الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لاستبعادهم التنبيه على فرحة الإفطار؛ لحقارتها عندهم، حتى قال بعضهم: إن فرحته عند فطره بإتمام عبادته، لا بما تناله شهوتُه من الطعام.
فأقول (1): المرادُ ظاهرُه، وهي الفرحة بنيل الطبيعةِ الطعامَ؛ لإثبات فرحته عند ربه وتحقيقها عند لقائه [في النفس؛ كما في الفرحة بالأمر الطبيعي](2)، وهذه ثابتة حِسًّا وطبعًا محققة عند النفس.
الثانية:
في قاعدة تنبني عليها غيرُها، يجب أن يُعلمَ الفرقُ بين دلالة اللفظ على المعنى وبين احتماله له؛ [فاحتمالُهُ له] (3): أن يكون بحيث إذا عرض [المعنى](4) على اللفظ لم يَأبَهُ ولم يُنافِرْهُ.
ودلالتُهُ عليه: بأن يتناولَه بأحد الدلالات [الثلاث](5)؛ فالمطلق بالنسبة إلى المقيد محتملٌ غير دالٍّ، والعامُّ بالنسبة إلى أفراده دالٌّ.
الثالثة:
أهل (6) البيان [يقولون](7): إن التنكير قد يكون للتعظيم، وقد يكون ذلك في مواضعَ لا تحصى من كلام الزمخشري (8)، قيل:
(1) في الأصل: "قال فأقول".
(2)
في الأصل: "كما في النفس".
(3)
زيادة من "ت".
(4)
سقط من "ت".
(5)
زيادة من "ت".
(6)
في الأصل: "كما ذكر أهل"، والمثبت من "ت".
(7)
زيادة من "ت".
(8)
وذلك في مواضع كثيرة من تفسيره "الكشاف" وغيره.
ولما في الإبهام من التفخيم حذفوا صلة الموصول بعد قولهم (1): بعد اللتيا واللتي؛ أي: بعد القضية التي لا يبلغ الخبرُ مداها، ولا يحصر الخبر جلاها، وهذا عندي من قبيل المحتمل، لا من قبيل الدال، فيحتاج إلى أمرٍ من خارج وقرائنَ تقتضي الحملَ عليه، وأما عند التجرد من القرائن فليس إلا الاحتمال.
ويُعَدُّ من القرائن في هذا الباب ورودُ النكرة في مقام الوعد والوعيد، والمدح والذم؛ لمناسبة هذه المقامات للتعظيم والتفخيم، وقد يقع ما هو أقوى في الدلالة على هذا كما في قوله تعالى:{فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69] أي: - والله أعلم - شفاءٌ وأيُّ شفاء؟! لأن الكلامَ في معرِض المدحِ، وحصول مسمَّى الشفاءِ حاصل في أكثر الموجودات، فإن حملناه على أصل المنفعة ففي كل الموجودات منفعة.
وقد يمكن (2) تجريدُ (3) التنكير عن معنى [التعظيم](4) بأن توجدَ دلالة اللفظ على مجرَّدِ المسمَّى، وعندي أنه يمكن أن يُحمل [على] (5) هذا قوله تعالى:{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: 96] أعني: أن التنكير في الحياة يُحمل على مُجرَّد المسمَّى، لا على معنى
(1)"ت": "في".
(2)
في الأصل: "يكون"، والمثبت من "ت".
(3)
في الأصل: "تجديد"، والمثبت من "ت".
(4)
زيادة من "ت".
(5)
زيادة من "ت".
التعظيم؛ لأنه ليس كل أحد يحرص على مسمَّى (1) الحياة، حتى الحياة المنغصة بالآلامِ، والذل، والهوان، وفقدِ الأحباب، والبلايا التي يتمنَّى لها كثيرٌ من الناس الموت، وكذلك الحياةُ القصيرةُ المدَّةِ قد لا يرغبُ فيها كل الناس لقلة الفائدة، وقد لمَحَ هذا المعنى مَن قصدَ التزهُّد في طول الحياة بقوله [من الخفيف]:
إن عُمرًا (2) يكونُ آخرُهُ المو
…
تُ سواءٌ كثيرُهُ والقليلُ (3)
وقال الله العظيم في كتابه المجيد (4): {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء: 205 - 207] تزهيدًا (5) في الحرص على التمتيع (6) الذي يُفضي آخرُه إلى العذاب.
فعلى هذا: إذا كانوا (7) أحرص الناس على ما ينطلق عليه مسمى
(1)"ت": "معنى".
(2)
"ت": "عيشًا".
(3)
روى ابن أبي الدنيا في "المحتضرين"(ص: 212) عن إسحاق بن السري قال: دخلنا على عبد الله بن يعقوب في اليوم الذي مات فيه، وعنده متطبب ينعت له دواء، فقال عبد الله متمثلًا:
إن عيشًا يكون آخره الموت
…
لعيش معجل التنغيص
(4)
"ت": "العظيم".
(5)
في الأصل: "تزهيد"، والمثبت من "ت".
(6)
"ت": "التمتع".
(7)
"ت": "كان" بدل "إذا كانوا".
الحياة، كان أبلغ (1) في ذمهم، بخلاف ما إذا حُمِل على معنى التنكير، أو بعض الصفات الخاصة.
فإن قلت: فإذا كان عندك أن دلالةَ التنكير على التعظيم من باب الاحتمال، لا من باب الدلالة، ويحتاج الحمل فيه إلى قرينة دالة، لَزِمَك أن تنكر (2) المزايا التي يذكرها أهلُ البيان في كثير من الكلام الذي لا تدل القرينة على الحمل على التعظيم فيه، وقد استعملوا منه كثيرًا.
قلت: إن ألزمْتني إنكارَ خصوص الدلالة على التعظيم عند عدم القرينة، فكذلك أقول، وإن ألزمتني إنكارَ أصلِ المزيَّة وسلبَ مطلقِ الحسن، فلا يلزمني ذلك؛ لأن العدولَ عما لا يحتمل [المحاسنَ إلى ما يحتملُ المحاسنَ](3) من المحاسن، ثم [إن](4) القرائن قد تخفى عن بعض الناس، وتظهر لبعضهم، وقد تقوى في نفس بعض الناس، وتضعف في نفس بعض، فيرِدُ كثيرٌ مما ذكروه لتنبيه الأنفس على معنى قد يخفى على الناظر، فإذا انتبهت النفسُ لذلك، حصل النظرُ في رتبتها.
فإن قلت: فما الذي جلب لكل هذا الكلام، وما وجهُ تعلقه بهذا الحديث؟
(1) في الأصل: "أدخل"، والمثبت من "ت".
(2)
"ت": "تذكر".
(3)
زيادة من "ت".
(4)
زيادة من "ت".