الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا يقتضي أن تراخيَ معناها تبع لتراخي لفظها، ومعلولٌ له، وهو عكسُ ما وجدته عن أبي الحسن بن عصفور أنه لما تعرض لبيان قول أبي علي: إن (ثم) مثل الفاء إلا أن فيها مُهلة، قال: فإنما يعني: أنها مثلها في الترتيب، إلا أنه ترتيبٌ فيه مُهلة وتراخٍ، وكأنه لمّا اختصت بمعنى يزيد على معنى الفاء، خُصَّ لفظُها بلفظ أَزيدَ من لفظ الفاء، فكانت على أكثر من حرف، والفاء على حرف واحد (1).
وهذا يقتضي أن تكونَ زيادةُ اللفظ تبعًا لزيادة المعنى، وتوافقُ (2) ما ذُكِرَ عن ابن درستويه: أنَّ الواوَ هي الأصلُ؛ أي: من هذه الثلاثة (الواو)[و {الفاء)، و (ثم)](3)، [و (الفاء) و (ثم) فرعان على (الواو)؛ لأن (الواو) و (الفاء) و (الميم)، (4) متقاربات من جهة المخرج، إذ (الفاء) من باطن الشفة، و (الواو) و (الميم) من نفس الشفة، فلذلك هذه الحروف الثلاثة تجمع ما بين الشفتين في اللفظ والمعنى، وخصت بالاستعمال دون غيرها، ولما اختصت (ثم) بمعنى زائد على (الفاء)، خُصَّت بالثاء المقاربة لمخرج الفاء؛ لتدلَّ على معنى ثالث.
الخامسة:
قد يأتي في الاستعمال ما (5) يَبْعُدُ حملُ ظاهرِهُ على
(1) انظر: "شرح الجمل" لابن عصفور (1/ 234).
(2)
"ت": "ويكون اللفظ موافقًا".
(3)
زيادة يقتضيها السِّياق.
(4)
سقط من "ت".
(5)
"ت": "قبل".
التراخي الزماني مثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} [الأعراف: 11] ، وأمرُ الملائكةِ بالسجود لآدمَ إنما كان قبل خلقنا.
وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: 189] وجَعلُ زوجها [قُبَيلَ](1) خَلقِها.
ومنه: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [فصلت: 9] وبعده: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [فصلت: 11][والسماءُ](2) مخلوقة قبل الأرض بدليل قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات: 27]، ثم قال تعالى] (3):{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30].
ومنه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]، والاهتداء هو ما تقدم ذكره، فلا يتصوَّرُ تراخيه عنه.
ومنه: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} [المائدة: 93] ولم ينقطعْ الاتقاءُ والإيمان، ثم حدثَ بعد ذلك اتقاءٌ وإيمان آخر، ثم حدث اتقاءٌ وإحسان.
(1) زيادة من "ت".
(2)
"ت": "ما لا".
(3)
زيادة من "ت".
ومنه: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 3] والتوبةُ لا تتراخى عن الاستغفار.
ومنه: {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} [السجدة: 7 - 9] والتسويةُ والنفخُ لآدمَ المتقدم ذكره في قوله: {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} ، وقد قدّم عليهما:{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} ، وهو متأخر عنهما.
ومنه: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} [النحل: 83] وإنكارُهُم غيرُ متراخٍ عن معرفته.
ومن الشعر [من المتقارب]:
سَأَلْتُ رَبِيْعَةَ مَنْ خَيْرُهَا
…
أَباً ثُمَّ أُمًّا فقَالوُا لِمَهْ (1)
لأنَّ كونَ الشخصِ خيراً أُمًّا [من غيره](2)، لا يتأخرُ عن كونه خيراً أباً من غيره.
ومنه: [من الخفيف]:
إنَّ مَنْ سَادَ ثمَّ سَادَ أَبُوهُ
…
ثُمَّ قدْ سَادَ قبلَ (3) ذلك جَدُّهْ (4)
(1) البيت للأقيشر الأسدي، كما في "الأغاني"(11/ 268).
(2)
سقط من "ت".
(3)
في الأصل و "ت": "بعد"، والمثبت من "ديوان أبي نواس".
(4)
البيت لأبي نواس، كما في "ديوانه" (ص: 493)، وورد عنده:
قل لمن ساد ثم ساد أبوه قبله
…
ثم قبل ذلك جدُّه
والبيت - كما أتى به المؤلف - شاهد على أن "ثم" لمجرد الترتيب في =