الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحيى بن كثير الحراني: ثنا (1) عمرو بن حماد بن طلبة: حدثنا أسباط بن نصر عن سماك، وليس فيه بحمد اللَّه إشكال (2).
[إشكال في الحديث وحلّه]
فإن قيل: فكيف أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم برَجْم المُغِيث من غير بينة ولا إقرار؟
[اعتبار القرائن وشواهد الأحوال]
قيل: هذا من أدل الدلائل على اعتبار القرائن والأخذ بشواهد الأحوال في التُّهم، وهو يشبه إقامة الحد (3) بالرائحة والقيء كما اتفق عليه الصحابة (4)، وإقامة حد الزنا بالحَبَل كانص عليه عمر (5) وذهب إليه فقهاء أهل المدينة وأحمد في ظاهر مذهبه، وكذلك الصحيح أنه يقام الحد على المتهم بالسرقة إذا وجد المسروق عنده، فهذا الرجل لما أدْركَ وهو يشتدّ هَرَبًا وقالت المرأة: هذا هو الذي فعل بي، وقد اعترف بأنه دَنَا منها وأتى إليها وادعى أنه كان مُغيثًا لا مُرِيبًا،
= والجهنية، والغامدية، ولم يسقط حدودهم، وأحاديثهم أكثر وأشهر واللَّه أعلم.
أقول: والحديث مداره على سماك بن حرب، وهو ممن يغلط، وقد تكلم فيه غير واحد من أهل الجرح والتعديل، ففي انفراده بهذا الخبر نَظَرٌ.
وعلقمة قال فيه ابن معين: لم يسمع من أَبيه شيئًا أقول: لكن ثبتت روايته عن أَبيه في "صحيح مسلم"، وقال الترمذي:"وعلقمة بن وائل بن حُجر سمع من أَبيه وهو أكبر من عبد الجبار بن وائل، وعبد الجبار لم يسمع من أَبيه"، وما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(1)
في (و) و (ك): "حدثنا".
(2)
في (ق): "وليس فيه إشكال بحمد اللَّه تعالى".
(3)
في المطبوع: "وهذا يشبه إقامة الحدود".
(4)
انظر إقامة حد الخمر بالقرينة الظاهرة في "الطرق الحكمية"(ص 4)، و"زاد المعاد"(2/ 78 - 79، 43 أو 3/ 211)، و"الحدود والتعزيرات"(ص 325 - 342).
وانظر ما مض أيضًا مع تخريجنا له.
(5)
هو جزء من حديث طويل: رواه البخاري (6829) في (الحدود): باب الاعتراف بالزنا، و (6830) باب رجم الحُبلى من الزنا إذا أحصنت، ومسلم (1691) في (الحدود): باب رجم الثيب في الزنا، من حديث ابن عباس عن عمر، وفيه قوله:"وإن الرَّجم في كتاب اللَّه حق على من زنى إذا أَحْصَنَ من الرِّجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحَبَل أو الاعتراف".
وانظر "الإشراف"(4/ 209 مسألة 1561) وتعليقي عليه.
ولم ير أولئك الجماعة غيره، كان في هذا أظهر الأدلة على أنه صاحبها، وكان الظن المستفاد من ذلك لا يقصر عن الظن المستفاد من شهادة البينة، واحتمالُ الغلطِ وعداوة الشهود كاحتمال الغلط وعداوة (1) المرأة هاهنا، بل ظن عداوة المرأة في هذا الموضع في غاية الاستبعاد؛ فنهاية الأمران هذا لَوْثٌ ظاهر لا يستبعد ثبوت الحد بمثله شرعًا كما يقتل في القَسَامة باللوث الذي لعله دون هذا في كثير من المواضع؛ فهذا الحكم من أحسن الأحكام وأجراها على قواعد الشرع، والأحكام الظاهرة متابعة للأدلة الظاهرة من البيِّنات والأقارير وشواهد الأحوال، وكونها في نفس الأمر قد تقع غير مطابقة ولا تنضبط (2) أمر لا يقدح في كونها طرقًا وأسبابًا للأحكام، والبينة لم تكن موجبة بذاتها للحد، وإنما [ارتباطُ الحدِّ بها](3) ارتباط المدلول بدليله، فإن كان هناك دليل يقاومها أو أقوى منها لم يُلْغِهِ الشارع، وظهور الأمر بخلافه لا يقدح في كونه دليلًا كالبيّنة والإقرار، وأما سقوط الحد عن المعترف فإذا لم يتسع له نطاف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأحْرَى أن لا يتسع له نطاف كثير من الفقهاء، ولكن اتسع له نطاق الرؤوف الرحيم، فقال:"إنه قد تاب إلى اللَّه"(4) وأبي أن يحده، ولا رَيْبَ أن الحسنة التي جاء بها من اعترافه طَوْعًا واختيارًا خشيَةً من اللَّه وحده [وإنقاذًا لرجل مسلم](5) من الهلاك، وتقديم حياة أخيه على حياته واستسلامه للقتل أكبر من السيئة التي فعلها، فقاوم هذا الدواء لذلك الداء، وكانت القوّة صالحة، فزال المرض، وعاد القلبُ إلى حال الصحة، فقيل: لا حاجة لنا بحدك، وإنما جعلناه طُهْرةً ودواءً؛ فإذا تطهرَّت بغيره فعفوُنَا يَسَعُك، فأيُّ حكمٍ أحسن من هذا الحكم وأشد مطابقة للرحمة والحكمة والمصلحة؟ وباللَّه التوفيق.
وقد رُوِّينا في "سنن (6) النَّسائي" من حديث الأوزاعي: ثنا أبو عَمَّار شَدَّاد، قال: حدثني أبو أُمامة أنَّ رجلًا أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يَا رسول اللَّه أصبتُ حدًا فأقمه عليَّ، فأعرض عنه، ثم قال: إني أصبت حدًا فأقمه عليَّ، فأعرض عنه، ثم قال: يَا رسول اللَّه إني أصبت حدًّا فأقمه عليَّ، فأعرض عنه، فأقيمت الصلاة، فلما سلَّم رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: يَا رسول اللَّه إني أصبت حدًّا فأقمه عليَّ، قال: "هل توضأت حين أقبلت؟ قال: نعم، قال: هل صلَّيت معنا حين صلينا؟ قال:
(1) في المطبوع: "أو عداوة".
(2)
في (ن) و (ق): "أو لا ينضبط".
(3)
في (و) بدل ما بين المعقوفتين: "ذلك من".
(4)
يقصد المؤلف بقوله: "الرؤوف الرحيم" رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، والحديث سبق قريبًا.
(5)
في (و): "وانقاد الرجل المسلم".
(6)
في (ك): "مسند"!!