الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الاعتناء بذكر ما لا يفسدها، فلم يُترك؛ لشدة الاهتمام بذكره، وانتقل إلى الصخب، الذي هو أخف؛ لأجل تأكيد النهي كما ذكرناه، وحصل الجمعُ بين ذكر الأهم وبين الترقي؛ لتأكيد النهي.
الثامنة عشرة:
قولُه عليه السلام: "فليقلْ: إني صائمٌ، إني امرؤٌ صائمٌ" لا يُحملُ الثاني على التأكيد؛ لأن التأكيدَ اللفظي إعادةُ اللفظ أو مرادفه؛ كقوله تعالى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35)} [القيامة: 34، 35]، بخلاف قوله:{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2)} [الحاقة: 1، 2].
وقوله: "إني امرؤٌ صائم" ليس كذلك، وقد ورد في بعض الروايات: "إني صائمٌ، إني صائمٌ (1)، وذلك تأكيد جزمًا.
فنقول: أما "إني صائم" فقد نُجريه على قاعدة، وهو: أن الحكمَ المضافَ إلى الذوات قد يكون المقصودَ بها (2) صفاتُها القائمة بها؛ إما لمناسبة بين تلك الصفات وما يُراد تحصيلُهُ والحثُّ عليه؛ كما تقول لمن أحسن وأجاد في كلامه: أنت تقول هذا؟! والمقصود صفاته المقتضية لذلك الإحسان، ولعل من هذا (3) - والله أعلم -:{وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)} [الأنبياء: 79]، وقول الراجز:
(1) رواه مسلم (1151/ 160)، كتاب: الصيام، باب: حفظ اللسان للصائم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
"ت": "منها".
(3)
في الأصل: "لهذا"، والمثبت من "ت".
أَنْعَتُهَا إنِّيَ (1)[مِنْ](2) نُعَّاتِهَا (3)
أو تكون تلك الصفات منافية لما يصدر عنه؛ كما تقول لمن فعل فعلًا لا يليق به: أنت تفعل هذا؟! تريد: أن وصفَهُ ينافي ذلك الفعل.
فإذا تكرر هذا (4) فتكون "إني صائم"(5)[إشارة](6) إلى منافاة صفته، التي هي الصومُ، للرفث والفحش.
وأما قوله: "إني امرؤٌ صائم" ففيه معنى آخر: وهو منافاة الرفث للصوم على سبيل العموم في حق كلِّ امرئ، والإشارة إلى التعليل في امتناعه هو؛ لأنه من جملة أفراد ذلك العام الذي يُعلَّق به الحكم، فالأول (7) يرجع إلى أمر يختص به، والثاني (8) يرجع إلى عموم يدخل هو تحته.
(1)"ت": "فإني".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
صدر بيت منسوب لابن لجأ التيمي، كما في "الأصمعيات" (ص: 34)، وقد أنشده ابن الأعرابي في "نوادره"، كما ذكر البغدادي في "خزانة الأدب"، وعجزه:
مُنْدَحَّةَ السُّرَاةِ وادِقَاتِها
(4)
أي: إني صائم، إني صائم.
(5)
أي: الثانية.
(6)
سقط من "ت".
(7)
أي: إني صائم.
(8)
أي: إني امرؤٌ صائم.