الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثامنة والأربعون:
قولُ ابن شهاب: قالَ علماؤنا: هذا أسبغُ ما يتوضَّاُ به أحدٌ للصلاة، يمكن أنْ يُرادَ به من حيثُ العددُ في المراتِ [إشارًة](1) إلَى كراهة ما زاد علَى ذلك، وسيأتي ما يدلُّ علَى الكراهةِ في الزيادة.
ويمكن أنْ يُرادَ به ما ذُكِرَ فيه من الزيادةِ علَى الواجبات؛ كغسل الكفين، والمضمضة، والاستنشاق، علَى مذهب من لا يرَى وجوب ذلك، ويكون معنَى الإسباغ: الإتمامَ والإكمالَ لوظائف الوضوء، سننِها (2) ومفروضِها، لا إلَى ما يرجع إلَى عدد مرات الغسل.
التاسعة والأربعون:
لا شكَّ أنَّ ترتيبَ الثواب علَى الفعلِ يلزمه صحةُ الفعل، فعلَى هذا كلُّ ما اختُلِفَ [فيهِ](3) من وظائف الوضوء، هل هو واجب، أم لا؟ وليس مذكورًا في الحديثِ يمكن أنْ يُستدلَّ بالحديث علَى عدمِ وجوبه، ومن ادَّعَى وجوبَ شيء زائد فعليه الدليلُ.
الخمسون:
تكلَّمَ بعضُ الفضلاء في حكمة غسل أعضاء الوضوء، وذكر وجوها: منها اثنان يأتيانك في شرح حديث عمرو بن عبسة.
ومنها: أنَّ الصلاةَ وجبت شكرًا لنعمةِ البدن لنوع خاص، وهو أنَّهُ رُزِقَ من الأعضاءِ اللينة المفاصلَ التي بها يقدر علَى الأحوالِ
= عقبه، من حديث عثمان رضي الله عنه.
(1)
زيادة من "ت".
(2)
في الأصل: "وسننها"، والمثبت من "ت".
(3)
زيادة من "ت".
المختلفة من القيام، والقعود، والركوع، والسجود، ونحو ذلك، أُمِرَ بصرف هذه الأعضاء، واستعمالِها في خدمة الربِّ جل جلاله في هذه الأحوال شكرًا، إذِ الشكرُ استعمالُ النِّعَمِ في خدمته وطاعته.
ولله تعالَى علَى المرءِ نِعَمٌ أخرَى في البدنِ، لمْ تُجعلِ الصلاةُ شكرًا لَها، وهي كونُ هذه الأعضاء وسائلَ إلَى استيفاء نعمٍ عظيمةٍ، بل بها يُنال جُلُّ نِعَمِ الله تعالَى.
أما اليدُ فبها يَتناولُ ويقبض، وأما الرِّجلُ فبها يمشي، وبها يصل إلَى مقاصده، وأما الوجهُ والرأسُ فهما محلُّ الحواس ومَجمعها، التي تُعرَفُ بها (1) عظيمُ نعم الله تعالَى من نحو: العين، والأنف، والفم، والشمِّ، والذوق، والسمع، [التي](2) بها يكون التلذُّذُ، والتشهي، والوصولُ إلَى جميع النعم، فأمرَ بغسل هذه الأعضاء شكرًا؛ لما يتوسَّلُ بها إلَى (3) هذه النعم.
ومنها: أنَّ الأمرَ بغسل هذه الأعضاء [ليطهرَها من الدرنِ والأوساخ التي تتصل بهذه الأعضاء](4)، فإنها هي البادية من الأعضاءِ فيتحقَّقُ التزيينُ والنظافة لها، والصلاةُ خدمةُ الله تعالَى والقيامُ بين يديه، فكأنَّ [القيامَ](5)
(1) في الأصل: "بها تعرف"، والمثبت من "ت".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
في الأصل: "على"، والمثبت من "ت".
(4)
سقط من "ت".
(5)
زيادة من "ت".
بين يديه متطهرًا من الأوساخِ أقربُ إلَى التعظيمِ والحرمة، فيكون ذلك سببَ كمال الخدمة، ولهذا في الشاهد: من أرادَ أنْ يقومَ بين يدي الملك للخدمة يتكلَّفُ مثل هذا التنظيفِ (1) والتزيُّن، ويلبسُ أحسنَ ثيابه ثم يدخل عليه تعظيمًا له (2)، فهذا مثله، ولذلك قيل: الأولَى أنْ يصليَ الرجلُ في أحسن ثيابه التي أعدَّها لزيارة العظماء، ولمحافل الناس، وإنَّ الصلاةَ متعمَّما أفضل من الصلاةِ مكشوفَ الرأس، لما أنَّ ذلك أبلغُ في الاحترامِ، والله أعلم (3).
* * *
(1) في الأصل: "يتكلف التنظيف للمتنظف"، والمثبت من "ت".
(2)
في الأصل: "للملك له"، والمثبت من "ت".
(3)
انظر: "بدائع الصنائع"(1/ 114 - 115)، وعنه نقل المؤلف رحمه الله.