الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرن بالأمر بها، الأمر بالصدقة، والعتق، وليس واحدٌ منهما واجبًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه فعله يوم كسفت الشمس فدل على عدم الوجوب.
• وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب صلاة الكسوف، وهو قول أبي عوانة في «صحيحه» ، وحُكي عن أبي حنيفة، وقال به بعض الحنابلة.
قلتُ: وهذا القول أقرب -والله أعلم-؛ للأمر بذلك من النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وأما إيجاب الخمس الصلوات في اليوم والليلة؛ فليس فيه دلالة على أنَّ صلاة الكسوف مستحبة وليست واجبة؛ لأنَّ المقصود من الحديث بيان الواجب عليه من الصلوات في اليوم والليلة، لا نفي غيرها مما يجب عليه بسبب، وأما الصدقة والعتق؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك يوم الكسوف؛ فدل على عدم الوجوب، وأما الصلاة؛ فإنه عليه الصلاة والسلام بادر إليها، وأمر بها، والله أعلم، ورجَّح الإمام ابن عثيمين رحمه الله أنها فرض على الكفاية.
(1)
مسألة [2]: وقت صلاة الكسوف
.
يبدأ وقتها بحصول الكسوف، وينتهي وقتها بانجلاء الشمس، أو القمر؛ لحديث المغيرة، وأبي بكرة اللَّذَيْنِ في الباب، والعمل على هذا عند أهل العلم.
(2)
فائدة مهمة: قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (35/ 174 - 176): وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ
(1)
انظر: «الإنصاف» (2/ 416)، «الفتح» (1040)، «المغني» (3/ 330)، «صحيح أبي عوانة» (2/ 92)، «الشرح الممتع» (5/ 237).
(2)
انظر: «المجموع» (5/ 54)، «المغني» (3/ 330).
وَلَا لِحَيَاتِهِ»، أَيْ: لَا يَكُونُ الْكُسُوفُ مُعَلَّلًا بِالْمَوْتِ؛ فَهُوَ نَفْيُ الْعِلَّةِ الْفَاعِلَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ إذْ رُمِيَ بِنَجْمِ فَاسْتَنَارَ، فَقَالَ:«مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟» فَقَالُوا: كُنَّا نَقُولُ: وُلِدَ اللَّيْلَةَ عَظِيمٌ، أَوْ مَاتَ عَظِيمٌ.
فَقَالَ: «إنَّهُ لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللهَ إذَا قَضَى بِالْأَمْرِ سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي مُسْتَرِقِ السَّمْعِ، فَنَفَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكُونَ الرَّمْيُ بِهَا لِأَجْلِ أَنَّهُ قَدْ وُلِدَ عَظِيمٌ أَوْ مَاتَ عَظِيمٌ؛ بَلْ لِأَجْلِ الشَّيَاطِينِ الْمُسْتَرِقِينَ السَّمْعَ، فَفِي كِلَا الْحَدِيثَيْنِ مِنْ أَنَّ مَوْتَ النَّاسِ وَحَيَاتَهُمْ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِكُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَلَا الرَّمْيَ بِالنَّجْمِ؛ وَإِنْ كَانَ مَوْتُ بَعْضِ النَّاسِ قَدْ يَقْتَضِي حُدُوثَ أَمْرٍ فِي السَّمَوَاتِ كَمَا ثَبَتَ فِي «الصِّحَاحِ»:«إنَّ الْعَرْشَ عَرْشَ الرَّحْمَنِ اهْتَزَّ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» ، وَأَمَّا كَوْنُ الْكُسُوفِ أَوْ غَيْرُهُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِحَادِثِ فِي الْأَرْضِ مِنْ عَذَابٍ يَقْتَضِي مَوْتًا أَوْ غَيْرِهِ فَهَذَا قَدْ أَثْبَتَهُ الْحَدِيثُ نَفْسُهُ، وَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يُنَافَى لِكَوْنِ الْكُسُوفِ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ يَكُونُ فِيهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ كُسُوفُ الشَّمْسِ إلَّا فِي آخِرِ الشَّهْرِ لَيْلَةَ السِّرَارِ وَلَا يَكُونُ خُسُوفُ الْقَمَرِ إلَّا فِي وَسَطِ الشَّهْرِ وَلَيَالِي الْإِبْدَارِ، وَمَنْ ادَّعَى خِلَافَ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ أَوْ الْعَامَّةِ؛ فَلِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْحِسَابِ؛ وَلِهَذَا يُمْكِنُ الْمَعْرِفَةُ بِمَا مَضَى مِنْ الْكُسُوفِ وَمَا يَسْتَقْبِلُ كَمَا يُمْكِنُ الْمَعْرِفَةُ بِمَا مَضَى مِنْ الْأَهِلَّةِ وَمَا يَسْتَقْبِلُ؛ إذْ كُلُّ ذَلِكَ بِحِسَابِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} [الأنعام:96]، وَقَالَ تَعَالَى: {
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
بِحُسْبَانٍ} [الرحمن:5]، وَقَالَ تَعَالَى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس:5]، وَقَالَ:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189]، وَمِنْ هُنَا صَارَ بَعْضُ الْعَامَّةِ إذَا رَأَى الْمُنَجِّمَ قَدْ أَصَابَ فِي خَبَرِهِ عَنْ الْكُسُوفِ الْمُسْتَقْبَلِ يَظُنُّ أَنَّ خَبَرَهُ عَنْ الْحَوَادِثِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ؛ فَإِنَّ هَذَا جَهْلٌ؛ إذْ الْخَبَرُ الْأَوَّلُ بِمَنْزِلَةِ إخْبَارِهِ بِأَنَّ الْهِلَالَ يَطْلُعُ: إمَّا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، وَإِمَّا لَيْلَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ؛ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ أَجْرَى اللهُ بِهِ الْعَادَةَ لَا يُخْرَمُ أَبَدًا، وَبِمَنْزِلَةِ خَبَرِهِ أَنَّ الشَّمْسَ تَغْرُبُ آخِرَ النَّهَارِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، فَمَنْ عَرَفَ مَنْزِلَةَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَجَارِيَهُمَا عَلِمَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِلْمًا قَلِيلَ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا كَانَ الْكُسُوفُ لَهُ أَجَلٌ مُسَمًّى لَمْ يُنَافِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَجَلِهِ يَجْعَلُهُ اللهُ سَبَبًا لِمَا يَقْضِيهِ مِنْ عَذَابٍ وَغَيْرِهِ لِمَنْ يُعَذِّبُ اللهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يُنْزِلُ اللهُ بِهِ ذَلِكَ. اهـ
وقال رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (24/ 259): وَفِي رِوَايَةٍ فِي «الصَّحِيحِ» : «وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ» ، وَهَذَا بَيَانٌ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمَا سَبَبٌ لِنُزُولِ عَذَابٍ بِالنَّاسِ؛ فَإِنَّ اللهَ إنَّمَا يُخَوِّفُ عِبَادَهُ بِمَا يَخَافُونَهُ إذَا عَصَوْهُ وَعَصَوْا رُسُلَهُ، وَإِنَّمَا يَخَافُ النَّاسُ مِمَّا يَضُرُّهُمْ فَلَوْلَا إمْكَانُ حُصُولِ الضَّرَرِ بِالنَّاسِ عِنْدَ الْخُسُوفِ؛ مَا كَانَ ذَلِكَ تَخْوِيفًا، قَالَ تَعَالَى:{وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59]، وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَا يُزِيلُ الْخَوْفَ، أَمَرَ بِالصَّلَاةِ، وَالدُّعَاءِ، وَالِاسْتِغْفَارِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ؛ حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِالنَّاسِ، وَصَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ فِي الْكُسُوفِ صَلَاةً طَوِيلَةً. اهـ