الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعود أو خشبة: إنَّهُ لمْ يأتِ بالسنَّة.
الخامسة والثلاثون:
في الحديثِ إدخالُ اليد في الإناءِ بعد غسل الوجه، وإخراجُها، وتكميلُ الطهارة، وعند الشافعية [في المسألة] (1) تفصيلٌ وتقسيمٌ إلَى ثلاثة أحوال:
أحدها: أنْ ينويَ رفعَ الحدث، فيصيرُ الماء مُستعمَلاً إذا انفصلت اليدُ من الماء.
والثاني: أنْ يقصدَ الاغترافَ، فلا يصيرُ الماء مستعملاً.
والثالث: أنْ يَغفُلَ عن نيَّةِ رفع الحدث، و [عن](2) قصد الاغتراف، فالمشهورُ أنَّهُ يصير مستعملاً (3).
إذا ثبت هذا فيمكنُ من يرَى أنَّ الماءَ المستعملَ طهورٌ لا يفسدُه الاستعمالُ أنْ يقولَ: لو كان الاستعمالُ مُفسداً للماء، لكان بعضُ صور الاغتراف مفسداً للطهارة، [ولو كان بعضُ صور الاغتراف مفسداً للطهارة، لوجب البيانُ وتمييزُ تلك الصورة، فلو كان الاستعمالُ مفسداً لوجب البيان، ولم يجبْ، فلا يكونُ الاستعمالُ مفسداً للماء.
وإنما قلنا: إنَّهُ لو كان الاستعمال مفسداً للماء، لكان بعضُ صور الاغتراف مفسداً للطهارة] (4)؛ لأنَّ من جملة صور الاغتراف ما إذا نوَى
(1) سقط من "ت".
(2)
سقط من "ت".
(3)
انظر: "الوسيط" للغزالي (1/ 127 - 128).
(4)
سقط من "ت".
رفعَ الحدث عن اليدِ (1)، أو غفلَ عن التبيينِ علَى المشهورِ، وذلك مفسد للماء، فتفسدُ الطهارةُ إذا وقع غسلُ بقية الأعضاء بذلك [الماء](2)؛ كما وقع (3) في الحديثِ، فثبت أنَّهُ لو كان الاستعمالُ مفسداً لكان بعضُ صور الاغتراف مفسداً للطهارة.
وإنما قلنا: إنَّهُ لو كان بعضُ صور الاغتراف مُفسداً للطهارة، لوجب البيان؛ لأنَّ من لوازم فعلِ الرسول صلى الله عليه وسلم جوازَ الاتِّباع، لا سيَّما في الفعلِ الذي قُصِدَ بوصفه الاتِّباع، وفعلُهُ صلى الله عليه وسلم في (4) هذا متردِّدٌ بين صور عديدة، فلو حصل الاتباع في صورة الفعل المتردِّدِ، لأمكنَ وقوعُ المكلَّفِ في الصورِ الممنوعة (5) علَى تقدير أنْ يكونَ بعضُ صور الاغتراف مفسداً، فوجب البيان علَى ذلك التقدير.
وأيضاً فلو فرضنا نيَّةَ الاغتراف حتَّى لا يصيرَ [الماءُ مُستعملاً](6)، لوجب تجديدُ النية بعد إخراج اليد؛ أعني: وجوب نية الاغتراف، والتجديدُ بعد إخراج اليد من الأحكامِ الخفية التي لا يدلُّ عليها مُطلقُ الفعل، فلا يمكن إهمالُ بيانها.
وإنما قلنا: إنَّهُ لمْ يجبِ البيانُ؛ لأنه لو وجبَ لوقع، ولم
(1) في الأصل: "ما إذا نوى عن اليد رفع الحدث"، والمثبت من "ت".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
في الأصل: "لو وقع"، والمثبت من "ت".
(4)
في الأصل: "وفي"، والمثبت من "ت".
(5)
في الأصل: "الصورة المنهي عنه"، والمثبت من "ت".
(6)
زيادة من "ت".
يقعْ لانتفاء نقل البيان في شيء من الرواياتِ.
وأيضاً: فإنَّ الوضوءَ من الأمورِ المتكرِّرةِ التي لا تُحصَى مرَّاتُ (1) تكررِها، فتقتضي العادةُ بأن تكون أحكامُها منتشرةً، فلو كان الحكمُ وجوبَ قصد الاغتراف، وقصدُ نيةِ [رفع](2) الحدث أو استصحابُها مفسداً للطهارة، ووقع (3) بيانُ ذلك، لاقتضت العادةُ أنْ يُشتَهَر، وحيث لمْ يشتهرْ [دلَّ](4) علَى عدم البيان، وهذا استدلالٌ جيد متبين، وليس من الجَدَلياتِ التي لا تفيد في النظرِ قوة يُعتمَدُ عليها، والذي يُعترَضُ [عليه] (5) به وجهان:
أحدهما: أنَّهُ مبنيٌّ علَى [أنَّ](6) هذا الفعل وقع (7) من النبي صلى الله عليه وسلم؛ أعني: إدخال اليد بعد غسل الوجه وإخراجها، ويكون قوله:"هكذا كانَ وضوءُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم " لا يدخلُ تحته هذا الفعل، وإنما هو من فعل الراوي.
والثاني: [أنَّا](8) لا نسلمُ عدم البيان، وما ذكرتمُوه من عدم النقل
(1) في الأصل "مراتب"، والمثبت من "ت".
(2)
سقط من "ت".
(3)
في الأصل: "ووقوع"، والمثبت من "ت".
(4)
زيادة من "ت".
(5)
زيادة من "ت".
(6)
زيادة من "ت".
(7)
في الأصل: "ووقع"، والتصويب من "ت".
(8)
زيادة من "ت".
نجيب عنه: بأنَّهُ لا يلزمُ من عدم العلمِ العلمُ بالعدم.
والجواب عن الأول: أنَّ الظاهرَ من الإشارةِ في قوله: "هكذا" عَودُها إلَى جميع ما فعله الراوي، إلا ما يعلم أنَّهُ غيرُ مقصود.
وعن الثاني من وجهين: أحدهما: أنَّ الفقهاءَ قد استعملوا مثلَ ذلك فيما لا يُحصَى؛ أعني (1): أنَّهم يقولون: [لو كان](2) لنُقِلَ، وأيضاً: فالأصلُ في العدمِ يعضدُهُ، والمقصود الظنُّ، فقد (3) زدنا زيادةً علَى ذلك، وهو أنَّهُ مُقتضَى العادة: أنَّهُ لو كان وقعَ البيانُ أنْ يُشتَهَرَ (4).
واعلم أنَّهُ لمْ يتحررْ لي دليلٌ متبيِّنٌ يقتضي عدمَ طهورية الماء المستعمل، والعللُ التي تذكر في ذلك من تأدِّي العبادة، وانتقال المانع؛ وبيانُ مناسبة تأدِّي العبادة لعدم الطهورية به؛ لأنَّ الآلةَ الحسية إذا استعملت في مقصودها أثَّرَ ذلك ضعفاً؛ كالسكينِ إذا استعملت في مقصودها، فكذلك [في](5) الآلة الشرعية، وأنَّ الأعضاءَ يقوم بها مانع تقديري، وبالوضوءِ ينتقل المانع إلَى الماء (6) عينها، فزادها، [و](7)
(1)"ت": "يعني".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
زيادة من "ت".
(4)
في الأصل: "أنه لو كان البيان وقع البيان أنه لا يشتهر"، والتصويب من "ت".
(5)
سقط من "ت".
(6)
"ت": "المادة".
(7)
سقط من "ت".
لا سيَّما الأولَى، ونحن نعلمُ بالضرورةِ أنَّهُ لمْ يقمْ بالأعضاءِ شيء، وليس إلا منع شرعي من أمور مَدَّه الشرع إلَى استعمال المطهر، ولو قدرنا شيئاً من هذا قائماً بالأعضاءِ، لمْ يتصورْ فيه الانتقال، بل لو نصَّ الشارعُ علَى فساد الماء المُستعمل لمْ يلزمْ شيءٌ من هاتين العلتين.
وأقوَى ما قيل علَى فساد الماء المستعمل: إنَّ الأولينَ لمْ يجمعوا المياهَ المستعملة مع مبالغتهم في الاحتياطِ للعبادة (1)، ولو كان طهوراً لجمعوه، ولم ينتقلوا إلَى التيمم.
فيُقَال علَى هذا: أنَّهُ استدلالٌ بفعل الأولين لعدم الجمع والتيمم، فالمشار إليهم بذلك؛ إما أنْ يكونوا كل الأمة أو بعضهم؛ فإنْ كَانوا كلَّ الأمة فالملازمةُ بين كونهم لمْ يجمعوا وبين فساد الماء إنْ كَانت ثابتةً يلزم أنْ يكونوا أجمعوا علَى أنَّ الماءَ المستعمل فاسد، وذلك باطلٌ لنقل الخلاف في المسألةِ؛ أعني: عن المتقدمين، ولا يلزم (2) أنْ يكونَ من رأَى طهوريتَهُ بعدهم خارقاً للإجماع، ويجب تنزيهُ أئمة الفُتيا (3) عنه، وإنْ لمْ تكنْ هذه الملازمة ثابتةً جاز أنْ يكونوا أجمعوا علَى عدم الجمع، وأنهم - أو بعضهم - لمْ يروا (4) ثبوتَ هذه
(1)"ت": "للاحتياط في العبادات".
(2)
"ت": "ولأنه" بدل "ولا".
(3)
"ت": "التقوى".
(4)
"ت": "لم ير".