الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشدُّ تغليظًا من المنقول عن الشَّافعيّ (1).
والفرق بين الرجال والنساء؛ فالوجوب في الرجال، وعدمُه في النساء.
والمالكية يقولون - أو من قال منهم -: الختان سنةٌ في الرجال، مَكرمَةٌ في (2) النساء (3)، وقد رُوي حديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مثلُه أو قريب منه ولا يثبت (4)، والله أعلم.
الثالثة:
كون الحديث مقدِّمة من مقدِّمات الدليل على وجوب الختان يُقرَّرُ بوجهين:
أحدهما: أن الختان من مِلَّة إبراهيم، واتِّباعُ ملته واجبٌ، فالختان من ملته؛ أما أنَّه فعله، فبهذا الحديث الذي نحن فيه، وبهذا قلنا: إنه يدل على مقدمة من مقدِّمات الدليل على وجوب الختان.
والمقدمة الثَّانية: وهو أن اتباع ملته واجب، فدليلها قوله تعالى:
= قبول شهادة الأقلف. انظر: "تحفة المودود"(ص: 162 - 163).
(1)
حتَّى قال: من لم يختتن، لم تصح إمامته، ولم تقبل شهادته. كما نقله ابن القيم في "تحفة المودود" (ص: 162).
(2)
"ت": "عن"، وجاء على الهامش:"لعله: في".
(3)
انظر: "الذخيرة" للقرافي (4/ 166 - 167).
(4)
رواه الإِمام أَحْمد في "المسند"(5/ 75)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 325)، من حديث الحجاج بن أرطأة، عن أبي المليح بن أسامة، عن أَبيه، به. وإسناده ضعيف؛ الحجاج مدلس، وقد اضطرب فيه، فتارة رواه كذا، وتارة رواه بزيادة شداد بن أوس بعد والد أبي المليح. وانظر:"التلخيص الحبير" لابن حجر (4/ 82).
{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل: 123] وهذا الدليل فيه نزاع في مواضع:
أحدها: أن الملة يُراد به الأحكام الأصولية، والأحكام الفروعية، وقد مُنع ذلك وخُصِّصَ بالأصولية، واستُدلَّ عليها بأمور:
أحدها: أن المُختلِفين في الفروع لا يقال: إن أحدهم على غير ملة الآخر، بل يقال: هما على ملة واحدة فنقول الشَّافعيّ ومالك وأبو حنيفة وسائر المختلفين في الفروع على ملة واحدة.
الثاني: مناسبةُ (1) ما بعد هذا الكلام لكون المراد هو الأصول، وهو قوله:{حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 123].
الثالث: لو كان المراد الأصول والفروع لكان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم متعبَّدًا بشريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أصولها وفروعِها، واللازمُ منتفٍ، والمسألة في الأصول معلومة، والاستدلال على انتفاء هذا اللازم مذكور في كتب الأصول، والمستدلُّون بهذا الدليل يظهر من كلامهم أنَّهم يلتزمون صحة هذا اللازم، وهو تعبُّدُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بشرع إبراهيم، وهو خلافُ المرجَّح في الأصول (2).
وثانيها: سلَّمنا أن الملةَ تدخل تحتها الأحكام الأصولية والفروعية؛ لأن الفعل من حيث هو فعل ليس بحكم لكنه متعلق الحكم، إذ الحكمُ: خطابُ الله تعالى المتعلِّق بأفعال المكلَّفين، فهو
(1)"ت": "مناسبته"، والصواب ما أثبت.
(2)
انظر: "المحصول" للرازي (3/ 397)، و"الإحكام" للآمدي (4/ 145).
غير أفعالهم، إذ المتعلِّق غيرُ المتعلَّق.
وإذا كان الفعل ليس من الأحكام التي هي داخلةٌ تحتَ الملة، لزم أن يكون المأمورُ به الاتباعَ في حكم الفعل، وحكم الفعل يتردَّدُ بين الوجوب والندب والإباحة، فالاتِّباعُ في الحكم متوقفٌ على معرفة الحكم من وجوب أو ندب أو إباحة، فمتى حكمنا بأحدِهَا [و] كان مخالفًا لذلك الحكم في شريعة إبراهيم، لا يكون ذلك اتباعًا في الحكم، لكنَّ الحكمَ في شريعة إبراهيم صلى الله عليه وسلم غيرُ معلوم عندنا، فلا نجزمُ بأن الحكم بالوجوب اتباعٌ لملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم (1).
الوجه الثاني: تقريرُ كونِ الحديث مقدِّمةً من مقدِّمات الدليل على وجوب الختان، وهو أن يقال: الحديث يدلُّ على جواز هذا الفعل، وجوازُ هذا الفعل يستلزم وجوبَه، فالحديثُ يدل على وجوبِهِ دلالةَ ثبوت الملزوم على ثبوت اللازم.
أما المقدمة الأولى، وهو أنَّه يدلُّ على الجواز فظاهر جدًّا، ودليلُهُ دليلُ العِصمة.
وأما أنَّه يدل جواز هذا الفعل على وجوبه ويستلزمه؛ فلأن هذا قطعُ عضوِ حيٍّ صحيح، وفيه فتح باب الروح، فالدليلُ على تحريمه قائمٌ، ولا يجوز الإقدامُ على فعلٍ دلَّ الدليل على أنَّه محرم إلَّا لرجحان الدليل على وجوبه، وإلا لكان إلغاءً لدليل تحريمه.
(1) جاء على هامش "ت": "بياض نحو أربعة أسطر من الأصل".