بن مسعود بن نيار لم يرو عنه غير خبيب بن عبد الرحمن فقط، وذكره ابن حبان في "الثقات"! وقال ابن القطان: لا يُعرف حاله.
وانظر: "بيان الوهم والإيهام"(5/ 548 - 550 رقم 2776).
(3)
كذا في جميع الأصول، وفي "سنن أبي داود":"أو".
(4)
رواه أبو داود (1606) في (الزكاة): باب متى يخرص الثمر، و (3413) في (البيوع والإجارات): باب في الخرص، وإسحاق بن راهويه في "مسنده"(رقم 904)، وعلقه الترمذي بعد (644)، ووصله عبد الرزاق (7219)، وأبو عبيد (582 - 583)، وأحمد (6/ 163)، والدارقطني (2/ 134)، والبيهقي في "سننه الكبرى"(4/ 123)، و"معرفة السنن والآثار" (6/ 111 رقم 8179) من طريق ابن جريج قال: أُخْبرت عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة به. =
سعيد بن المسيب أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال ليهود خيبر: "أُقرّكم على ما أقركم اللَّه، على أن الثمر بيننا وبينكم"، قال:"وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يبعث عبد اللَّه بن رواحة فيخرص عليهم ثم يقول: إن شئتم فلكُم، وإن شئتم فلي، وكانوا يأخذونه"(1).
وفي "الصحيحين" أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خَرصَ حديقةَ المرأة، وهو ذاهبٌ إلى تبوك، وقال لأصحابه:"اخرصوها"، فخرصوها بعشرة أوسق، فلما قفل
= ورجاله ثقات؛ لكنه منقطع بين ابن جريج وابن شهاب.
ووقع عند الدارقطني من رواية محمد بن عبد الملك بن زنجويه عن عبد الرزاق، ثنا ابن جريج عن الزهري، وهذا خطأ، فإن أحمد رواه عن عبد الرزاق فقال: ثنا ابن جريج قال: أخبرت، كما قال حجاج بن محمد وغيره عن ابن جريج، وكذا في "مصنف عبد الرزاق".
وقال الترمذي: "سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: حديث ابن جريج غير محفوظ".
وانظر: تعليقي على "سنن الدارقطني"(رقم 2027، 2028).
وفي الباب عن جابر: رواه أبو داود (3414 و 3415)، وأحمد (3/ 296 و 367)، والطحاوي (1/ 317، 2/ 38)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(4/ 49) من طريق أبي الزبير عن جابر، وورد تصريح أبي الزبير بالسماع عند أحمد وأبي داود وعند بعضهم مختصرًا.
وفي الباب أيضًا عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص: رواه ابن زنجويه في "الأموال"(رقم 1978) من حديث ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عنه، وابن لهيعة ضعيف.
وللحديث شواهد أيضًا في "مصنف عبد الرزاق"(4/ 122، 132)، و"الأموال"(1979 - 1982) لابن زنجويه، و"التمهيد" لابن عبد البر (6/ 444) وما بعدها، و"إرواء الغليل"(3/ 281).
(1)
رواه مالك في "الموطأ"(2/ 703)، ومن طريقه الشافعي في "مسنده"(1/ 242)، وابن زنجويه في "الأموال"(رقم 1981)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 122) هكذا مرسلًا.
وقال الحافظ ابن عبد البر: "هكذا روى هذا الحديث بهذا الإسناد عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد -جماعة رواة الموطأ- وكذلك رواه أكثر أصحاب الزهري، وقد وصله منهم صالح بن أبي الأخضر عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة".
وقال الدارقطني (2/ 134): "وأرسله مالك ومعمر وعقيل عن الزهري عن سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، مرسلًا".
أقول: وهذا الطريق رواه البزار (1286 - كشف الأستار)، وصالح هذا ضعيف.
[رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم](1) سأل (2) المرأة عن [تمر](3) الحديقة، فقالت: بلغ عشرة أوْسُق (4).
وفي "الصحيحين" من حديث زيد بن ثابت: "رَخَّص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لصاحب العَرِيَّة أن يبيعها بخرصها تمرًا"(5)، وصحّ عن عمر بن الخطاب [رضي الله عنه](6) أنه بعث سهل بن أبي حَثْمَة على خَرْص التمر، وقال:"إذا أتيت أرضًا فاخرصها ودع لهم قَدْر ما يأكلون"(7)، فردت هذه السنن كلها بقوله تعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90]، قالوا: والخرص من باب القمار والميسر، فيكون تحريمه ناسخًا لهذه الآثار، وهذا من أبطل الباطل، فإن الفرق بين القمار والميسر والخرص المشروع كالفرق بين البيع والربا، والميتة والمُذَكَّى، وقد نَزه اللَّه رسوله وأصحابه عن تعاطي القمار وعن شرعه وعن إدخاله في الدين.
وياللَّه العجب! أكان المسلمون يقامرون إلى زمن خيبر، ثم استمرّوا على ذلك إلى عهد الخلفاء الراشدين، ثم انقضى عصر الصحابة وعصر التابعين على القمار ولا يعرفون أن الخرصَ قمارٌ حتى بيَّنه بعض فقهاء الكوفة؟ وهذا -واللَّه- الباطل حقًا، واللَّه الموفق.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(2)
كذا في (ك) ومصادر التخريج، وفي سائر الأصول:"سألوا"!
(3)
ما بين المعقوفتين من (ك) فقط.
(4)
رواه البخاري (1481) في (الزكاة): باب خرص التمر، ومسلم (4/ 1785) (1392) في (الفضائل): باب في معجزات النبيّ صلى الله عليه وسلم عن أبي حُميد الساعدي.
(5)
رواه البخاري (2173) في (البيوع): باب بيع الزبيب بالزبيب، و (2184 و 2188): باب المزابنة، و (2192): باب تفسير العرايا، و (2380) في (المساقاة): باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو نخل، ومسلم (1539) في (البيوع): باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا.
(6)
ما بين المعقوفتين من (ق) و (ك).
(7)
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3/ 194)، والبيهقي (4/ 124) من طريق يحيى بن سعيد عن بُشير بن يسار أن عمر كان يبعث أبا حثمة (وفي المصنف: أبا خيثمة، وهو خطأ).
وهذا إسناد منقطع؛ بُشير لم يدرك عمر.
ورواه حماد بن زيد فوصله.
أخرجه الحاكم (1/ 402 - 403) والبيهقي (4/ 124) من طريقه عن يحيى بن سعيد عن بُشير عن سهل بن أبي حثمة أن عمر بن الخطاب بعث. . .
وانظر: "بيان الوهم والإيهام"(5/ 548 - 550).