الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العادة عند المحدثين في] (1) قولهم (2): متفق عليه، أو (3) أخرجه الشيخان، أو ما أشبهه، ومرادهم به الاتفاق على أصل الحديث، دون أعيان الألفاظ.
وقوله: من رواية أبي هريرة، أراد: أن الاتفاق على حديث أبي هريرة، واحترز عن رواية أبي سعيد في هذا، فإنها غيرُ متَّفقٍ عليها (4)، بل انفرد بها مسلم (5).
* * *
*
الوجه الثالث: [في الاختيار]:
لهذا الحديث طرق تختلف فيها ألفاظ الرواية (6) بالزيادة أو النقص
(1) سقط من "ت".
(2)
في الأصل: "قوله"، والمثبت من "ت".
(3)
في الأصل: "و"، والمثبت من "ت".
(4)
قال الحافظ في "النكت على ابن الصلاح"(1/ 364)؛ إذا كان المتن الواحد عند أحدهما من حديث صحابي غير الصحابي الذي أخرجه عنه الآخر مع اتفاق لفظ المتن أو معناه، فهل يقال في هذا أنه من المتفق؟ فيه نظر على طريقة المحدثين، والظاهر من تصرفاتهم أنهم لا يعدونه من المتفق، إلَّا أن الجوزقي منهم استعمل ذلك في كتاب "المتفق" له في عدة أحاديث، وقد قدمنا حكاية ذلك عنه، وما يتمشى له ذلك إلَّا على طريقة الفقهاء، انتهى.
(5)
في الرواية المتقدم تخريجها برقم (1151/ 165) حيث رواه من طريق أبي سنان، عن أبي صالح، عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما.
(6)
"ت": "الرواة".
أو غيرهما؛ فرواية (1) سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ عملِ ابنِ آدمَ لهُ إلَّا الصيامَ هوَ لي، وأنَا أجزِي بهِ، فوالَّذي نفسُ محمدٍ بيدِهِ لخُلْفَةُ فمِ الصائمِ أطيبُ عندَ اللهِ منْ ريحِ المسكِ"(2).
ورواية عطاء التي اختيرت في الأصل قد ثبت فيها: "يومَ القيامةِ"، وعلي مقتضاها لا يمتنع حملُه على الحقيقة، ويكون الله تعالى يجعل رائحةَ فمِ الصائم أطيبَ رائحةً (3) من ريح المسك تشريفاً وتعظيماً وإظهاراً لمنزلته؛ كما يجعل رائحةَ دمِ الشهيد كرائحة المسك.
وإذا لم تَمتنع الحقيقةُ حُمِل اللفظُ عليها، وليس في رواية أخرى:"يوم القيامة"، وإنَّما فيها:"أطيبُ عندَ اللهِ من ريح المسك"، وهذا يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون هذا المطلق يُرادُ (4) به ذلك المقيد، والعِنْدِيَّة عِنْدِيَّة الحشرِ أو الدارِ الآخرة، وهذا قوي إذا كان الحديث واحدًا مُتَّحدَ المَخْرج، فإن الجمع بين اللفظين مُتَأَتٍّ من غير استكراه، فيحمل عليه، ويجعل اللفظ مختلفاً من جهة الرواة، وبعضُهم أَثبتَ
(1)"ت": "فرواة".
(2)
وتقدم تخريجه قريباً.
(3)
في الأصل: "عند الله" بدل "رائحة".
(4)
في الأصل: مرادُ، والتصويب من "ت".
ما لم يثبت (1) الآخر، فنقبل (2) زيادته.
والوجه الثَّاني: أن يكون المراد بذلك في الدُّنيا، وعلى هذا لا بدَّ من التأويل؛ لأنَّ علم الله تعالى إنَّما يتعلق بالأشياء على ما هي عليه، وإذا كانت متغيرة فلا (3) يتعلق علم الله تعالى بها إلَّا متغيرة، ومن أثبت من المتكلمين إدراكاً خارجًا عن العلم، فالأمر فيه كذلك أيضًا، لا يجوز أن تكون إلَّا على وَفْق المُدْرَك، ثم في التأويل وجهان:
أحدهما: أنه يحتمل أن يقال: إن الرضا بالشيء من لوازم طيبه، فيكون المعنى إنَّ رضا الله تعالى بهذا، أو عن صاحبه، أعظمُ من رضا مُدْرِك المسك بإدراكه.
وإنَّما اخترنا التأويل بالرضا لكونه (4) أقربَ إلى قوله عليه السلام: "السِّواك مطهرةٌ للفم (5)، مرضاةٌ للرب"(6).
ثم يرجع (7) الأمرُ إلى معنى الرضا، فإذا جُعل بمعنى: إرادة الثواب، كان مجازَ مجازٍ؛ لأنَّ الطيبَ مجاز عن الرضا، والرضا مجاز عن إيصال النفع.
(1)"ت": "يثبته".
(2)
"ت": "فقبل".
(3)
في الأصل: "ولا"، والمثبت من "ت".
(4)
"ت": "ليكون".
(5)
"ت": "الفم".
(6)
تقدم تخريجه.
(7)
"ت": "رجع".
الثَّاني: أن يكونَ من باب مجاز الحذف على أن يكون عند ملائكة الله تعالى، أو ما أشبهه (1)، إلَّا أنه يبعد؛ لأنه روي أن المَلَك يتأذى برائحة الفم (2)، وأن السواك يُطْلب لذلك؛ إما مطلقًا، وإما عند الصَّلاة؛ أو كما جاء.
وإذا كان المَلَك يتأذى بذلك لم يصحَّ حَملُه عليه إلَّا أن يقال: هذا مخصوصٌ بخُلوفِ الصائم، والتأذي (3) يكون بخُلوف غير الصائم (4)، والله أعلم.
(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 112).
(2)
كما تقدم تخريجه من حديث عليّ رضي الله عنه.
(3)
"ت": "والثاني".
(4)
قال أبو العباس القرطبي في "المفهم"(3/ 215): لا يتوهم أن الله تعالى يستطيب الروائح ويستلذها، كما يقع لنا من اللذة والاستطابة، إذ ذاك من صفات افتقارنا، واستكمال نقصنا، وهو الغني بذاته، الكامل بجلاله وتقدُّسه، على أنا نقول: إن الله تعالى يدرك المدركات، ويبصر المبصرات، ويسمع المسموعات على الوجه اللائق بجماله وكماله وتقدسه عن شبه مخلوقاته، وإنَّما معنى الأطيبية عند الله تعالى راجعة إلى أن الله تعالى يثيب على خلوف فم الصائم ثواباً أكثر ممَّا يثيب على استعمال روائح المسك، حيث ندب الشرع إلى استعماله فيها؛ كالجُمع والأعياد وغير ذلك، انتهى.
وهذا الذي رجحه الإمام النووي في "شرح مسلم"(8/ 30). قال الحافظ في "الفتح"(4/ 106): وحاصله حمل معنى الطيب على القبول والرضا. قال الإمام المحقق ابن القيِّم رحمه الله في "الوابل الصيب"(ص: 43) وما بعدها: وقد اختلف في وجود هذه الرائحة من الصائم، هل هي في الدُّنيا أو في الآخرة؟ على قولين.