الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• ومنع من ذلك الإمام الشافعي رحمه الله؛ أخذًا بعموم الحديث المتقدم.
• وكره ذلك أحمد في رواية، والحنفية.
والأقرب أن يحمل الحديث على النهي عن التزعفر بالجسد، كما ذكره ابن عبد البر؛ جمعًا بين الأحاديث، والله أعلم.
(1)
مسألة [3]: حكم لباس الأحمر
.
• ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله في هذه المسألة أيضًا أقوالًا:
الأول: الرخصة، ذكره عن ابن المسيب، والشعبي، والنخعي، والحسن، وعلي بن حسين، وروي عن علي بن أبي طالب أنه كان يلبس بُرْدًا أحمر، وفي «صحيح مسلم» (2069)، أن أسماء بنت أبي بكر أرسلت إلى ابن عمر تقول له: بلغني أنك تحرم مياثر الأرجوان، فقال: هذه ميثرتي أرجوان، والأرجوان: الشديد الحمرة.
وقد استُدِلَّ لأهل هذا القول بحديث أبي جحيفة، والبراء رضي الله عنهما في «الصحيحين»
(2)
،أنهما رأيا النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في حُلَّةٍ حمراء.
الثاني: الكراهة، وهو قول طاوس، ومجاهد، وعطاء، والحسن، وابن سيرين، وهو مذهب أحمد.
(1)
وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر رحمه الله (2/ 180 - )، (21/ 82)، «شرح النووي» (14/ 54)، «الفتح» (5846، و 5847)، «المجموع» (4/ 339)، «شرح العمدة» (ص 381).
(2)
حديث أبي جحيفة أخرجه البخاري برقم (634)، ومسلم برقم (503)، وحديث البراء: أخرجه البخاري برقم (5901)، ومسلم برقم (2337).
الثالث: الكراهة فيما هو شديد الحُمْرَة، ورُوي ذلك عن مالك، وأحمد، ورجَّحه كثير من الحنابلة.
وقد استدل القائلون بالكراهة بأنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نهى عن المعصفر؛ فالأحمر يدخل في ذلك من باب أولى، واستدلوا على ذلك بحديث البراء بن عازب عند البخاري (5849)، وفيه النهي عن المياثر الحُمُر، واستدلوا على ذلك بحديث علي بن أبي طالب عند أحمد (963) (1162) بإسناد صحيح أنه قال في ضمن حديث طويل:«ونهانا عن القسي، والميثرة الحمراء» ، وعند أبي داود (4050) بإسناد صحيح:«نهي عن مياثر الأرجوان» .
وحملوا حديث أبي جحيفة، والبراء على أنها لم تكن حمراء خالصة، بل كانت مخططة بألوان أخرى.
وقد رجح هذا القول شيخ الإسلام رحمه الله، فقال كما في كتاب «شرح الصلاة من شرح العمدة» (ص 378 - ): فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن المياثر الحمر، وذلك يقتضي أن تكون الحمرة مؤثرة في النهي، والحديث عام في ا لمياثر الحمر، سواء كانت حريرًا أو لم تكن، ولو كان المراد بها الحرير؛ فتخصيصه الحمر بها دليل على أنَّ الأحمر من الحرير أشد كراهة من غيره، وذلك يقتضي أن يكون للحمرة تأثير في الكراهة، ثم أحاديث علي في بعضها:«عن القسي، والميثرة الحمراء» ، وفي بعضها:«عن القسي والمعصفر» ، وفي بعضها:«عن مياثر الأرجوان» ، وهي كلها دليل على أنَّ المياثر هي الحمر، وإن لم تكن حريرًا، وأنَّ مناط الحكم حمرتها لا مجرد كونها حريرًا، وذلك أنَّ الأرجوان هو الأحمر الشديد الحمرة، كأنَّ اشتقاقه
من الأرج، وهو توهج رائحة الطيب؛ لأنَّ الأحمر يسطع لونه، ويتوقد كما تسطع الرائحة الزكية في الأرائج، قال أبو عبيد: الأرجوان الشديد الحمرة، والنهرمان دونه في الحمرة، والمفدم المشبع حمرة، والمضرج دونه، ثم المورد بعده. ثم قول علي:«نهى عن لبس الميثرة الحمراء» بدل قوله: «المعصفر» دليل على أنَّ المعصفر إنما نهاه عنه لحمرته، فتارة يعبر عنها باسمه الخاص، وتارة يعبر عنه بالاسم العام الذي هو مناط الحكم.
قال: وأيضًا إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم إذا نهى عن المعصفر، فغيره من الأحمر المشبع أولى بالنهي منه؛ إذ ليس في المعصفر ما يكره سوى لونه، وليس هو بأشدها حمرة، فغيره من الأحمر الذي يساويه في لونه، وبريقه، أو يزيد عليه؛ أولى أن ينهى عنه، والتفريق بينهما تفريق بين الشيئين المتماثلين، وذلك غير جائز، وأيضًا فإن هذا اللون يوجب الخيلاء، والبطر، والمرح، والفخر؛ فكان منهيًّا عنه كالحرير، والذهب؛ ولهذا أبيح هذا للنساء كما أبيح لهن الحرير، والذهب، فأما الخفيف الحمرة مثل المورد ونحوه فقد ذهبت بهجته، وتوقده، وصار قريبًا من الأصفر؛ فلا يكره، والأحاديث التي جاءت في الرخصة في الأحمر محمولة على هذا؛ فإنه يسمى أحمر، وإن كانت حمرته خفيفة، وعلى ما يكون بعضه أحمر مثل البرود التي فيها خطوط حمر، وهذا معنى قولهم: حلة حمراء.
قال: وهل هذه كراهة تحريم، أو تنزيه؟ فيه وجهان
…
.
ثم ذكر وجهين في مذهب أحمد، والأصح في مذهب أحمد كراهة التنزيه.
(1)
(1)
وانظر: «فتح الباري» لابن رجب رحمه الله (2/ 220 - 221)، «زاد المعاد» (1/ 137).