الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا يشير إلى أن مروان إنما فعل ذلك تبعًا لمعاوية؛ لأنه كان أمير المدينة من جهته، وروى عبدالرزاق عن ابن جريج، عن الزهري قال: أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية
(1)
. وروى ابن المنذر عن ابن سيرين: أن أول من فعل ذلك زياد بالبصرة. قال عياض: ولا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان؛ لأن كلًّا من مروان وزياد كان عاملًا لمعاوية فيحمل على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله، والله أعلم. اهـ
مسألة [2]: حكم خطبة العيد
.
قال الشوكاني رحمه الله في «نيل الأوطار» (1299): وقد اتَّفقَ الموجبون لصلاة العيد وغيرهم على عدم وجوب خطبته، ولا أعلم قائلًا يقول بوجوبها. اهـ
قلتُ: والدليل على استحبابها وعدم وجوبها: فعل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فقد داوم عليها، ولم يأمر بها، والله أعلم.
مسألة [3]: كم خطبة بعد صلاة العيد
؟
• دلَّ حديث ابن عمر الذي في الباب على أن الإمام يخطب خطبة واحدة؛ لقوله: «قبل الخطبة» ، وجاء ذلك أيضًا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، في «الصحيحين» ، ومن حديث أبي سعيد، وجابر فيهما أيضًا
(2)
، وهذا القول اختاره شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله، والإمام ابن عثيمين رحمه الله.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (3/ 284) عن ابن جريج به، وهذا إسنادٌ ضعيف؛ لأن ابن جريج قد عنعن، والزهري لم يدرك معاوية رضي الله عنه.
(2)
تقدم تخريج حديث ابن عباس، وجابر، وأما حديث أبي سعيد فسيأتي في الباب برقم (478).
• وقد ذهب عامة العلماء إلى أنه يخطب خطبتين يفصل بينهما بجلوس، واستدلوا على ذلك بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عند البزار (657)، وحديث جابر رضي الله عنه عند ابن ماجه (1289)، وفي كليهما أنه عليه الصلاة والسلام كان يخطب خطبتين يوم العيد، يفصل بينهما بجلسة، وكلاهما شديد الضعف؛ فالأول في إسناده: عبد الله بن شبيب، شيخ البزار، وهو واهٍ، وفيه من لم يعرف، والثاني في إسناده: إسماعيل بن مسلم المكي، وهو شديد الضعف. وفيه: أبو بحر عبدالرحمن بن عثمان البكراوي، وهو ضعيف.
واستدلوا بأثر موقوف عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبه، أخرجه الشافعي في الأم (1/ 273) عن إبراهيم بن محمد، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله، عن إبراهيم بن عبد الله، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: السنة في التكبير يوم الأضحى، والفطر على المنبر قبل الخطبة أن يبتدئ الإمام قبل أن يخطب، وهو قائم على المنبر بتسع تكبيرات تترى لا يفصل بينها بكلام، ثم يخطب، ثم يجلس جلسة، ثم يقوم في الخطبة الثانية، فيفتتحها بسبع تكبيرات تترى لا يفصل بينها بكلام ثم يخطب.
وهذا أثر واهٍ؛ لأن إبراهيم بن أبي يحيى هو الأسلمي، وهو متروك، وقد كذب، ثم إن الأثر أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 190) عن وكيع، عن سفيان، عن محمد بن عبد الرحمن القاري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بلفظ: من السنة أن يكبر الإمام على المنبر في العيدين تسعا قبل الخطبة، وسبعا بعدها.
وهذا إسناد صحيح، ومحمد بن عبد الرحمن، صوابه: عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الله بن عبد القاري، وهو ثقة، ترجمته في الجرح والتعديل. وهذا اللفظ لا يستفاد منه خطبتان، وقوله: وسبعًا بعدها. يحمل على أنه في آخر الخطبة، والله أعلم.
وقد أخرجه عبد الرزاق أيضًا (3/ 290) عن معمر، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد القاري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أنه قال:«يكبر الإمام يوم الفطر قبل أن يخطب تسعا حين يريد القيام وسبعا في» . عالجته على أن يفسر لي أحسن من هذا فلم يستطع - فظننت أن قوله -: حين يريد القيام في الخطبة الآخرة.
قلتُ: وهذا اللفظ أيضًا لا يستفاد منه الجزم بخطبتين؛ فإنما هو من ظن الراوي، والله أعلم.
واستدلوا بالقياس على الجمعة، وهو قياس مع الفارق، ولا قياس أيضًا في الأمور التعبدية المحضة، والله أعلم.
قال أبو عبد الله غفر الله له: القول الأول هو الصواب؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لو كان يخطب خطبتين؛ لَنُقِلَ إلينا، وخير الهدي هدي رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
(1)
(1)
وانظر: «المغني» (3/ 279)، «المجموع» (5/ 23)، «المحلَّى» (543)، «الشرح الممتع» (5/ 191).