الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثانية:
الاسمُ الواقع بعدها عند سيبويهِ ومن تبعه مبتدأٌ محذوفُ الخبر، فإذا قلت: لولا زيد لأكرمتك؛ أي: لولا زيد موجود لأكرمتك، أو ما أشبهه، والخبر عندهم ملتزم الحذف كما في ألفاظ القَسَم المرفوعة؛ نحو: يمين الله، وعهد الله، ولعمرك، وايمُنُ الله، وأشباهها (1).
ورأيت في فصل عن بعض فضلاء المتأخرين - وهو الفاضل ابن بَرِّي - فصلاً يتعلق بـ (لو) و (لولا)، رأيت أن أذكره هاهنا، وإنْ تعلَّق بعضُه ببعض ما تقدم، وهو:[أن](2)(لو) تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره.
فإذا وَلِيَها مثبتان امتنع إثباتهما؛ نحو: لو قام زيد لأكرمتك.
وإذا وليها منفيان امتنع نفيهما، فانقلب إثباتاً؛ نحو: لو لم يقمْ لم [أقم](3).
وإذا كان أحدهما مثبتاً والآخر منفياً امتنع النفي من المنفي فصار إثباتاً، وامتنع الإثبات من المثبت فصار نفياً؛ نحو: لو لم يقم لأكرمتك، وبالعكس.
فإذا دخلت (لا) على (لو) انقلب ما يليها إثباتاً [ب (لا)](4)
(1) انظر: "الكتاب" لسيبويه (3/ 139)، و"الكامل في الأدب "(1/ 363)، و"المقتضب" كلاهما للمبرد (3/ 76).
(2)
زيادة من "ت".
(3)
في الأصل: بياض، والمثبت من "ت".
(4)
سقط من "ت".
ووجب أن يليَها الاسم؛ لأنه الذي يدل على مطلق الوجود، وبقي ما بعده منفياً على أصل (لو)، فلذلك قلنا: لولا تدل على [امتناع](1) وقوع ما عُلِّق عليها؛ لوجود ما يليها، وامتناعُهُ إما لمطلق وجود الاسم، فيجب حذف خبره؛ نحو: لولا زيد لأكرمتك.
وإما لمقيد (2) وُجِد في الاسم، فيجب ذكر الخبر، ويكون الخبر في معنى الصفة القائمة بالاسم؛ نحو:"لولا قومُكِ حديثُو عهدٍ بجاهليةٍ لرددْتُ الكعبةَ إلى قواعدِ إبراهيمَ عليه السلام "(3)، وكقوله:
ولولا بَنُوها حَولَها لخَبَطْتُها (4)
ثم انظر إلى ما بعدها؛ فإن كان لا قيدَ معه، أو معه قيد خاص؛ نحو: لولا زيد لضربت، ولولا زيد لضربت عمراً، فالامتناع وارد على أصل الفعل، لكنه في الأول خارج عن الوجود بنفسه، وفي الثاني خارج عن الوجود بمتعلَّقه الخاص؛ لأن الامتناع إذا صادف الماهية مطلقة وقع عليها، وإذا صادفها مقيدة بقيد خاص وقع عليها باعتبار
(1) زيادة من "ت".
(2)
"ت": "لقيد".
(3)
رواه البخاري (1509)، كتاب: الحج، باب: فضل مكة وبنيانها، ومسلم (1333)، كتاب: الحج، باب: نقض الكعبة وبنائها، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4)
صدر بيت منسوب للزبير بن العوام رضي الله عنه، وعجزه:
كخبطة فروج ولم أتلعثم
كذا في: "معجم الأدباء" لياقوت.
تعلُّقِها بمعيَّن، والفعل يَعُمُّ إذا تعلق بعامّ، ويختص إذا تعلق بمختص، لأنك لو قلت: أيُّ عبيدي ضربتُه فهو حرٌّ، فضرب منهم جماعة على التعاقب، لا يعتق إلا الأول؛ لأن الضرب مقيد بتقييد فاعله، لأنه للمخاطب.
وإذا قلت: أيُّ عبيدي ضربَك فهو حرّ، فضرب منهم جماعة عُتِقوا؛ لأن الضرب فيهم (1) عام؛ لعموم فاعله، وهو ضمير (أي)، و (أيٌّ) عامةٌ وإن كان جوابها معه قيد (2)، فالامتناعُ واقعٌ على الهيئة الاجتماعية من المتعلق (3)، لا على أفراد ذلك المتعلق، ويبقى أصل الفعل حاصلاً؛ كقوله (4): لولا زيد لضربتُ كلَّ واحد، فالممتنع إنما هو الضرب الواقع على الكل، لا على الأفراد، بدليل صحة قولك: لولا زيد لضربت كل أحد، لكن لأجله ضربت بعض (5) الأحدِين، فالامتناع هاهنا (6) وارد على أفراد الأحدين، لا على أصل الضرب.
ومثله قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور: 21]، ليس المراد امتناع أصل التزكية، بل امتناعها [في](7)
(1)"ت": "فيه".
(2)
"ت": "قيد عام".
(3)
في الأصل: "المتعلقة"، والمثبت من "ت".
(4)
"ت": "كقولك".
(5)
غير واضحة في الأصل، والمثبت من "ت".
(6)
"ت": "هنا".
(7)
زيادة من "ت".
عموم كل أحد؛ لأن (أحداً) نكرة في سياق النفي، فكأنه قيل: ما زكى كل أحد منكم، والمعنى: لكن بسبب فضل الله زكَى بعضكم، وهم المؤمنون دون غيرهم، فأصل التزكية حاصلٌ، وعمومها في متعلقها ممتنع.
ومن القسم الأول: قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 14]، وهي نكرة في سياق الإثبات، فلا (1) عمومَ لها، فانتفى مسُّهم (2) هذا العذاب؛ لأنه قُيد بقيد خاص.
وكقوله في الحديث: لولا عليٌّ لهلكَ عمرُ (3)، فالممتنع الهلاك؛ لأن الامتناع ورد على ماهيَّة مطلقة، ولم يصادف سواها فيمنعه.
وعن الفراء: أنه حكى عن "بعض النحويين: أن (لولا) ترفعُ لنيابتها مَنابَ الفعل؛ لأن معنى (لولا زيد): لو لم يمنعني زيد.
وردَّه من وجهين:
أحدهما: أن أحداً لا يقع بعدها، وهو يقع بعد ذلك المقدر.
والآخر: امتناع لولا أخوك، ولولا أبوك كان كذا؛ أي:[لو](4) لم يمنعني أخوك.
(1)"ت": "ولا".
(2)
غير واضحة في الأصل، والمثبت من "ت".
(3)
رواه ابن عبد البر في "الاستيعاب"(3/ 1102).
(4)
زيادة من "ت".
وزعم الفراء: أن لولا ترفع ما بعدها لانعقاد الفائدة.
قال بعضُهم: ويظهر من هذا القول أنَّ الاسمَ ارتفع بعدها؛ لأنه عمدة لا يُستغنى عنه، ولا يَحتاج إلى حَذْفٍ؛ لاستقلال الكلام به، وهو نحو ما زعم ابن الطَّرَاوَة (1): أن الاسم بعدها مبتدأ خبرُه (لكان كذا)؛ لأن الفائدة حصلت بقولهم: لكان كذا.
وهذا صحيح؛ أعني: أن الفائدة تصحُّ بالجواب؛ كما تصح في: إنْ قام زيد قام عمرو، ولكنْ ليس كلُّ ما تصح به الفائدة خبراً، فقولُهُ: إن (لكان كذا) خبر (2) عن زيد، خطأ، [و](3) كيف يكون خبراً عن زيد، ولا ذكر لزيد فيه؟!
فكلام الفراء أشبه من كلام ابن الطَّرَاوَة؛ لأنهم يقولون: تمت الفائدة بالملفوظ به؛ لأن الخبر المحذوف مفهوم منه؛ كما أن الفائدة تتم بقولهم: إياك؛ لأن الفعل المحذوف مراد مفهوم، ثم حمله على ما قد استقر، حتى لا يكون مسنداً إليه؛ كما لم يكن منصوباً إلا بفعل.
(1) هو الإمام النحوي سليمان بن محمد بن عبد الله السبأي المالقي، أبو الحسين بن الطراوة، تجول كثيراً في بلاد الأندلس، وله عدة مصنفات منها:"الترشيح" في النحو، و"المقدمات على كتاب سيبويه" وله آراء في النحو تفرد بها. توفي سنة (528 هـ).
انظر: "تكملة الإكمال" لابن نقطة (4/ 18)، و"بغية الوعاة" للسيوطي (ص: 263)، و"الأعلام" للزركلي (3/ 132).
(2)
"ت": "خبراً"، وهو خطأ.
(3)
زيادة من "ت".