الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
435 -
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا خَطَبَ، احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ، وَيَقُولُ:«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(1)
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ
(2)
: كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الجُمُعَةِ: يَحْمَدُ اللهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ
(3)
: «مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ» . وَلِلنَّسَائِيِّ: «وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» .
(4)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مسألة [1]: حكم خطبة الجمعة
.
• ذهب جمهور العلماء إلى أنها شرطٌ لصلاة الجمعة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} وبقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «صلوا كما رأيتموني أصلي» مع مداومة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على ذلك، وقال بعضهم: خطبتا الجمعة بدل ركعتي الظهر، والبدل يأخذ حكم المبدل منه.
(1)
أخرجه مسلم برقم (867).
(2)
أخرجها برقم (867)(44).
(3)
أخرجها برقم (867)(45).
(4)
صحيح. أخرجه النسائي (3/ 189)، بإسناد صحيح، وقد تكلم فيه بعض المتأخرين بما لا يقدح فيه.
• ثم اختلف الجمهور: هل الخطبتان شرطٌ، أم تجزئه خطبة واحدة؟
فذهب إلى الأول: أحمد، وهو المشهور من مذهبه، والشافعي وأصحابه، وذهب إلى الثاني: مالك، والأوزاعي، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر، وأصحاب الرأي، وأحمد في رواية.
وذهب الحسن، وابن سيرين، وداود، وابن حزم، والجويني، وعبدالملك المالكي، ومالك في رواية إلى عدم وجوب الخطبة وإلى أنها مستحبة استحبابًا شديدًا؛ لمداومة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عليها.
وقد رجَّح الإمام الشوكاني هذا القول في «نيل الأوطار» ، فقال: وَقَدْ عَرَفْتَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ مُجَرَّدَ الْفِعْلِ لَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ.
وقال أيضًا: وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ، وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرُ صَالِحٍ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْوُجُوبِ لِمَا قَدَّمْنَا فِي أَبْوَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْأَمْرُ بِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ يُوقِعُهَا عَلَيْهَا، وَالْخُطْبَةُ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ.
وقال في جوابه عن الآية: وَرُدَّ بِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْأَمْرِ هُوَ السَّعْيُ فَقَطْ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ السَّعْيَ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ لِذَاتِهِ بَلْ لِمُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ الذِّكْرُ، وَيُتَعَقَّبُ هَذَا التَّعَقُّبِ بِأَنَّ الذِّكْرَ الْمَأْمُورَ بِالسَّعْيِ إلَيْهِ هُوَ الصَّلَاةُ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخُطْبَةِ، وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالنِّزَاعِ فِي وُجُوبِ الْخُطْبَةِ؛ فَلَا يَنْتَهِضُ هَذَا الدَّلِيلُ لِلْوُجُوبِ. اهـ
وقال ابن حزم رحمه الله في «المحلَّى» (527): ومن لهذا الْمُقْدِم أن الله تعالى أراد بالذكر المذكور فيها الخطبة، بل أول الآية، وآخرها يكذبان ظنَّه الفاسد؛ لأنَّ الله تعالى إنما قال:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} ، ثم قال عز وجل:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الجمعة:10]، فصح أن الله إنما افترض السعي إلى الصلاة إذا نودي لها، وأمر إذا قضيت بالانتشار وذكره كثيرًا؛ فصح يقينا أن الذكر المأمور بالسعي له هو الصلاة، وذكر الله تعالى فيها بالتكبير، والتسبيح، والتمجيد، والقراءة، والتشهد لا غير ذلك. اهـ.
قلتُ: يظهر لي -والله أعلم- أنَّ الصحيح قول الجمهور، أن الخطبة شرط لصلاة الجمعة؛ فإن لم تقم الخطبة؛ فلا يصلوا الجمعة، وإنما يصلون ظهرًا، لأنه لم يعهد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه صلاة جمعة بدون خطبة، ويدل على ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم، لما وافق يوم الجمعة يوم العيد، وصلوا العيد مع ابن الزبير، ثم لم يخرج عليهم لصلاة الجمعة؛ صلوا الظهر وحدانًا، ولم يصلوا الجمعة.
فقد أخرج أبو داود (1071) بإسنادٍ صحيحٍ عن عطاء بن أبي رباح، قال: صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد، في يوم جمعة أول النهار، ثم رحنا إلى الجمعة، فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا، وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا ذلك له، فقال:«أصاب السنة» .
(1)
(1)
وانظر: «المجموع» (4/ 514)، «المغني» (3/ 173)، «المحلَّى» (527).