الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القولين (1)، وغاية الطواف أن يُشَبَّه بالصلاة، وإذا تبين هذا فغاية هذه إذا طافت مع الحيض للضرورة أن تكون بمنزلة مَنْ طافت عريانة للضرورة؛ فإنّ نَهْيَ الشارع صلوات اللَّه وسلامه عليه وعلى آله عن الأمرين واحد، بل الستارة في الطواف آكد من وجوه:
أحدها: أن طواف العريان منهيّ عنه بالقرآن والسنة وطواف الحائض منهي عنه بالسنة وحدها.
الثاني: أن كشف العورة حَرَام في الطواف وخارجه.
الثالث: أن طواف العريان أقبح شرعًا وعقلًا وفطرة من طواف الحائض والجنب؛ فإذا صح طوافها مع العُرْي للحاجة فصحة طوافها مع الحيض للحاجة أولى وأحْرَى، ولا يقال:"فيلزمكمَ على هذا أن تصح صلاتها وصومها مع الحيض للحاجة"[لأنّا نقول](2): هذا سؤال فاسد؛ فإن الحاجة لا تدعوها (3) إلى ذلك بوجه من الوجوه، وقد جعل اللَّه سبحانه صلاتها زمن الطهر مغنية لها عن صلاتها في الحيض وكذلك صيامها، وهذه لا يمكنها أن تتعوّض في حال طهرها بغير البيت.
[تقسيم الشارع العبادة بالنسبة إلى الحائض إلى قسمين]
وهذا يبين سر المسألة وفقهها، وهو أن الشارع قسم العبادات بالنسبة إلى الحائض إلى قسمين:
• قسم يمكنها التعوّض عنه في زمن الطهر فلم يوجبه عليها في الحيض، بل أسقطه إما مطلقًا كالصلاة صماما إلى بدله زمن الطهر كالصوم.
• وقسم لا يمكنها التعوض عنه ولا تأخيره إلى زمن الطهر فشرعه لها مع الحيض أيضًا كالإحرام والوقوف بعرفة وتوابعه.
[حكم قراءة الحائض القرآن وإعلال حديث المنع]
ومن هذا جواز قراءة القرآن لها وهي حائض؛ إذ لا يمكنها التعوض عنها
(1) انظر تفصيل المسألة في: "الهداية"(1/ 101)، و"الفروع"(3/ 501)، و"المغني"(3/ 377)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية"(26/ 208)، و"شرح العمدة"(3/ 586) وما بعدها.
(2)
في (و): "لأن القول"، وفي (ن) و (ك):"قيل".
(3)
في (ك): "تدعوا".
زمن الطهر؛ لأن الحيض قد يمتد بها غالبه أو أكثره، فلو منعت من القراءة لفاتت عليها مصلحتُها، وربما نسيت ما حفظته زمن طهرها، وهذا مذهب مالك [وإحدى الروايتين عن أحمد](1) واحد قولي الشافعي، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع الحائض من قراءة القرآن، وحديثُ:"لا تقرأ الحائض والجنب شيئًا من القرآن"(2) لم يصح؛ فإنه حديث معلول باتفاق أهل العلم بالحديث.
(1) في (ك) و (ق): "وأحمد في إحدى الروايتين".
(2)
رواه الترمذي (131) في أبواب الطهارة: باب ما جاء في الجنب والحائض، وابن ماجه (595) في (الطهارة): باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة، وأبو الحسن القطان في "زوائده" عليه (596) والحسن بن عرفة في "جزئه" رقم (61)، وابن عدي في "الكامل"(1/ 294 و 4/ 1390 - 1391)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(2/ 145)، وعبد اللَّه بن أحمد في "العلل"(3/ 381 رقم 5675) -ومن طريقه العقيلي في "الضعفاء"(1/ 90) - والطحاوي (1/ 88)، والدارقطني (1/ 117) والآجرّي في "أخلاق حملة القرآن"(رقم 77) والبيهقي في "سننه الكبرى"(1/ 90) و"الخلافيات"(2/ رقم 317، 318) و"المعرفة"(1/ 190 رقم 116) والذهبي في "السير"(6/ 118) من طرق عن إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا به، وفي بعضها عن موسى بن عقبة وعبيد اللَّه بن عمر، وعند الحسن بن عرفة: وعبد اللَّه بن عمر.
قال الترمذي: "لا نعرفه إلا من حديث ابن عياش عن موسى، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: إن إسماعيل بن عياش يروي عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير".
ونحوه قال ابن عدي وزاد: وزاد في هذا الإسناد عن ابن عياش: إبراهيم بن العلاء، وسعيد بن يعقوب فقالا: عبيد اللَّه وموسى بن عقبة، قال: وليس لهذا الحديث أصل من حديث عبيد اللَّه.
ونقل العقيلي عن أحمد قوله: هذا باطل، أي أنكره على إسماعيل بن عيّاش.
وقال ابن أبي حاتم، عن أبيه (1/ 49): هذا خطأ، وإنما هو عن ابن عمر قوله، وأسهبتُ في بيان مَنْ ضعّفه من الأئمة والمحدّثين في تعليقي على "الخلافيات"(2/ 24 - 25).
ورواه الدارقطني (1/ 117) -ومن طريقه البيهقي في "الخلافيات"(2/ 26 رقم 319) - من طريق عبد الملك بن مسلمة حدثني المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة به. وعبد الملك هذا قال فيه أبو زرعة وابن يونس: منكر الحديث.
وقال ابن حبان: يروي المناكير الكثيرة عن أهل المدينة. وانظر تعليقي على "الخلافيات"(2/ 26 - 28) ففيه سرد أسماء من ضعف الحديث من العلماء، وتعقب من أخطأ فيه.
ورواه الدارقطني (1/ 117 - 118) -ومن طريقه البيهقي في "الخلافيات"(2/ 28 رقم 320) - من طريق رجل عن أبي معشر عن موسى بن عقبة. =