الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منه، لكن لم يمكن استرجاع العين فاسترجع المثل، وكذلك لو باعه درهمًا بدرهمين كان ربًا صريحًا، ولو باعه إياه بدرهم ثم وهبه درهمًا آخر جاز، والصورة واحدة وإنما فرَّق بينهما القصد، فكيف يمكن أحدٌ (1) أن يلغي القُصُودَ في العقود ولا يجعل لها اعتبارًا؟ (2).
فصل [اعتراض بأن الأحكام تجري على الظواهر]
فإن قيل: قد أطلتم الكلامَ في مسألة القصود في العقود، ونحن نحاكمكم إلى القرآن والسنة وأقوال الأئمة، قال اللَّه تعالى حكاية عن نبيه نوح:{وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [هود: 31] فرتب الحكم على ظاهر إيمانهم، ورَدَّ علم ما في أنفسهم إلى العالم (3) بالسرائر تعالى المنفرد بعلم ذات الصدور وعلم ما في النفوس من علم الغيب، وقد قال تعالى لرسوله:{وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [هود: 31] وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إني لم أومر أن أُنِّقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم"(4) وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أُمرْتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إلهَ إلا اللَّه، فإذا قالوها عَصَمُوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على اللَّه"(5) فاكتفى منهم
= والخطابي في "غريب الحديث"(1/ 728)، وابن حبان (5096)، والبخاري في "الأدب المفرد"(890)، و"خلق أفعال العباد"(ص 33)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(7/ 31)، والعقيلي (4/ 86)، والطبراني في "الأوسط"(2611، 7202) وفي "مسند الشاميين"(767)، و"الدعاء"(1715 - 1724) والروياني (353، 360)، والبغوي (1663)، وأبو نعيم في "الحلية"(5/ 27)، والمزي في "تهذيب الكمال"(17/ 323) من طريق عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء، وسنده قوي.
وفي الباب عن النعمان بن بشير وابن مسعود.
(1)
في (د) و (ن) و (ط): "أحدًا"، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2)
انظر: "بدائع الفوائد"(3/ 279)، و"الطرق الحكمية"(ص 20)، وللأستاذ سعد السلمي دراسة مطبوعة بعنوان:"أثر النيات والمقاصد في الأقوال والتصرفات".
(3)
في (ك) و (ق): "العليم".
(4)
هو جزء من حديث: رواه البخاري (4351) في (المغازي): باب بعث علي بن أبي طالب عليه السلام، وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع، ومسلم (1064) في (الزكاة): باب ذكر الخوارج وصفاتهم، من حديث أبي سعيد الخدري.
(5)
رواه البخاري (1399) في (الزكاة): باب وجوب الزكاة، و (6924) في (استتابة =
بالظاهر، ووكل سرائرهم إلى اللَّه، وكذلك فَعَل بالذين تخلَّفوا عنه واعتذروا إليه، قَبِلَ منهم عَلَانيتهم، ووَكَلَ سرائرهم إلى اللَّه عز وجل، وكذلك كانت سيرته في المنافقين: قبول ظاهر إسلامهم، ويَكِلُ سرائرهم إلى اللَّه عز وجل، وقال تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] ولم يجعل لنا علمًا بالنيَّات والمقاصد تتعلق الأحكام الدنيوية بها، فقولنا لا علم لنا به، قال الشافعي (1): "فرض اللَّه تعالى على خلقه طاعة أنبيائه (2)، ولم يجعل لهم من الأمر شيئًا، فأولى (3) ألا يتعاطوا حكمًا على غَيْب أحد بدلالة ولا ظنّ؛ لقصور علمهم عن علم أنبيائه الذين فَرَضَ عليهم الوقوفَ عما ورد عليهم حتى يأتيهم أمره؛ فإنه تعالى ظاهَرَ عليهم الحُجَجَ، فما جعل إليهم الحكم في الدنيا إلا بما ظهر من المحكوم عليه، فَفرضَ على نبيه أن يقاتل أهل الأوثان حتى يُسْلِمُوا فَتُحْقنَ دماؤهم إذا أظهروا الإسلام، وأُعلم أنه لا يعلم صدقهم بالإسلام إلا اللَّه؛ ثم أطْلَعَ اللَّهُ رسوله على قوم يُظهرون الإسلام ويُسِرُّون غيره، فلم يجعل له أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإسلام، ولم يجعل له أن يقضي عليهم في الدنيا بخلاف ما أظهروا؛ فقال لنبيه:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] يعني أسلمنا بالقول مخافَةَ القتل والسبي، ثم أخبر (4) أنه يجزيهم إن أطاعوا اللَّه ورسوله، يعني إن أحدثوا طاعة اللَّه ورسوله (5)، وقال في المنافقين وهم صنف ثانٍ:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} إلى قوله: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} (6)[المنافقون: 1 - 2] يعني جُنَّةً من القتل، وقال:{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ} [التوبة: 59] فأمر بقبول ما أظهروا، ولم يجعل لنبيه أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإيمان،
= المرتدين): باب مثل من أبى قبول الفرائض، و (7284 و 7285) في (الاعتصام): باب الاقتداء بسنن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ومسلم (20) في (الإيمان): باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، من حديث أبي هريرة عن عمر بن الخطاب، وهو فيهما أيضًا من حديث أبي هريرة.
(1)
في "الأم"(7/ 295 - 298 - تحقيق النجار) وانظر "معرفة السنن"(12/ 242 - 258 ط قلعجي).
(2)
في المطبوع: "نبيه".
(3)
في (ك) و (ق): "وأولى".
(4)
في المطبوع: "ثم أخبرهم".
(5)
في (ن) و (ك): "طاعة رسوله".
(6)
"تمام الآيتين: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)} الآيتان من أول سورة (المنافقون) (ط) ".
وقد أعلم اللَّه نبيه أنهم في الدرْكِ الأسفل من النار؛ فجعل حكمه تعالى عليهم على سرائرهم، وحكم نبيه عليهم في الدنيا على عَلَانيتهم بإظهار التوبة وما قامت عليه بينة من المسلمين وبما أقرَّوا بقوله وما جَحدوا من قول الكفر ما لم يُقِّروا به ولم يقم به بيّنة عليهم، وقد كذَّبهم في قولهم في كل ذلك، وكذلك أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن اللَّه، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد، عن عُبيد اللَّه بن عَدِي (1) بن الخِيَار:"أن رجلًا سارَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فلم ندر ما سارَّه (2) حتى جَهَرَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يُشَاوره في قتل رجل من المنافقين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أليس يشهد أن لا إلهَ إلا اللَّه؟ قال: بلى، ولا شَهادَة له، فقال: أليس يصلي؟ قال: بلى، ولا صلاة له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أولئك الذين نهاني اللَّه عن قتلهم"(3) ثم ذكَر حديث "أمِرْتُ أن أقاتل الناس"(4) ثم قال: فحسابهم على اللَّه بصدقهم
(1) في جميع الأصول: "عن عبيد اللَّه بن بزيد عن عدي. . . " وهو خطأ، والتصويب من مصادر التخريج.
(2)
في (ك): "سراره".
(3)
رواه مالك في "الموطأ"(1/ 171) ومن طريقه الشافعي في "مسنده"(1/ 13)، ومحمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة"(رقم 955، 957) والبيهقي في "الكبرى"(8/ 196) عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد اللَّه بن عدي بن الخيار فذكره مرسلًا.
قال ابن عبد البر: "هكذا رواه سائر رواة "الموطأ"، وعبيد اللَّه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم".
ورواه أحمد (5/ 432): وابن نصر (959) ثنا عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج: أخبرني ابن شهاب عن عطاء عن عبيد اللَّه بن عدي به مرسلًا وكذلك رواه الليث بن سعد عن ابن شهاب به، وزاد:(عن رجل من الأنصار)، أخرجه ابن نصر (956)، وإسناده صحيح، ورواه (960) من طريق آخر عن ابن شهاب، وزاد (أن نفرًا من الأنصار أخبروه) به.
ووصله عبد الرزاق في "مصنفه"(10/ 163 رقم 18688)، ومن طريقه رواه أحمد (5/ 433)، وابن حبان (5971)، وابن نصر (958) وابن قانع في "معجم الصحابة"(9/ 2416 رقم 1574) وأبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة"(ق 209/ أ) وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"(9/ 1723 رقم 4377) والبيهقي في "سننه الكبرى"(3/ 367 و 8/ 196) عن عمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن عبيد اللَّه بن عدي بن الخيار عن عبد اللَّه بن عدي الأنصاري به.
وهذا إسناد صحيح، كما قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة"(2/ 337) والذهبي في "التجريد"(1/ 324).
أقول: وشاهده حديث عتبان بن مالك في "صحيح مسلم"(33)، وفي (ك) و (ق):"نهاني اللَّه عنهم".
(4)
هو المتقدم قبل قليل.
وكذبهم، وسرائرهم إلى اللَّه العالم بسرائرهم المتولي الحكم عليهم دون أنبيائه وحُكَّام خلقه.
وبذلك مَضَتْ أحكام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما بين العباد من الحدود وجميع الحقوق، أعلمهم أن جميع أحكامه على ما يُظْهِرُون، واللَّه يدين بالسرائر، ثم ذكر حديث عُويمر العَجْلاني في لعانه امرأتَهُ، ثم قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا: "لولا ما قضَى اللَّه لكان لي فيها قضاءٌ غيره"(1) يعني: لولا ما قضى اللَّه مِنْ ألا يحكم على أحد إلا باعتراف على نفسه أو بينة، ولم يعرض لشَريك ولا للمرأة، وأنفذ الحكم وهو يعلَم أن أحدهما كاذب، ثم علم بعدُ أن الزوج هو الصادق.
ثم ذكر حديث رُكانة أنه طلق امرأته البتة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم استحلفه ما أردتُ إلا واحدة، فحلف له، فردَّها [إليه](2)، قال: وفي ذلك وغيره دليل على أن حَرَامًا على الحاكم أن يقضي أبدًا على أحد من عباد اللَّه إلا بأحسن ما يُظهر، وإن احتمل ما يظهر غير أحسنه وكانت عليه دلالة على ما يخالف أحسنه. ومن قوله (3): بلى، لما حكم اللَّه في الأعراب الذين قالوا:{آمَنَّا} [الحجرات: 14]، وعلم اللَّه أن الإيمان لم يدخل في قلوبهم لما أظهروا من الإسلام، ولما حكم في المنافقين الذين علم أنهم آمنوا ثم كفروا وأنهم كاذبون بما أظهروا من الإيمان بحكم الإسلام، وقال في المُتَلاعِنين:"أبْصِروها، فإن جاءت به كذا وكذا فلا أراه إلا قد صدق عليها"(4) فجاءت به كذلك، ولم يجعل له إليها سبيلًا؛ إذ لم تُقر ولم تَقُم عليها بينة. وأبطل في حكم الدنيا عنهما استعمال الدلالة التي لا توجد في الدنيا دلالة بعد دلالة اللَّه على المنافقين والأعراب أقوى مما أخبر
(1) قصة عويمر العجلاني الذي لاعن من زوجته ثابتة في "الصحيحين"، رواها البخاري (423)، وأطرافه هناك، ومسلم (1492) في (اللعان)، من حديث سهل بن سعد. وقوله صلى الله عليه وسلم:"لولا ما قضى اللَّه لكان لي فيها. . . " حديث آخر، وهو ثابت في حديث أنس بن مالك في قصة شريك بن سحماء، رواها مسلم (1496) في (اللعان): باب كيف اللعان.
ومن حديث ابن عباس: رواه البخاري (4747) في (التفسير) باب: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ. . .} ، وفيه:"لولا ما مضى من كتاب اللَّه،. . . " وانظر "الموافقات"(2/ 470 - بتحقيقي).
(2)
سبق تخريجه، وما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(3)
في (ن) و (ق): "وقوله".
(4)
قطعة من الحديث المتقدم في قوله: "لولا ما مضى من كتاب اللَّه. . . "، وتخريجه هناك.
[به](1) رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في قوله في امرأة العَجْلَاني على أن يكون، ثم كان -كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، والأغلب على من سمع الفزاري يقول للنبي صلى الله عليه وسلم:"إن امرأتي ولدت غلامًا أسود"(2) وعَرَّضَ بالقذف أنه يريد القذف ثم لم يحده النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن التعريض ظاهرَ قذفٍ، فلم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بحكم القذف، والأغلب على مَنْ سمع قول ركانة لامرأته:"أنت طالق البتة"(3) أنه قد أوقع الطلاق بقوله: أنت طالق وأن البتَّة إرادة شيء غير الأول أنه أراد الإبتات بثلاث، ولكنه لما كان ظاهرًا في قوله واحتمل غيره لم يحكم النبي (3) صلى الله عليه وسلم إلا بظَاهِر الطلاق واحدة.
فمن حكم على الناس بخلاف ما ظهر عليهم استدلالًا على أن ما أظهروا خلاف ما أبطنوا بدلالة منهم أو غير دلالة لم يسلم عندي من خلاف التنزيل والسنة، وذلك [مثل] (4) أن يقول قائل: مَنْ رجع عن الإسلام ممن ولد عليه قَتَلْتُه ولم أسْتَتِبْهُ، ومن رجع عنه ممن لم يولد عليه أسْتَتِبْه (5)، ولم يحكم اللَّه على عباده إلا حكمًا واحدًا، ومثله أن يقول: مَنْ رجع عن الإسلام ممن أظهر نصرانية أو يهودية أو دينًا يُظهره كالمجوسية أسْتَتِبْه فإن أظهر التوبة قبلت منه، ومَنْ رجع إلى دين خِفْية لم أستتبه، وكلٌّ قد بدَّل دين الحق ورجع إلى الكفر، فكيف يُستتاب بعضُهم ولا يستتاب بعض؟ فإن قال: لا أعرف توبة الذي يُسِرُّ دينه؟ قيل: ولا يعرفها إلا اللَّه، وهذا -مع خلافه حكم اللَّه ثم رسوله- كلام محال، يُسْأل من قال هذا: هل تدري لعلَّ الذي كان أخفى الشرك يَصْدُق بالتوبة والذي كان أظهر الشرك يَكْذب بالتوبة؟ فإن قال؟ نعم، قيل: فتدري لعلك قتلت المؤمن الصادق الإيمان واستحييت الكاذب بإظهار الإيمان؟ فإن قال: ليس عليّ إلا الظاهر، قيل: فالظاهر فيهما واحد وقد جعلته اثنين بعلة مُحَالة، والمنافقون على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يُظهروا يهودية ولا نصرانية ولا مجوسية بل كانوا يستسِّرون بدينهم فيُقبل منهم ما يُظهرون من الإيمان! فلو كان قائل هذا القول حين خالف
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (و) و (ك) و (ق).
(2)
رواه البخاري (5305) في (الطلاق)؛ باب إذا عَرَّض بنفي الولد، و (6847) في (الحدود): باب ما جاء في التعريض، و (7314) في (الاعتصام): باب مَنْ شَبَّه أصلًا معلومًا بأصل مبين، ومسلم (1500) في (اللعان)، من حديث أبي هريرة.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ك) و (ق).
(5)
في (ك): "استبته".
السنة أحْسنَ أن يقول شيئًا له وجه، ولكنه يخالفها ويعتلُّ بما لا وجه له، كأنه يرى أن اليهودية والنصرانية لا تكون إلا بإتيان الكنائس، أرأيت إن كانوا ببلاد لا كنائس فيها أما يصلّون في بيوتهم فتخفى صلاتهم على غيرهم؟ قال: وما وصفت من حكم اللَّه ثم حكم رسوله في المتلاعنين يبطل حكم الدلالة التي هي أقوى من الذرائع، وإذا بطل الأقوى من الدلائل بطل الأضعف من الذرائع كلها، وبطل الحد في التعريض بالقذف، فإن من الناس مَنْ يقول: إذا تشاتَمَ الرجلان فقال أحدهما: "ما أنا بزانٍ ولا أمي بزانية" حُدَّ؛ لأنه إذا قاله على المشاتمة (1) فالأغلب أنه إنما يريد به قذف الذي يُشاتم وأمَّه، وإن قاله على غير المشاتمة لم أحُدَّه إذا قال:"لم أرد القذف" مع إبطال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حكم التعريض في حديث الفَزَاري الذي ولدت امرأته غلامًا أسود (2)، فإن قال قائل: فإن عمر حدَّ في التعريض في مثل هذا (3)، قيل: استشار أصحابه، فخالفه بعضُهم، ومع مَنْ خالفه ما وصفنا من الدلالة (4)، ويَبْطُل مِثْلُه قول الرجل لامرأته:"أنت طالق البتة" لأن الطلاق إيقاعُ طلاقِ ظاهر، والبتة تحتملُ زيادةً في عدد الطلاق وغير زيادة، والقول قوله في الذي يحتمل غير الظاهر، حتى لا يحكم عليه أبدًا إلا بظاهر، ويجعل القول قوله في الذي يحتمل غير الظاهر، فهذا يدل على أنه لا يفسد عقدٌ إلا بالعقد نفسه، ولا يفسد بشيء تقدَّمه ولا تأخَّره، ولا بتوهم، ولا بالأغلب، وكذلك كل شيء لا يفسد إلا بعقده، ولا تفسد البيوع بأن يقول: هذه ذَرِيعة، وهذه نية سوء، ولو كان أن يبطل البيوع بأن تكون ذريعة إلى الربا كان اليقين في
(1) بعدها في (ق): "حد".
(2)
سبق تخريجه قريبًا.
(3)
أي في الرجل الذي قال: ما أبي بزانٍ، وما أُمّي بزانية، روى ذلك مالك في "الموطأ"(2/ 829)، -ومن طريقه البيهقي في "سننه الكبرى" (8/ 252) - والدارقطني (3/ 209) عن محمد بن عبد الرحمن أبي الرِّجال عن أمة عمرة بنت عبد الرحمن أن رجلين استبَّا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال أحدهما للآخر: ما أبي بزانٍ ولا أمي بزانية، فاستشار في ذلك عمر فقال قائل: مدح أباه وأمه، وقال آخرون: كان لأبيه وأمه مدح سوى هذا، نرى أن تجلده الحد، فجلده عمر بن الخطاب الحد ثمانين.
وعمرة بنت عبد الرحمن ثقة حجة، كما قال ابن معين لكنها لم تدرك أيام عمر بن الخطاب فإنها ماتت في حدود المئة.
وروى البيهقي (8/ 252) من طريق ابن أبي ذئب عن ابن شهاب الزهري عن سالم عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه كان يضرب في التعريض الحدَّ، وإسناده صحيح.
(4)
في (و): "الدلائل".