الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِـ: [الصَّافَّاتِ]
(1)
، فَالْقِرَاءَةُ بِـ:[الصَّافَّاتِ] مِنْ التّخْفِيفِ الّذِي كَانَ يَأْمُرُ بِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. اهـ
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في «الفتح» (4/ 209): فالصلاة الَّتِيْ كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيها بالناس هِيَ التخفيف الَّذِي أمر بِهِ غيره، وإنما أنكر عَلَى من طَوَّلَ تَطْويلًا زائدًا عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ مُعَاذَ بن جبل كَانَ يصلي مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة صلاة العشاء، وكان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُؤَخِّرُها كثيرًا، كما سبق ذكره فِي [المواقيت]، ثُمَّ ينطلق إلى قومه فِي بني سَلَمَة فيصلي بهم، وقد استفتح حينئذ بسورة البقرة، فهذا هُوَ الَّذِي أنكره عَلَى معاذ، ويشهد لهذا: حَدِيْث ابن عُمَر، قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيَأْمُرُنَا بِالتَّخْفِيْفِ، وَإِنْ كَانَ لَيَؤُمُّنَا بالصَّافَات. خَرَّجَهُ الإِمَامُ أَحْمَد، وَالنَّسَائِي، وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي «صحيحه». والمراد: أَنَّ التَّخْفِيْفَ المأمُور بِهِ هُوَ مَا كَانَ يَفْعَلُه. اهـ
وقد سبق إلى هذا البيان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (22/ 575، 596 - 597).
مسألة [2]: إعادة الصلاة ليؤم غيره
؟
جاء في بعض طرق حديث الباب في «الصحيحين» أنَّ معاذًا رضي الله عنه كان يصلي مع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- العشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم. ومثله ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه صلَّى بأصحابه صلاة الخوف مرتين كما سيأتي إن شاء الله في بابه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (23/ 386 - 388): أَظْهَرُ
(1)
أخرجه النسائي (2/ 95)، وأحمد (2/ 26)، وابن خزيمة (1606)، وإسناده صحيح.
الْأَقْوَالِ جَوَازُ هَذَا كُلِّهِ، لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِهِمْ ثَانِيًا إلَّا لِحَاجَةِ أَوْ مَصْلَحَةٍ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ غَيْرُهُ، أَوْ هُوَ أَحَقُّ الْحَاضِرِينَ بِالْإِمَامَةِ؛ لِكَوْنِهِ أَعْلَمَهُمْ بِكِتَابِ الله وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، أَوْ كَانُوا مُسْتَوِينَ فِي الْعِلْمِ وَهُوَ أَسْبَقُهُمْ إلَى هِجْرَةِ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ، أَوْ أَقْدَمُهُمْ سِنًّا؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحِ» عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ الله؛ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ؛ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً؛ فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا» .
(1)
فَقَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْفَضِيلَةِ فِي الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْعِلْمِ قُدِّمَ بِالسَّبْقِ إلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَقُدِّمَ السَّابِقُ بِاخْتِيَارِهِ وَهُوَ الْمُهَاجِرُ عَلَى مَنْ سَبَقَ بِخَلْقِ الله لَهُ وَهُوَ الْكَبِيرُ السِّنِّ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ»
(2)
، فَمَنْ سَبَقَ إلَى هَجْرِ السَّيِّئَاتِ بِالتَّوْبَةِ مِنْهَا فَهُوَ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَيُقَدَّمُ فِي الْإِمَامَةِ، فَإِذَا حَضَرَ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ وَكَانَ قَدْ صَلَّى فَرْضَهُ؛ فَإِنَّهُ يَؤُمُّهُمْ كَمَا أَمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِطَائِفَةٍ بَعْدَ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مَرَّتَيْنِ، وَكَمَا كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي ثُمَّ يَؤُمُّ قَوْمَهُ أَهْلَ قُبَاء؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَحَقَّهُمْ بِالْإِمَامَةِ.
وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ مَنْسُوخٌ، وَلَمْ يَأْتُوا عَلَى ذَلِكَ بِحُجَّةِ صَحِيحَةٍ، وَمَا ثَبَتَ مِنْ الْأَحْكَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا يَجُوزُ دَعْوَى نَسْخِهِ بِأُمُورِ
(1)
سيأتي في «البلوغ» برقم (398).
(2)
أخرجه البخاري برقم (10)، ومسلم برقم (40)، وليس عند مسلم ذكر المهاجر.
مُحْتَمِلَةٍ لِلنَّسْخِ وَعَدَمِ النَّسْخِ، وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ قَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ إذَا صَلَّى عَلَيْهَا الرَّجُلُ إمَامًا، ثُمَّ قَدِمَ آخَرُونَ؛ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ إذَا كَانَ أَحَقَّهُمْ بِالْإِمَامَةِ، وَلَهُ إذَا صَلَّى غَيْرُهُ عَلَى الْجِنَازَةِ مَرَّةً ثَانِيَةً أَنْ يُعِيدَهَا مَعَهُمْ تَبَعًا كَمَا يُعِيدُ الْفَرِيضَةَ تَبَعًا، مِثْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ يَأْتِي مَسْجِدًا فِيهِ إمَامٌ رَاتِبٌ فَيُصَلِّي مَعَهُمْ؛ فَإِنَّ هَذَا مَشْرُوعٌ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَد بِلَا نِزَاعٍ، وَكَذَلِكَ مَذْهَبُهُ فِيمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى الْجِنَازَةِ؛ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا بَعْدَ غَيْرِهِ، وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْقَبْرِ إذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ، هَذَا مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ قَاطِبَةً كَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمْ، وَمَالِكٌ لَا يَرَى الْإِعَادَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَاهَا إلَّا لِلْوَلِيِّ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى هُوَ عَلَى الْجِنَازَةِ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا غَيْرُهُ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا مَعَ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد، قِيلَ: لَا يُعِيدُهَا. قَالُوا: لِأَنَّ الثَّانِيَةَ نَفْلٌ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا. وَقِيلَ: بَلْ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا.
وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا صَلَّى عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ صَلَّى مَعَهُ مَنْ كَانَ صَلَّى عَلَيْهَا أَوَّلًا، وَإِعَادَةُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مِنْ جِنْسِ إعَادَةِ الْفَرِيضَةِ فَتُشْرَعُ حَيْثُ شَرَعَهَا اللهُ وَرَسُولُهُ، وَعَلَى هَذَا: فَهَلْ يُؤَمُّ عَلَى الْجِنَازَةِ مَرَّتَيْنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَاللهُ أَعْلَمُ. اهـ