الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
266 - (جعفر بن أبي طالب الهاشمي: أبو عبد الله)
(1)
1843 -
وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخو علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، وكان أَسنّ (2) من عليّ بعشرِ سنين، كما أنَّ عقيلاً أسنّ من جعفرٍ بعشر سنين، وطالب أسنَّ من عُقيل بعشر سنين، أسْلم جعفر قديماً، ولكن بعدَ علي أخيه، وهاجر إلى الحبشة، وكان حجيج (3) النجاشي عن المسلمين كما سيأتي يوم
جمعهم ليتكلم معهم في أمر عيسى بن مريم عليه السلام، فقرأ عليه وعلى
القسيسين سورة مريم، فقال النجاشي:(والله ما زاد على وصف عيسى ولا هذه القشة) ، والظاهر أن إسلام النجاشي كان على يد جعفرٍ رضي الله عنهم، ثم كان هجرته بمن كان معهُ من المسلمين/ ومن تبعهم من المشركين والأشعريين
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بخيبر ويُحاصر خيبر، ففتحها الله عليهم على يديه (4)، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والله ما أدري بأيهما أنا أُسرُّ بقدوم جعفرِ أو
بفتح خيبر) (5) .
ويُروَى: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلهُ بين عينيه)(6) واعتمر رسول الله
(1) له ترجمة في أسد الغابة: 1/341؛ والإصابة: 1/237؛ والاستيعاب: 1/210؛ والطبقات الكبرى: 4/22؛ والتاريخ الكبير: 2/185؛ وتهذيب التهذيب: 2/98.
(2)
في المخطوطة: (أصغر) والصواب: أسن. تراجع المصادر السابقة.
(3)
حجيج: فقيل بمعنى فاعل من حاججته حجاجاً ومحاجة. أي أنه المحاجج والمطالب لوقد قريش بإظهار الحجة والبرهان والدليل عليهم. النهاية.
(4)
الأخبار الصحيحة أنها فتحت على يدي أخيه علي رضي الله عنهما، ولعل المراد عند قدومه وبين يديه.
(5)
الخبر أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط والصغير، وفي رجالي الكبير أنس بن سلم، قال الهيثمي: لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
وأخرجه الحاكم أيضاً من طريق الواقدي وعقب عليه الذهبي في التلخيص فقال: مع
انقطاعه فيه الواقدي. المعجم الكبير: 2/108؛ مجمع الزوائد: 9/271؛ مستدرك الحاكم: 3/208.
(6)
أخرجه الطبراني مرسلاً من حديث الشعبي وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، كما أخرجه الحاكم من حديث جابر رضي الله عنه، كما أخرجه مرسلاً من عدة طرق. صحح أحدها الذهبي في التلخيص. المعجم الكبير: 2/108؛ مجمع الزوائد: 9/272؛ مستدرك الحاكم: 3/211.
- صلى الله عليه وسلم عُمرة القضاءِ فدخل مكة وهو آخذٌ بزمام ناقةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يُنشِدُ شِعر عبد الله بن رواحة (1) :
خلوْا بني الكفار عن سبيلهِ
…
اليوم نضربكم على تأويلهِ
كما ضربناكُم على تنزيله
ضرباً يُزيلَ الهامُ عن مقيله
…
ويشغلُ الخليلَ عن خليلهِ
ولما خرجوا منها اتبعتهُم عُمارةُ بنت حمزة، فحكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالتها أسماء بنت عُميسٍ (2) زوجة جعفر وقال يومئذٍ لجعفرٍ:
(1) في المخطوطة: (عبد الرحمن) وهو خطأ واضح، ولم نعثر فيما لدينا من المراجع على ما يؤيد هذه الرواية، إذ أن الأخبار الكثيرة تفيد أن عبد الله بن رواحة هو الذي كان ينشر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولابن حجر في هذا تحقيق يطمئنه إليه الباحث. فأورد حديث أنس الذي أخرجه عبد الرزاق عنه من وجهين: أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء، وعبد الله بن رواحة ينشر بين يديه (خلوا بني الكفار عن سبيله) مع اختلاف في ألفاظ الترجمة.
ثم قال ابن حجر: أخرجه أبو يعلى من طريقه، وأخرجه الطبراني عن عبد الله بن أحمد عن أبيه عن عبد الرزاق، ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في الدلائل، وأطال في هذا، وأورد ما زعمه ابن هشام في السيرة من أن قوله (نحن ضربناكم على تأويله) من قول عمار بن ياسر.
الرواية الثانية رواية عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس أخرجها البزار والترمذي والنسائي بلفظ (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكطة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة بين يديه يمشي وهو يقول: (خلوا بني الكفار عن سبيله) .
أضاف الصالحي إلى تخريجات الرواية الثانية من حديث أنس: أن البخاري رواها تعليقاً وأخرجها ابن حبان كما أخرجها ابن عقبة عن الزهري وابن إسحق عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم.
فتح الباري على الصحيح: 7/501؛ سبل الهدى والرشاد: 5/291.
(2)
في المخطوطة (عمر) وهو خطأ واضح وقد اختلف في اسم ابنه حمزة رضي الله عنه، فقيل: عمارة، وقيل: أمامة، وقيل: سلمى وقيل غير ذلك. أسد الغابة: 7/199؛ سبل الهدى والرشاد: 5/296.
(أشبهت خلقي وخُلقي)(1) فيروى أنهُ حَجَل حين سَمِعَ ذلك من الفرحِ (2) . وقد بعثهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مُؤته (3) وجعلهُ أميراً بعد زيد بن حارثة، فقُتل زيد بن حارثة فقُتيل زيدُ فأخذ الراية جعفر بن أبي طالبٍ، فقُطعت يمينهُ، فأخذها بشماله فقُطعت، ثم قُتِلَ، فوُجد في جسدهِ بضعٌ وعشرون، وقيل [بضعٌ] وتسعون (4) ضربة بسهمٍ أو سيفٍ أو رُمحٍ مُقبلاً غير مُدبر، فعوضهُ الله عن يديه جناحين يطيرُ بهما في الجنةِ، فلهذا يُقالُ لهُ (ذوالجناحين)(5) ويُقالُ لهُ (الطيارُ)(6)
لذلك، وقد شهد لهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة والشهادة فرضِى الله عنهُ، وكانتْ وفاتهُ بمؤتةِ في جمادى سنة ثمانٍ وقبرهُ مشهورٌ عند ثنيةِ الكرك، وعليه مشهدٌ هائلٌ ومزارٌ، وقد زرتُهُ هناك وعند قبره قرأنا، وحدثنا فللهِ الحمد.
وكان عُمْرهُ مابين الخمس والعشرين إلى الثلاثين، وقيل إحدى وأربعين رحمهُ وبلَّ بالرحمة ثراهُ، وجعل الجنَّة مأواهُ، وقد فَعَلَ. حديثهُ في أهل البيت وسابع الأنصار. /
(1) من حديث البراء بن عازب عند البخاري باب عمرة القضاء. الصحيح بشرح فتح الباري: 7/499.
(2)
من رواية محمد بن عمر الواقدي. سبل الهدى والرشاد: 5/297.
(3)
في المخطوطة: (قومه) .
(4)
أخرجا لبخاري من حديث ابن عمر (فعددت به خمسين بين طعنة وضربة)، ومن حديثه أيضاً (ووجدنا ما في جسده بضعاً وتسعين من طعنة ورمية) فلينظر في قول المصنف:(وقيل) على التمريض مع هاتين الروايتين. الصحيح بشرح الفتح: 7/510.
(5)
كان ابن عمر إذا حيا ابن جعفر قال: (السلام عليك يا ابن ذي الجناحين) . الصحيح بشرح الفتح: 5/515.
(6)
يرجع إلى حديث أبي هريرة عند الترمذي الذي سيورده المصنف في الصفحة التالية بلفظ: (رأيت جعفراً يطير في الجنة مع الملائكة) . سنن الترمذي: 5/654..
1844 -
فقال الترمذي: حدثنا علي بن حُجْر، حدثنا عبد الله بن
جعفر عن العلاءِ (1) ، عن أبيه، عن أبي هُريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(رأيتُ جعفراً يطيرُ في الجنةِ مع الملائكةِ)(2) .
ولقد كان [ابن] عمر إذا سلَّم على عبد الله بن جعفرٍ يقول: (السلامُ عليك يا ابن ذي الجناحين)(3) .
ويروى عن عبد الله بن جعفرٍ قال: (كنتُ إذا سألتُ علياً شيئاً فامتنع قلتُ له: بحقِّ جعفر فيُعطيني)(4) .
وفي المسند من طريق عبد الله بن مُليل عن عليّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم يكن قبلي نبيٌ إلَاّ وقد أُعطي سبعة وزراء ونجباءَ، وإني أُعطيتُ أربعة عشر فذكر منهم حمزة وجعفراً)(5) .
وقال أبو هريرة: (ما انتعل النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفرٍ)(6) وفي روايةٍ أخبر فيها عن كرم جعفرٍ: (فما سألناهُ شيئاً فيعطينا ما في يديه حتى إنهُ يستخرج العكَّةَ من العسل فيشقها فنلعَقُ ما فيها)(7) .
(1) العلاء: بن عبد الرحمن.
(2)
قال الترمذي: هذا حديث غريب من حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن جعفر: هو والد علي بن المديني، وفي الباب عن ابن عباس. سنن الترمذي: 5/654.
(3)
في المخطوطة: (عمرا) والصواب ابن عمر، والخبر أخرجه البخاري في الصحيح: 7/515.
(4)
الخبر أخرجه ابن السكن من طريق مجالد عن الشعبي عن عبد الله بن جعفر. الإصابة: 1/237.
(5)
من حديث علي بن أبي طالب في المسند: 1/148، وفي إسناده كثير بن إسماعيل النواء، ضعفه أبو حاتم والنسائي، وقال ابن عدي، مفرط في التشيع وأورد الذهبي هذا الخبر من مناكيره. الميزان: 3/402.
(6)
الخبر أخرجه الترمذي بلفظ إثم من هذا وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، سنن الترمذي: 5/654.
(7)
أخرجه الترمذي بلفظ: (جرّة من عسل فكسرها) وأخرجه البخاري بلفظ: (العكة ليس فيها شئ فنشقها) .
الترمذي في المناقب: 5/655؛ فتح الباري: مناقب جعفر بن أبي طالب: وكتاب الأطعمة: 7/75، 9/557.
1845 -
حدثنا يعقُوبُ، حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد ابن مُسلم بن عُبيد الله بن شهابٍ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، عن أُم سلمة ابنةِ أبي أُميَّة بن المغيرة المخزومية زوج النبي صلى الله عليه وسلم. قالت:(لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خيرَ جارٍ النجاشي أَمِنَّا على ديننا، وعبدنا الله عز وجل لانُؤْذَي ولا نسمعُ شيئاً نكْرههُ، فلما بلغ ذلك قريشاً ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فتيا رجُلين جَلْدَين، وأَنْ يُهدوا للنجاشي هدايا ممَّا يستطرفُ من متاعِ مكة - وكان أعجب ما يأتيه منها إليه الأُدمُ (1) - فجمعُوا له أُدْماً كثيراً، ولم يتركوا من بطارقتهِ، بطرِيقاً إلا أهدوا له هديةً، ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعةَ المخزومي، وعمرو بن العاص بن وائلِ السَّهمي، وأمروهما أمْرهُمُ، وقالوا لهما: ادْفعُوا إلى كل بطريقِ هديته قبل أن تُكلموا النجاشي فيهم، ثم قدما للنجاشي هداياه ثم أسألاهُ أن يُسلمهُم إليكُما قبل أن يُكلمهُم.
قالتْ: فخرجا، فقدِما على النجاشي، ونحنُ عندهُ بخير دارٍ، وخير جارٍ، فلم يبق من بطارقتهِ بطريقٌ إلا دفعا إليه هديتهُ قبل أن يُكلما النجاشي، ثم قالا لكل بطريق منهم: إنه قد ضوى (2) إلى بلدِ الملك منا غلمانٌ سُفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا دينكم، وجاءوا بدينٍ مبتدع/ [لانعرفه] نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشرافُ قومهم لنردَّهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم، فأشيروا عليه أن يُسلمهم إلينا، ولا
(1) الأدم: يعني الجلود، قيل الأحمر منها وقيل المدبوغ. لسان العرب: 12/9.
(2)
ضوى: لجأ. القاموس.
يُكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عيناً (1) وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهما: نعم.
ثم إنهما قرِّبَا هداياهم إلى النجاشي، فقبلها منهما، ثم كلماهُ فقالا لهُ: أيها الملك إنه قد صبأ إلى بلدك منا غلمانٌ سُفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدينٍ مبتدعٍ [لانعرفه] نحنُ ولا أنتَ، وقد بعثنا إليك فيهم أشرافُ قومهم من آبائهم وأعمامهم، وعشائرهم، لنردهم إليهم، فهُم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه.
قال: ولم يكن شئٌ أبغض إلى عبد الله بن [أبي] ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهُم، فقالت بطارقته: صدقوا أيها الملك. قومُهم أَعلى بهم [عيناً] وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم غليهما ليردوهم إلى بلادهم وقومهم، قال: فغضب النجاشيُّ ثم قال: لا هَا الله ليردوهم إلى بلادهم وقومهم، قال: فضغب النجاشي ثم قال: لا هَا الله إذا لا أُسْلمهُم إليهما، ولا أَكادُ، قوماً جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواى، حتى أدعُوهم. فأسألهم ماذا يقولُ هذان في أمرهم؟ فإن كانوا كما يقولون أسلمتهُم غليهما، ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهم وأحسنتُ جوارهم [ما] جاورُوني.
قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاهُم، فلما جاءهُم رسولُهُ اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما نقُولُ للرجل إذا جئتموهُ؟ قالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنٌ في ذلك ما هو كائن، فلما جاءوه وقد دعا النجاشي أساقفتهُ، فنشروا مصاحفهُم حوله، فسألهُم فقال: ماهذا [الدين] الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا دين قومكم، ولا دين أحدٍ من الأمم؟ وكان الذي كلمهُ جعفرُ بن أبي طالبٍ فقال لهُ: أيُّها الملك كُنَّا قوماً أهل جاهليةٍ،
(1) أعلى بهم عيناً: أبصر بهم وأعلم بحالهم. النهاية.
نعبدُ الأصنام، ونأكلُ الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطعُ الأرحام، ونسئُ الجوار، ويأكلُ القويُّ منَّاالضعيف، وكُنَّا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً/ منا رسولاً نعرفُ نسبهُ، وصدقه، وأمانتهُ، وعفافهُ، فدعانا إلى الله لنوحدهُ ونعبدهُ، ونخلعَ ما كان يَعبده آباؤنا من دُونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الأرحام، وحُسنِ الجوار، والكفِّ عن المحارم، والدماءِ، ونهانا عن الفواحش، وقولِ الزُّور، وأكل مال اليتيم، وقذفِ المُحصنةِ وأنْ نعبدَ الله لا نُشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام.
قالت: فعدد عليه أُمور الإسلام، فصدقناهُ وآمنا بهِ، واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده لا نُشرك به شيئاً، وحرَّمنا ما حرَّم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومُنا [فعذبونا] وفتنونا عن ديننا ليردُّونا من عبادة الرحمن إلى عبادة الأوثان، ونستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وبغوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نُظلم عندك أيُّها الملك.
قالت: فقال النجاشي: هل معك مما جآء به عن الله من شئٍ؟ قالت: فقال جعفر: نعم. فقال النجاشي: اقرأه عليَّ، فقرأ عليه صدراً من سورة (كهيعص) قالت: فبكى وألف الله النجاشي، حتى أخضل (1) لحيتهُ، وبكت الأساقفة حتى أخْضَلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرُج من مشكاةٍ واحدةَ، انطلقا فوالله لا أُسلمهُم إليكُما أبداً، ولا أكاد. قالت أم سلمة: فلما خرجنا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لآتينهُ غداً فأحدثهُ عنهم بما يستأصل به خضراءهُم (2) . قالت: فقال له عبد الله بن أبي ربيعة
(1) أخضل لحيته: بلها بالدموع. النهاية.
(2)
خضراءهم: سوادهم وعامتهم.
- وكان أتقى الرجلين فينا-: لا تفعل فإنَّ لهم أرحاماً، وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرنهُ أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبدٌ. قالت: ثم عدا عليه الغدَ فقال / له: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً، فأرسل إليهم فاسْألهم عما يقولون. قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنهُ. قالت: ولم ينزل بنا مثلُها. فقال بعضهم لبعضٍ: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكُم عنه؟ قالوا: نقول والله ما قال الله فيه، وما جآء به نبيُّنا صلى الله عليه وسلم كائن في ذلك ماهو كائن، فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: نقولُ فيه الذي جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم: هو عبدهُ ورسولهُ وروحُهُ وكلمتهُ ألقاها إلى مريم العذراء البتول. قالت: فضرب النجاشي بيده إلى الأرض فأخذ منها عُوداً فقال: ما عدا عيسى بنُ مريم ما قلت هذا العُود، فتناخرت بطارقتُه حولهُ حين قال ما قال: وإن نخرتم والله اذهبوا فأنتُم سُيُومٌ بأرضي - والسيومُ الآمنون - من سبكم غرم، من سبكم غرِمَ. ما أحب أن لي دَبْرَى (1)
ذهباً وأني آذيتُ رجلاً منكم - والدبرُ بلسان الحبشة الجبل - رُدّوا عليهما هداياهُما، فلا حاجة لنا بِها، والله ما أخذ الله [مني] الرشوة [حين ردَّ على مُلكى فآخذ الرشوة] فيه، وما أطاع الناس فأطيعهم فيه.
فخرجا من عندهُ مقبوحين مردُودين مردوداً عليهما ماجاء بهِ، وأقمنا عنده بخير دارٍ مع خير جارٍ. قالت: فوالله إنا على ذلك إذ نزل به يعني من يُنازعهُ في مُلكه. قالت: فوالله ما علمنا حُزناً كان أشد من حُزنٍ حزِنَّاهُ عند ذلك تخوُّفاً أن يظهر ذلك على النجاشي، فيأتي رجلٌ لا يعرف مِنْ حقنا ما كان النجاشي يعرفُ منهُ. قالت: وسار النجاشي وبينهما عرضُ
(1) دبري: هو بالقصر اسم جبل، وفي رواية:(دبرا) بفتح أوله وإسكان ثانيه مصروفاً..الأول معرفة والثاني نكرة. النهاية.