الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صَلاةِ الخَوْفِ
459 -
عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ رضي الله عنه عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الخَوْفِ: أَنَّ طَائِفَةً (صَفَّتْ)
(1)
مَعَهُ وَطَائِفَةً وِجَاهَ العَدُوِّ. فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا؛ لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ العَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ
(2)
. وَوَقَعَ فِي المَعْرِفَةِ لِابْنِ مَنْدَهْ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ أَبِيهِ.
(3)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرح الحديث رقم (944): وقد ذهب كثير من العلماء إلى استحباب صلاة الخوف على ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرِّقاع في هذا
(1)
في (أ) و (ب): (صلت) والمثبت هو الصواب كما في «الصحيحين» .
(2)
أخرجه البخاري (4129)، ومسلم (842).
(3)
أخرجها ابن منده كما في «الفتح» من طريق أبي أويس، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عن أبيه به. وأبوأويس فيه ضعف.
وقد خالفه مالك كما في «الصحيحين» ، فرواه عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عمن صلى مع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فجعل الصحابي مبهمًا، فرواية أبي أويس غير محفوظة، وقد وهمه في ذلك أبوزرعة كما في «العلل» لابن أبي حاتم (352).
والظاهر أن الصحابي المبهم هو سهل بن أبي حثمة، فقد روى البخاري من طريق القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة مثل حديث الباب، والله أعلم. وانظر «الفتح» (4129).
الحديث. قال القاسم بن محمد: ما سمعت في صلاة الخوف أحب إليَّ منه. وبه يقول مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وداود، والثوري في رواية، وحكاه إسحاق عن أهل المدينة وأهل الحجاز، وهو قول عبد الرحمن بن مهدي، وحكاه الترمذي عن إسحاق، وَصَرَّحَ إسحاق في رواية ابن منصور على أنه يجوز العمل به، ولا يختاره على غيره من الوجوه؛ إلَّا أنهم اختلفوا: هل تقضي الطائفة الركعة الثانية قبل سلام الإمام، أو بعده؟ فعند الشافعي، وأحمد، وداود: تقضي قبل سلام الإمام، ثُمَّ يسلم بهم، وهو رواية عن مالك، ثُمَّ رجع عنها، وقال: إنما يقضون بعد سلام الإمام. وهو قول أبي ثور، وأبي بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا، ذكره في كتابه «الشافي» ، ونص أحمد على أن هذه الكيفية تُصَلَّى وإن كان العدو في جهة القبلة. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: الصواب قول الشافعي، وأحمد؛ لظاهر الحديث المتقدم، والله أعلم.
وأما اختيار أحمد لهذه الكيفية في حالة كون العدو في القبلة؛ فقد حمل جمعٌ من الحنابلة ذلك على ما إذا لم يمكن أن يصلي بهم صلاة عسفان لاستتار العدو.
460 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا العَدُوَّ فَصَافَفْنَاهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى بِنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى العَدُوِّ، وَرَكَعَ بِمَنْ مَعَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاءُوا فَرَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا اللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «الفتح» (942): وَظَاهِره أَنَّهُمْ أَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَتَمُّوا عَلَى اَلتَّعَاقُبِ، وَهُوَ اَلرَّاجِحُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَيَسْتَلْزِمُ تَضْيِيع اَلْحِرَاسَةِ الْمَطْلُوبَةِ، وَإِفْرَاد اَلْإِمَامِ وَحْدَهُ. وَيُرَجِّحُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
(2)
مِنْ حَدِيثِ اِبْن مَسْعُود، وَلَفْظه: ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ هَؤُلَاءِ، أَيْ: اَلطَّائِفَةُ اَلثَّانِيَةُ، فَقَضَوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة ثُمَّ سَلَّمُوا، ثُمَّ ذَهَبُوا، وَرَجَعَ أُولَئِكَ إِلَى مَقَامِهِمْ، فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ اَلطَّائِفَةَ اَلثَّانِيَةَ، وَالَتْ بَيْنَ رَكْعَتَيْهَا، ثُمَّ أَتَمَّتْ اَلطَّائِفَةُ اَلْأُولَى بَعْدَهَا، وَوَقَعَ فِي اَلرَّافِعِيِّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ اَلْفِقْهِ أَنَّ فِي حَدِيثِ اِبْن عُمَر هَذَا أَنَّ اَلطَّائِفَةَ اَلثَّانِيَةَ تَأَخَّرَتْ وَجَاءَتْ اَلطَّائِفَة اَلْأُولَى فَأَتَمُّوا رَكْعَة، ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَعَادَتْ
(1)
أخرجه البخاري (942)، ومسلم (839).
(2)
أخرجه أبو داود (1244)، من طريق: خصيف الجزري، عن أبي عبيدة، عن أبيه عبد الله بن مسعود، وهذا إسناد ضعيفٌ؛ لسوء حفظ خصيف، ولأنَّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، ولكن الحديث في الشواهد، فلا يضر.
الطَّائِفَةُ اَلثَّانِيَةُ فَأَتَمُّوا، وَلَمْ نَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ اَلطُّرُقِ، وَبِهَذِهِ اَلْكَيْفِيَّةِ أَخَذَ اَلْحَنَفِيَّةُ، وَاخْتَارَ اَلْكَيْفِيَّة اَلَّتِي فِي حَدِيثِ اِبْن مَسْعُود أَشْهَب، وَالْأَوْزَاعِيُّ. انتهى المراد.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في «الفتح» (942): واختلف العلماء في صلاة الخوف على الصفة المذكورة في حديث ابن عمر، وما وافقه، فذهب الأكثرون إلى أنها جائزة وحسنة، وإن كان غيرها أفضل منها، هذا قول الشافعي في أصح قوليه، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم.
وقالت طائفة: هي غير جائزة على هذه الصفة؛ لكثرة ما فيها من الأعمال المباينة للصلاة من استدبار القبلة، والمشي الكثير، والتخلف عن الإمام، وادعوا أنها منسوخة، وهو أحد القولين للشافعي. ودعوى النسخ هاهنا لا دليل عليها.
وقالت طائفة: هي جائزة كغيرها من أنواع صلاة الخوف الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا فضل لبعضها على بعض، وهو قول إسحاق، نقله عنه ابن منصور، ونقل حرب عن إسحاق: أَنَّ حديث ابن عمر، وابن مسعود يُعمل به إذا كان العدو في غير جهة القبلة. وكذلك حكى بعض أصحاب سفيان كلام سفيان في العمل بحديث ابن عمر على ذلك.
وقالت طائفة: هي أفضل أنواع صلاة الخوف، هذا قول النخعي، وأهل الكوفة، وأبي حنيفة وأصحابه، ورواية عن سفيان، وَحُكِيَ عن الأوزاعي، وأشهب المالكي. انتهى كلام ابن رجب.
وقد رجَّح ابن عبد البر القول الأخير؛ لموافقته الأصل بأنَّ المأموم لا ينصرف من الصلاة إلا بعد انصراف الإمام.
قال أبو عبد الله غفر الله له: والراجح هو قول الأكثرين من أهل العلم، أعني القول الأول، والله أعلم.
(1)
فائدة: قال الحافظ ابن رجب رحمه الله (942): وقد قال أصحابنا، وأصحاب الشافعي: لو صلَّى صلاة خوف على ما في حديث ابن عمر في غير خوف؛ لم تصح صلاة المأمومين كلهم؛ لإتيانهم بما لا تصح معه الصلاة في غير حالة الخوف من المشْي والتَّخَلُّف عن الإمام. انتهى المراد.
(1)
وانظر: «الفتح» (942) لابن حجر، «النيل» (2/ 625).
461 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْت مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الخَوْفِ، فَصَفَفْنَا صَفَّيْنِ: صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَالعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ القِبْلَةِ فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَأَقَامَ الصَّفَّ المُؤَخَّرَ فِي نَحْرِ العَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى السُّجُودَ قَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ
…
فَذَكَرَ الحَدِيثَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الأَوَّلُ، فَلَمَّا قَامُوا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي، ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الأَوَّلُ وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِي
…
وَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وَفِي أَوَاخِرِهِ: ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(1)
462 -
وَلِأَبِي دَاوُد، عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ مِثْلُهُ، وَزَادَ: إنَّهَا كَانَتْ بِعُسْفَانَ.
(2)
المسائل والأحكام المستفادة من الأحاديث
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في «الفتح» (944): وقد ذهب أكثر العلماء إلى صحة الصلاة على وجه الحَرْسِ على ما في حديث أبي عياش الزرقي، وما وافقه
(1)
أخرجه مسلم برقم (840).
(2)
صحيح لغيره. أخرجه أبوداود (1236) من طريق منصور، عن مجاهد، عن أبي عياش الزرقي به. وقد أعل البخاري هذا الحديث بالإرسال ورجح أنه من مراسيل مجاهد كما في «العلل الكبير» (1/ 301) للترمذي.
قال ابن رجب رحمه الله في «الفتح» في (باب صلاة الخوف): وكذلك صحح إرساله عبدالعزيز النخشبي وغيره من الحفاظ
…
ثم نقل عن أبي حاتم وأحمد تصحيح الحديث. «الفتح» (944).
قلتُ: الحديث صحيح. وإن كان الراجح إرساله؛ للشاهد الذي قبله عن جابر، والله أعلم.
من رواية جابر، وابن عباس، وحذيفة، والصلاة بهذه الصفة، والعدو في جهة القبلة إذا لم يخش لهم كمين؛ حسن؛ فإنَّ أكثر ما فيها تأخر كل صف عن متابعة الإمام في السجدتين، وقضاؤهما قبل سلامه، وتكون الحراسة في السجود خاصَّة، هذا قول الشافعي وأصحابه، وللشافعية وجهٌ آخر: أنهم يحرسون في الركوع والسجود، وقد سبق في رواية البخاري لحديث ابن عباس ما يدل عليه. انتهى باختصار.
وقد ذكر ابن رجب في ضمن كلامه أنَّ أبا حنيفة رُوي عنه أنه لا يجوز الصلاة بها، ولا يجوز إلا على حديث ابن مسعود، وما وافقه كما سبق.
463 -
وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى بِآخَرِينَ أَيْضًا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ.
(1)
464 -
وَمِثْلُهُ لِأَبِي دَاوُد، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ.
(2)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديثين
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في «الفتح» (944): وصلاة الخوف على هذه الصفة: أن يصلي الإمام أربع ركعات، وتصلي كل طائفة خلفه ركعتين، لها صورتان: إحداهما: أن يسلم الإمام من كل ركعتين، فهو جائز عند الشافعي وأصحابه.
واختلفوا: هل هي أفضل من صلاة ذات الرقاع؟ على وجهين لهم، وكذلك اختار الجوزجاني هذه الصلاة على غيرها من أنواع صلوات الخوف؛ لما فيها من تكميل الجماعة لكل طائفة، واختلف أصحابنا في ذلك: فمنهم من أجازها في صلاة الخوف دون غيرها، وهو منصوص أحمد، وهو قول الحسن البصري أيضًا، واختاره طائفة من أصحابنا.
ومن أصحابنا من قال: هي مُخرجة على الاختلاف عن أحمد في صحة ائتمام
(1)
حسن لغيره. أخرجه النسائي (3/ 178) من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن جابر به.
وإسناده ضعيف؛ لانقطاعه بين الحسن وجابر، ولأن رواية حماد بن سلمة عن قتادة فيها ضعف. ولكن الحديث حسن بشاهده الذي بعده.
(2)
حسن. أخرجه أبو داود (1248) قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا الأشعث، عن الحسن، عن أبي بكرة به. وهذا إسناد حسن.
المفترض بالمتنفل، كما سبق ذكره. ومنع منها أصحاب أبي حنيفة؛ لذلك. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: الصواب قول الجمهور، وهو جواز صلاة الخوف بالكيفية المتقدمة؛ لدلالة أحاديث الباب عليها، ولا دليل مع من منع من هذه الكيفية، والله أعلم.
قال ابن رجب رحمه الله: والصورة الثانية: أن لايسلم الإمام، ويكون ذلك في سفر، فينبني على أنه: هل يصح أن يقتدي القاصر بالمتم في السفر؟ والأكثرون على أنه إذا اقتدى المسافر بمن يتم الصلاة فأدرك معه ركعة فصاعدًا؛ فإنه يلزمه الإتمام؛ فإن أدرك معه دون ركعة، فهل يلزمه الإتمام؟ قالَ الزهري، وقتادة والنخعي، ومالك: لا يلزمه. وهو رواية عن أحمد. والمشهور عنه: أنه يلزمه الإتمام بكل حال، وهو قول الثوري، وأبي حنيفة وأصحابه، والأوزاعي، والليث، والشافعي، وأبي ثور. وقالت طائفة: لا يلزمه الإتمام، وله القصر بكل حال، وهو قول الشعبي، وطاوس، وإسحاق.
فعلى قول هؤلاء: لاتردد في جواز أن يصلي الإمام أربع ركعات في السفر، وتصلي معه كل طائفة ركعتين، وعلى قول الأولين: فهل يجوز ذلك في صلاة الخوف خاصة؟ فيه لأصحابنا وجهان، ومن منع ذلك قال: ليس في حديث جابر تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسلم بين كل ركعتين، بل قد ورد ذلك صريحًا في روايات متعددة، فتحمل الروايات المحتملة على الروايات المفسرة المبينة. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: مراده بحديث جابر ما أخرجه مسلم في «صحيحه»
843 -
من طريق: أبي سلمة، عن جابر، فذكر الحديث، وفيه: فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات، وللقوم ركعتان.
وظاهر الحديث ليس فيه نفي التسليم، ولا عدمه؛ فالأولى حمله على حديث جابر، وأبي بكرة اللَّذَيْنِ في الباب كما قال بعض الحنابلة كما تقدم، والله أعلم. وعلى هذا فهذه الصورة الثانية لا يُعمل بها.
465 -
وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةَ الخَوْفِ بِهَؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَبِهَؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَلَمْ يَقْضُوا. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُودَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
(1)
466 -
وَمِثْلُهُ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(2)
467 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: صَلَاةُ الخَوْفِ رَكْعَةٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ رَوَاهُ البَزَّارُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
(3)
المسائل والأحكام المستفادة من الأحاديث
دلَّت الأحاديث المذكورة على جواز الاقتصار في صلاة الخوف على ركعة، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله (944):«وَلَمْ يَقْضُوا» ، وَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي اِقْتِصَارِهِمْ عَلَى رَكْعَة رَكْعَة.
(1)
حسن. أخرجه أحمد (5/ 385)، وأبوداود (1246)، والنسائي (3/ 167)، وابن حبان (1452)(2425) كلهم من طريق الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم عن حذيفة به. وثعلبة بن زهدم مختلف في صحبته.
والراجح عدم ثبوت صحبته، وهو اختيار البخاري ومسلم والعجلي وغيرهم. وعلى هذا فهو مجهول الحال، ولكنه قد توبع. فقد أخرج أحمد (5/ 395)، من طريق صحيحة عن مُخْمِل بن دماث، عن حذيفة به. ومخمل بن دماث مجهول العين، فالحديث بطريقيه حسن، ويتقوى بحديث ابن عباس الذي بعده.
(2)
صحيح. أخرجه ابن خزيمة (1344) حدثنا محمد، وأبو موسى قالا: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا سفيان، حدثني أبو بكر بن أبي الجهم، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عبد الله بن عباس به. وإسناده صحيح، ولم يسق لفظه، بل أحال لفظه على حديث حذيفة.
وأخرجه النسائي (3/ 169) من نفس الوجه وذكر لفظه.
(3)
ضعيف جدًّا. أخرجه البزار كما في «كشف الأستار» (678) بلفظ: «صلاة المسايفة ركعة» وفي إسناده محمد بن عبدالرحمن البيلماني وهو متروك، وأبوه، وهو ضعيف.
ثم قال: وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِم، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق: مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: فَرَضَ اَلله اَلصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي اَلْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي اَلسَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي اَلْخَوْفِ رَكْعَة.
(1)
قال: وَبِالِاقْتِصَارِ فِي اَلْخَوْفِ عَلَى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ يَقُولُ إِسْحَاق، وَالثَّوْرِيّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا، وَقَالَ بِهِ أَبُو هُرَيْرَة، وَأَبُو مُوسَى اَلْأَشْعَرِيّ
(2)
، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ اَلتَّابِعِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِشِدَّة اَلْخَوْف.
قال: وَقَالَ الْجمْهُور: قَصْرُ اَلْخَوْف قَصْر هَيْئَةٍ لَا قَصْرُ عَدَدٍ، وَتَأَوَّلُوا رِوَايَة مُجَاهِدٍ هَذِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ رَكْعَة مَعَ اَلْإِمَامِ، وَلَيْسَ فِيهِ نَفْي اَلثَّانِيَة، وَقَالُوا: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْله فِي اَلْحَدِيثِ اَلسَّابِقِ: «لَمْ يَقْضُوا» ، أَيْ: لَمْ يُعِيدُوا اَلصَّلَاةَ بَعْدَ اَلْأَمْنِ، وَاَلله أَعْلَمُ. اهـ
قال الشوكاني رحمه الله في «النيل» (2/ 630): وَيَرُدُّ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وَلَمْ يَقْضُوا رَكْعَةً» ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ:«وَلَمْ يَقْضُوا» ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّانِي:«وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً» ، وَأَمَّا تَأْوِيلُهُمْ قَوْلَهُ:«لَمْ يَقْضُوا» بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ: لَمْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ بَعْد الْأَمْنِ؛ فَبَعِيدٌ جَدًّا. اهـ
قلتُ: القول بأنه يجوز الاقتصار على ركعة هو الصواب؛ لقوة أدلته، وقد عزا هذا القول ابن رجب رحمه الله في «الفتح» (944) إلى الحسن، وطاوس، ومجاهد،
(1)
أخرجه مسلم برقم (687)، وأبو داود (1247)، والنسائي (3/ 169).
(2)
أثر أبي موسى رضي الله عنه فيه أنه صلى ركعة بطائفة، ثم الركعة الأخرى بطائفة أخرى، وقضت كل طائفة ركعة: أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 462) بإسناد صحيح، وأما أثر أبي هريرة رضي الله عنه فلم أجده.
وسعيد بن جبير، والنخعي، والضحاك، والحكم، وقتادة، وحماد، وإسحاق، ومحمد بن نصر المروزي، وهو رواية عن أحمد اختارها جماعة من أصحابه.
واختار هذا القول ابن القيم رحمه الله كما في «زاد المعاد» (1/ 531 - )، وعزاه أيضًا إلى ابن عباس وجابر رضي الله عنهما.
(1)
كيفية صلاة المغرب في الخوف:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «الفتح» (944): لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ اَلْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي صَلَاةِ اَلْخَوْفِ تَعَرُّض لِكَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا قَصْر، وَاخْتَلَفُوا: هَلْ اَلْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأُولَى ثِنْتَيْنِ، وَالثَّانِيَة وَاحِدَة، أَوْ اَلْعَكْس؟.اهـ
قلتُ: وقد ذهب أحمد، ومالك، والأوزاعي، وسفيان، والشافعي في أحد قوليه إلى أنه يصلي بالأولى ثنتين، وبالثانية ركعة، وذهب الشافعي في قوله الآخر إلى العكس.
تنبيه وفائدة: نقل ابن رجب رحمه الله عن طائفة من أهل العلم أنهم يقولون بجواز الاقتصار على ركعة في الخوف، وقد تقدم ذكرهم، ومنهم: محمد بن نصر المروزي، قال: حتى قاله في صلاة الصبح، مع أنَّ ابن حزم وغيره حَكَوا الإجماع على أنَّ الفجر، والمغرب لا ينقص عن ركعتين، وثلاث في حضر، ولا سفر. ولم يفرِّق هؤلاء -الذين ذكرهم- بين حضرٍ ولا سفر، وهذا يدل على أنهم رأوا قصر الصلاة في الحضر للخوف أشد القصر، وأبلغه، وهو عود الصلوات كلها إلى ركعة، وحُكي رواية عن أحمد. اهـ
(1)
أثر ابن عباس تقدم ذكره قريبًا، وهو في مسلم برقم (687).