الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: «فَلَا تَفْعَلَا، إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَدْرَكْتُم الإِمَامَ وَلَمْ يُصَلِّ فَصَلِّيَا مَعَهُ؛ فَإِنَّهَا لَكُم نَافِلَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَالثَّلَاثَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الأحاديث
مسألة [1]: حكم صلاة الجماعة
.
• في هذه المسألة أربعة أقوال:
القول الأول: واجبة عينيًّا على كل رجلٍ، وهو قول الحسن، وعطاء، وأحمد، وأبي ثور، وإسحاق، والأوزاعي، والثوري، والفضيل بن عياض، والبخاري، وعامة فقهاء الحديث، منهم: ابن خزيمة، وابن المنذر، ورجح ذلك شيخ الإسلام رحمه الله.
واستدل أهل هذا القول بأحاديث أبي هريرة التي في الباب، وبحديث ابن مسعود رضي الله عنه في «صحيح مسلم» (654)، قال: من سرَّه أن يلقى الله تعالى غدًا مسلمًا؛ فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادَى بهنَّ؛ فإنَّ الله تعالى شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته؛ لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يُهادى بين
(1)
صحيح. أخرجه أحمد (4/ 160 - 161)، والنسائي (2/ 112)، وأبوداود (575)(576)، والترمذي (219)، وابن حبان (1564)(1565)، من طرق عن يعلى بن عطاء، قال: سمعت جابر بن يزيد بن الأسود السوائي، يحدث عن أبيه
…
ذكره. وإسناده صحيح، رجاله ثقات. وصححه شيخنا الوادعي رحمه الله في «الصحيح المسند» برقم (1200).
الرجلين حتى يقام في الصَّفِّ.
واستدلوا بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء:102] الآية، ولو لم تكن واجبة؛ لرَخَّصَ لهم فيها حالة الخوف، ولم يجز الإخلال بواجبات الصلاة من أجلها.
القول الثاني: واجبة عينيًّا على كل رجلٍ، ولا تصحُّ الصلاة إلا بالجماعة، وهو قول داود الظاهري، وابن حزم، وبعض الحنابلة، واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما، الذي في الباب، وبحديث:«لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» .
القول الثالث: أنها فرضُ كفاية، وهو الصحيح من مذهب الشافعية، وعليه جمهور المتقدمين من أصحاب الشافعي، وبعض الحنابلة، وهو قول جماعةٍ من الحنفية، والمالكية، واستدل أهل هذا القول على أنها فرض كفاية بحديث أبي الدرداء:«ما من ثلاثة في بدوٍ، ولا حَضَرٍ لا تُقام فيهم الصلاة؛ إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» ، واستدلوا بحديث ابن عمر، وأبي هريرة رضي الله عنهم، في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفَذِّ.
القول الرابع: أنها سُنَّة مؤكدة، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، ووجهٌ عند الشافعية، واستدلوا على أنها سُنَّة بحديث التفضيل لصلاة الجماعة على صلاة الفَذِّ، وبحديث يزيد بن الأسود الذي في الباب.
قال أبو عبد الله غفر الله له: القول الأول هو الصواب؛ لقوة أدلته، وقد تأول
المخالف هذه الأدلة بتأويلات مُتَكَلَّفَة لا دليل عليها.
وأما القول بأنها شرطٌ لصحة الصلاة؛ فهو قول ضعيفٌ، ويرده حديث التفضيل بين صلاة الرجل في الجماعة، وصلاته منفردًا في بيته، وسوقه، وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ فهو موقوفٌ عليه، وأما حديث:«لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» ؛ فهو حديث ضعيفٌ لا يثبت
(1)
، ومع التسليم بصحة الحديثين، فيكون النفي للكمال لا للصحة جمعًا بينها وبين حديث التفضيل.
وأما القول بأنه فرض كفاية؛ فيرده حديث الأعمى؛ فإنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يُرخِّصْ له في التخلف، وكذلك لا دليل على حمل الأدلة الموجبة لحضور الجماعة على ذلك، وأما حديث: «ما من ثلاثة في بدوٍ
…
»؛ فهو حديث ضعيفٌ، أخرجه أبو داود برقم (547)، وفي إسناده: السائب بن حُبيش، وفيه ضعفٌ، ومع ذلك فهو يدل على الوجوب العيني.
وأما حديث التفضيل فإنما يدل على صحة صلاة المنفرد، وذكر الفضيلة لا يدل على عدم الوجوب.
وأما حديث يزيد بن الأسود؛ فهي واقعةُ عينٍ تحتمل التأويل، فقد كانوا في سفر؛ لأنَّ هذه الصلاة كانت بمسجد الخِيْف بِمِنَى كما في ألفاظ الحديث؛ فيحتمل أنهم ما علموا وجوبها على المسافر، أو كانت رحالهم بعيدة، فَظَنَّا أنهما
(1)
أخرجه الدارقطني (1/ 420)، والحاكم (1/ 246)، والبيهقي (3/ 57)، وفي إسناده: سليمان بن داود اليمامي، وهو ضعيف جدًّا.
وقد ضعفه الإمام الألباني رحمه الله في «الضعيفة» برقم (183).