الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يقال: إنه إخبار عن الواضحات والمحسوسات، فأي فائدة فيه؟
لأنا نقول: لما كان هذا المنع (1) ناشئاً عن فعل هذا المكلف، الذي هو الصوم، ذكر في ترتيب الثواب عليه؛ للتسبيب (2) الذي فعله المكلف بالصوم.
العاشرة:
قد ذكرنا احتمالين في معنى: "الصوم جُنَّة":
أحدهما: الخبرية.
والثاني: [أن](3) يكون بمعنى الأمر.
وإذا تردَّدَ [اللفظ](4) بين احتمالين احتيجَ إلى الترجيح، والترجيحُ له وجوه: منها:
الترجيح بالحقيقة على المجاز، وهذا موجود في جعله خبراً؛ لأن اللفظَ موضوعٌ حقيقةً للخبر، ويؤيد (5) ذلك: ما (6) ذكرناه في (7) رواية: "جُنَّة من النار"، و"جُنَّة ما لم يخرقها".
(1) في الأصل: "الفعل والمنع"، والمثبت من "ت".
(2)
في الأصل: "السبب"، والمثبت من "ت".
(3)
زيادة من "ت".
(4)
زيادة من "ت".
(5)
"ت": "وتأيّد".
(6)
"ت": "بما".
(7)
"ت": "من".
فإن قلت: من وجوه الترجيح الاستدلالُ بما سبق اللفظ من المعنى، وما تأخَّر عنه، حتى كان ذلك سبباً لترجيح المجاز على الحقيقة في بعض المواضع؛ فمن الأول قوله تعالى:{لَا تَجْعَلُوْا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا} [النور: 63]، فإنه يَحتمل - كما ذكر - التبجيلَ والتعظيم في دعائه، فلا (1) يُنادى بالاسم، بل بالصفة الجليلة؛ كـ (يا نبي الله)، و (يا رسول الله).
ويحتمل أن يراد تأكيد إجابته صلى الله عليه وسلم إلى ما يدعو إليه، بحيث لا يجعل دعاؤه كدعاء غيره في رتبة تأكُّدِ الإجابةِ، بل يكون راجحاً.
وقد رجَّح بعضهم هذا الثاني بمناسبته للسابق، وهو:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَءَامَنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ وعَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّى يَسْتَئْذنُوهُ} [النور: 62]، وفي ترجيحه نظر.
ومن الثاني - وهو الترجيح باللاحق (2) - قوله تعالى: {وَالتِّيْنِ وَالزَّيْتُونِ} [التين: 1]، فإن حقيقته في الثمرتين، أو الشجرتين المعروفتين، ومجازه في الجبلين اللذين فيهما (3) هاتان الشجرتان، فرُجِّح الثاني بقوله تعالى:{وَطُورِ سِينِينَ} [التين: 2]، [فهو ترجيح بالمتأخر، ويُقوِّي قولَ من قال: إنه أراد بالتين دمشق](4)، والزيتون بيت
(1) في الأصل: "ولا"، والمثبت من "ت".
(2)
في الأصل: "باللآخر"، والمثبت من "ت".
(3)
"ت": "هما".
(4)
زيادة من "ت".
المقدس (1)، فأقسم الله بجبل دمشق (2) مأوى عيسى، وبجبل [بيت](3) المقدس؛ لأنه مقام الأنبياء كلهم، وبمكة؛ لأنها أثر إبراهيم [ومحمد صلوات الله عليهما](4)، وقد قيل غير دمشق مما ينسب إلى عيسى عليه السلام، وتُرجِّحُ هذا الحملَ مناسبةُ هذا القسم لهذه الأماكن المعظمة؛ بما وقع فيها من النبوات وآثارها.
فإذا ثبت أن الترجيح قد يكون بسابق ولاحق، فقولُه عليه السلام:"الصوم جُنَّة، فإذا كانَ يوم صومِ أحدِكم، فلا يرفثْ ولا يجهلْ"(5) يناسبُ أن يكون المراد الأمر؛ [أي](6): ليكن جُنَّة، ولا (7) تفعلوا ما يخالفه مما [لا](8) يليقُ به؛ لمناسبة (9) الأمرِ بالشيءِ (10) عن النهي عن ضده.
(1) رواه ابن جرير في "تفسيره"(24/ 502)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(1/ 215)، عن كعب الأحبار. وانظر:"الدر المنثور" للسيوطي (8/ 554). ورواه ابن جرير في "تفسيره"(24/ 502)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(10/ 3447)، عن قتادة.
(2)
في الأصل: "الدمشق"، والمثبت من "ت".
(3)
غير واضحة في الأصل، والمثبت من "ت".
(4)
سقط من "ت".
(5)
تقدم تخريج هذه الرواية عند البخاري برقم (1795).
(6)
زيادة من "ت".
(7)
"ت": "فلا".
(8)
زيادة من "ت".
(9)
"ت": "بمناسبة".
(10)
في الأصل: "النسبي"، والمثبت من "ت".