الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا صح هذا عن الصحابة ولم يعلم لهم مخالف سوى هذا الأثر المعلول أثر عثمان بن حاضر (1) في قول الحالف: عَبْده حر إن فعل، أنه يجزيه كفارة يمين، وان لم يلزموه بالعتق المحبوب إلى اللَّه تعالى فأن لا يلزموه بالطلاق البغيض إلى اللَّه أولى وأحرى، كيف وقد أفتى [أمير المؤمنين] علي بن أبي طالب [عليه السلام] الحالفَ بالطلاق أنه لا شيء عليه (2)، ولم يُعرف له في الصحابة مخالف؟
قال (3) عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد بن علي التميمي المعروف بابن بزيزة في "شرحه لأحكام عبد الحق": الباب الثالث:
في حكم اليمين بالطلاق أو الشك فيه
وقد قدمنا في كتاب الأيمان اختلافَ العلماء في اليمين بالطلاق والعتق والمَشْي وغير ذلك، هل يلزم أم لا؟ فقال [أمير المؤمنين](4) علي أكرم اللَّه وجهه، (5) وشريح وطاوس:"لا يلزم من ذلك شيء، ولا يُقضى بالطلاق على مَنْ حلف به بحنث، ولا يعرف لعلي في ذلك مخالف من الصحابة" هذا لفظه بعينه، فهذه فتوى أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الحلف بالعتق والطلاق، وقد قدمنا فتواهم (6) في وقوع الطلاق المعلَّق بالشرط، ولا تعارض بين ذلك.
[لم يقصد الحالف وقوع الطلاق ولهذا لم يحكم بوقوعه]
فإن الحالف لم يقصد وقوع الطلاق، وإنما قصد منع نفسه بالحلف مما لا يريد وقوعه (7)، فهو كما لو خَصَّ (8) منع نفسه بالتزام التطليق والإعتاق والحج والصوم وصدقة المال، وكما لو قصد منع نفسه بالتزام ما يكرهه من الكفر، فإن كراهته لذلك كله وإخراجه مخْرَجَ اليمين بما لا يريد وقوعه منع من ثبوت حكمه، وهذه علة صحيحة فيجب طَرْدُها في الحلف بالعتق والطلاق إذ لا فرق البتة،
(1) في (د)، و (ط)، و (ح):"بن أبي حاضر"!
(2)
هو في قصة وقعت ذَكَرها ابن حزم في "المحلى"(10/ 212) من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن علي، وما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك). .
(3)
في (و): "قاله"!!
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "بن أبي طالب".
(6)
في المطبوع: "فتاويهم".
(7)
في (و)، و (ن):"بما لا يريد وقوعه".
(8)
في (ك) و (ق): "حض".
والعلة متى تخصصت بدون فوات شرط أو وجود مانع دل ذلك على فسادها، كيف والمعنى الذي منع لزوم الحج والصدقة والصوم بل لزوم الإعتاق والتطليق بل لزوم اليهودية والنصرانية هو في الحلف بالطلاق أولى؟ أما العبادات المالية والبدنية فإذا منع لزومها قصد اليمين وعدم وقوعها فالطلاق أولى، وكل ما يقال في الطلاق فهو بعينه في صُوَر الإلزام سواء بسواء، وأما الحلف بالتزام التطليق والإعتاق فإذا كان قَصْدُ اليمين قد مَنعَ ثلاثة أشياء وهي: وجوب التطليق، وفعله، وحصول أثره، وهو الطلاق، فَلأن يقوى على منع واحد من الثلاثة وهو وقوع الطلاق وحده أولى وأحرى، وأما الحلف بالتزام الكفر الذي يحصل بالنية تارة وبالفعل تارة وبالقول تارة وبالشك تارة ومع هذا فقصد اليمين منع من وقوعه، فَلأَن يمنع من وقوع الطلاق أولى وأحرى، وإذا كان العتق الذي هو أحب الأشياء إلى اللَّه ويَسْرِي في ملك الغير وله من القوة وسرعة النفوذ ما ليس لغيره ويحصل بالملك والفعل قد منع قصد اليمين من وقوعه كما أفتى به الصحابة فالطلاق أولى وأحرى بعدم الوقوع، وإذا كانت اليمين بالطلاق قد دخلت في قول المكلف:"أَيْمان المسلمين تلزمني" عند من ألزمه (1) بالطلاق فدخولها في قول رب العالمين: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أولى وأحرى، وإذا دخلت في قول الحالف:"إن حلفتُ يمينًا فعبدي حر" فدخولها في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفِّر عن يمينه ولْيَأْتِ الذي هو خير"(2) أولى وأحرى، وإذا دخلت (3) في قول النبي صلى الله عليه وسلم:"مَنْ حَلَفَ فقال: إن شاء اللَّه فإن شاء فَعَل وإن شاء تَرَك"(4) فدخولها في قوله: "مَنْ حَلَفَ على يمين فرأى
(1) في (و): "ألزمها"، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2)
رواه مسلم (1650) في (الإيمان): باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه، من حديث أبي هريرة.
وفي الباب عن أبي موسى: رواه البخاري (3133)، وأطرافه هناك، ومسلم (1649)، وعن عبد الرحمن بن سمرة: رواه البخاري (6622 و 6722 و 7147)، ومسلم (1652) وعن عدي بن حاتم رواه مسلم (1651)، وعن جماعة من الصحابة انظر:"نصب الراية"(3/ 296)، و"إرواء الغليل"(7/ 165).
(3)
في (و): "دخل".
(4)
رواه أحمد (2/ 6 و 48 - 49 و 68 و 126 و 127 و 153)، والحميدي (690) وعبد بن حميد (779 - المنتخب) والدارمي (2/ 185)، وأبو داود (3262) في "الأيمان والنذور": باب الاستثناء في اليمين، والترمذي (1531) في (الأيمان والنذور): باب ما =
غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير وليكفِّر عن يمينه" (1) [أولى وأحرى] (2) فإن الحديث أصح وأصرح، وإذا دخلت في قوله: "مَنْ حَلَف على يمين فاجرة يقتطع بها مال امرئ مُسْلم لقي اللَّه وهو عليه غضبان" (3) فدخولها في قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] أولى [وأحرى] (4) بالدخول أو مثله، وإذا دخلت في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] فلو (5) حلف بالطلاق كان مُوليًا فدخولها في نصوص الأَيْمان أولى وأحرى لأن الإيلاء نوعٌ من اليمين، فإذا دخل الحلف بالطلاق (6) في النوع فدخوله في الجنس سابق عليه، فإن النوع مستلزم الجنس، ولا ينعكس، وإذا دخلت في قوله: "يمينُك على ما يصدِّقك به صاحبك" (7) فكيف لا تدخل (8) في بقية نصوص الأيمان؟ وما الذي أوجَب هذا التخصيص من غير مخصص؟ وإذا دخلت في قوله: "إيَّاكم وكثرة الحَلِف في البيع فإنه يُنفقُ ثم يمحق" (9) فهلّا دخلت في غيره من نصوص اليمين؟ وما الفرق المؤثر
= جاء في الاستثناء في اليمين، والنسائي (7/ 12) في (الأيمان والنذور): باب من حلف فاستثنى، و (7/ 25): باب الاستثناء، وابن ماجه (2105) في (الكفارات): باب الاستثناء في اليمين، وابن الجارود (928) وابن حبان (4339، 4342) والطبراني في "الأوسط"(3099) والحاكم (4/ 303) وأبو نعيم (6/ 79) والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 360 - 361 و 10/ 46) والخطيب البغدادي (5/ 88) من طرق عن أيوب عن نافع عن ابن عمر به مرفوعًا وهذا إسناد على شرط الشيخين.
(1)
مضى تخريجه قريبًا.
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (و)، و (ن) و (ك) و (ق).
(3)
رواه البخاري (2356 و 2357) في (الشرب والمساقاة): باب الخصومة في البئر والقضاء عليها، وانظر باقي أطرافه هناك -وهي كثيرة-، ومسلم (138) في (الإيمان): باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، من حديث ابن مسعود، وفي الباب عن عدد من الصحابة.
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
في (ق): "فإذا".
(6)
في (و): "في الطلاق"، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(7)
رواه مسلم (3/ 1247، 1653) في (الأيمان): باب يمين الحالف على نية المستحلف، من حديث أبي هريرة.
(8)
في (و) و (ك): "لا يدخل"، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(9)
رواه مسلم (1607) في (المساقاة): باب النهي عن الحلف في البيع، من حديث أبي قتادة الأنصاري.