الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
424 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ
(1)
، مِنْ مَكَّةَ إلَى عُسْفَانَ». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. كَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.
(2)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مسألة [1]: ما ضابط السفر الذي يقصر به المسافر
؟
• اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال، منها:
القول الأول: أنَّ ضابط ذلك خروج مسيرة ثمانية وأربعين ميلًا، وهو قول الحسن، والزهري، ومالك، والليث، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي في الباب، وتقدم أنه شديد الضعف.
وصحَّ هذا القول عن ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم.
القول الثاني: إذا خرج مسيرة ثلاثة أيام بلياليهن، وهو قول الشعبي، والنخعي، والثوري، وأبي حنيفة.
(1)
جمع بَريد، والبريد: أربعة فراسخ. والفرسخ: ثلاثة أميال. والميل: ستة آلاف ذراع. وقيل: أربعة آلاف ذراع.
(2)
المرفوع ضعيف جدًّا، والموقوف صحيح.
أخرج المرفوع الدارقطني (1/ 387) وفي إسناده عبدالوهاب بن مجاهد بن جبر، وهو متروك، بل كذبه الثوري. والموقوف أخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (4/ 347) بإسناد صحيح عنه.
وقد احتج لهم بحديث ابن عمر رضي الله عنهما، في «الصحيحين»:«لا تسافر امرأة ثلاثًا؛ إلا ومعها ذو محرم» .
(1)
القول الثالث: مسيرة يوم تام، وهو قول الأوزاعي، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وابن المنذر، وثبت هذا القول عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم، وقال به الزهري أيضًا.
وقد احتُجَّ لهم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، في «الصحيحين»:«لا تسافر المرأة مسيرة يوم؛ إلا ومعها ذو محرم» .
(2)
القول الرابع: يقصر في كل سفرة طويلة، وقصيرة، فكل ما يُسمى سفرًا؛ قصر فيه الصلاة، وهو قول داود الظاهري، وطائفة من الحنابلة.
واختاره ابن قدامة في «المغني» ، فقال: ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة؛ لأنَّ أقوال الصحابة متعارضة مختلفة، ولا حجة فيها مع الاختلاف، وقد رُوي عن ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم، خلاف ما احتج به أصحابنا، ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن في قولهم حجة مع قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وفعله، وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه لوجهين:
أحدهما: أنه مخالف لسنة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- التي رويناها، ولظاهر القرآن؛ لأنَّ ظاهره إباحة القصر لمن ضرب في الأرض؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ
(1)
أخرجه البخاري برقم (1086)، ومسلم برقم (1338).
(2)
أخرجه البخاري برقم (1088)، ومسلم برقم (1339).
عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ}، وقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«يمسح المسافر ثلاثة أيام» ، جاء لبيان أكثر مدة المسح؛ فلا يصح الاحتجاج به هاهنا، وعلى أنه يمكنه قطع المسافة القصيرة في ثلاثة أيام، وقد سمَّاه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سفرًا، فقال:«لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم؛ إلا مع ذي محرم» .
الثاني: أنَّ التقدير بابه التوقيف، فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد لاسيما وليس له أصل يرد إليه، ولا نظير يُقاس عليه، والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر؛ إلا أنْ ينعقد الإجماع على خلافه. اهـ
وهذا القول اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقال كما في «مجموع الفتاوى» (24/ 15): وهذا قول كثير من السلف والخلف، وهو أصح الأقوال في الدليل، ولكن لا بد أن يكون ذلك مما يُعَدُّ في العُرْفِ سفرًا، مثل أن يتزود له، ويبرز للصحراء. انتهى المراد.
وقال في (24/ 40): كل اسم ليس له حد في اللغة، ولا في الشرع؛ فالمرجع فيه إلى العرف، فما كان سفرًا في عرف الناس فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم، وذلك مثل سفر أهل مكة إلى عرفة؛ فإن هذه المسافة بريد، وهذا سفر ثبت فيه جواز القصر والجمع بالسنة، والبريد هو نصف يوم بسير الإبل والأقدام، وهو ربع مسافة يومين وليلتين، وهو الذي قد يسمى مسافة القصر، وهو الذي يمكن الذاهب اليها أن يرجع من يومه. اهـ
وقال رحمه الله كما في (24/ 47 - 48): فلو كانت المسافة محدودة؛ لكان حدها
بالبريد أجود، لكن الصواب أنَّ السفر ليس محددًا بمسافة، بل يختلف: فيكون مسافرًا في مسافة بريد، وقد يقطع أكثر من ذلك، ولا يكون مسافرًا. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: القول الرابع هو الصواب، وهو اختيار ابن القيم أيضًا، ورجَّحه الإمام ابن عثيمين.
إلا أننا نجزم أنَّ الضرب في الأرض بمقدار مسيرة ليلة يعتبر سفرًا؛ وعليه فإنَّ مسافة نصف يوم كذلك تعتبر سفرًا؛ لأنَّ من ذهب هذا المقدار ورجع استغرق يومه كاملًا، وقد سمعت شيخنا مقبلًا الوادعي رحمه الله يفتي بذلك، وبالله التوفيق.
(1)
(1)
وانظر: «المجموع» (4/ 325)«الأوسط» (4/ 346 - )«المغني» (3/ 108 - 109)«الفتح» (1088)، «ابن أبي شيبة» (2/ 443)، «عبد الرزاق» (2/ 525 - ).
425 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ أُمَّتِي الَّذِينَ إذَا أَسَاءُوا اسْتَغْفَرُوا، وَإِذَا سَافَرُوا قَصَرُوا وَأَفْطَرُوا» . أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ
(1)
، وَهُوَ فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ عِنْدَ البَيْهَقِيّ مُخْتَصَرًا.
(2)
الحكم المستفاد من الحديث
يستفاد من هذا الحديث أنَّ القصر للمسافر أفضل من الإتمام، والحديث ضعيف، ولكن يغني عنه مداومة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وخلفائه على القصر، وتقدم الكلام على حكم القصر في أول الباب.
(1)
ضعيف. أخرجه الطبراني في «الأوسط» (6554) وفي إسناده ابن لهيعة، ضعيف مختلط، والراوي عنه عبدالله بن يحيى بن معبد المرادي، لم توجد له ترجمة، وأبوالزبير لم يصرح بالسماع أو التحديث من جابر. فالحديث ضعيف.
(2)
ضعيف. أخرجه البيهقي في «المعرفة» (4/ 259) من طريق الشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيى عن ابن حرملة عن سعيد بن المسيب فذكره مرسلًا بنحو حديث جابر. وإسناده ضعيف جدًّا؛ لأن ابن أبي يحيى متروك قد كذب. والحديث في «مسند الشافعي» (1/ 512)، ثم وجدتُ له طريقًا أخرى إلى ابن المسيب، أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 449) عن حاتم بن إسماعيل، عن عبدالرحمن بن حرملة أنه سمع سعيد بن المسيب
…
، فذكره، وهذا إسناد حسن إلى سعيد، فتبقى العلة بالإرسال.