الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن الملقن رحمه الله في كتابه «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» (2/ 532): فيه أن للصبي موقفًا في الصف، وبه قال الجمهور.
قال النووي رحمه الله في «شرح مسلم» : وهو الصحيح المشهور من مذهبنا، وعن أحمد كراهته في الفرائض، والمساجد. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: الصحيح أن الصبي الذي يحسن الصلاة، ويصلي صلاة صحيحة أن له حقًّا في الدخول في الصف مع الرجال كما تدل علىه الأحاديث المتقدمة، والله أعلم.
هذا وإفرادهم في صف واحد فيه مفسدة؛ فإنهم يلعبون في الصلاة ويتخاصمون فيها، ودخولهم مع الرجال في الصفوف يبعد هذه المفسدة عنهم.
(1)
مسألة [3]: هل يؤخر الصبي الذي يحسن الصلاة من الصف الأول إذا سبق إليه
؟
روى النسائي في «سننه» (808) بإسناد صحيح عن قيس بن عباد قال: بينا أنا في المسجد في الصف المقدم فجبذني رجل من خلفي جبذة فنحاني، وقام مقامي فوالله ما عقلت صلاتي، فلما انصرف فإذا هو أبي بن كعب فقال:«يا فتى، لا يسؤك الله؛ إن هذا عهد من النبي صلى الله عليه وسلم إلينا أن نليه» ، ثم استقبل القبلة، فقال:«هلك أهل العقد ورب الكعبة» -ثلاثا- ثم قال: «والله ما عليهم آسى، ولكن آسى على من أضلوا» يعني بأهل العقد: «الأمراء» .
(1)
وانظر: «الدر المختار مع حاشية ابن عابدين» (1/ 571).
قال المرداوي رحمه الله في «الإنصاف» (2/ 285) ط/إحياء التراث: الذي قطع به الإمام ابن رجب في القاعدة الخامسة والثمانين: جواز تأخير الصبي عن الصف الفاضل، وإذا كان في وسط الصف، وقال: صرح به القاضي، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، وعليه حمل فعل أبي بن كعب بقيس بن عباد. اهـ
قلتُ: وذهب بعض الحنابلة إلى عدم تأخيره كما في «الإنصاف» .
قال الإمام العثيمين رحمه الله في «الشرح الممتع» (3/ 17 - 18): في هذا نظرٌ، بل نقول: إنَّ الصبيان إذا تقدَّموا إلى مكانٍ، فهم أحقُّ به مِن غيرهم؛ لعموم الأدلَّة على أنَّ مَن سبقَ إلى ما لم يسبق إليه أحدٌ فهو أحقُّ به، والمساجدُ بيوتُ الله، يستوي فيها عباد الله، فإذا تقدَّم الصبيُّ إلى الصفِّ الأول -مثلًا- وجَلَسَ فليكنْ في مكانِه، ولأننا لو قلنا بإزاحة الصِّبيان عن المكان الفاضل، وجعلناهم في مكان واحد أدى ذلك إلى لَعبِهم؛ لأنَّهم ينفردون بالصَّفِّ، ثم هنا مشكل، إذا دخل الرِّجالُ بعد أن صفَّ الجماعة هل يُرجعونهم، وهم في الصلاة؟ وإن بَقَوا صفًّا كاملاً فسيُشوِّشون على مَنْ خلفَهم مِن الرِّجَال، ثم إنَّ تأخيرهم عن الصَّفِّ الأول بعد أن كانوا فيه يؤدِّي إلى محذورين:
المحذور الأول: كراهة الصَّبيِّ للمسجدِ؛ لأن الصَّبيَّ -وإنْ كان صبيًّا- لا تحتقره، فالشيء ينطبع في قلبه.
المحذور الثاني: كراهته للرَّجُل الذي أخَّره عن الصَّفِّ.
فالحاصل: أنَّ هذا القولَ ضعيفٌ، أعني: القول بتأخير الصِّبيان عن أماكنهم،
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «لِيَلِني منكم أُولُو الأحلامِ والنُّهى» فمرادُه -صلوات الله عليه وسلامه- حَثُّ البالغين العقلاء على التقدُّم؛ لا تأخير الصِّغار عن أماكنهم. اهـ
قلتُ: ويدل على عدم تأخيره، أن الصحابة قدموا عمرو بن سلمة الجرمي يصلي بهم، وهو ابن ست سنين، أو سبع، وكان أكثرهم قرآنًا، فكيف يؤخر من كان هذا حاله عن الصف الأول؟!.
وقال عبد الرحمن بن القاسم النجدي رحمه الله في «حاشيته على الروض المربع» (2/ 341): قال بعض الأصحاب: الأفضل تأخير مفضول، وكذا تأخير صبي، واختاره الشيخ، وقطع به ابن رجب، لقصة عمر
(1)
، وقال أحمد: يكره أن يقوم الصبي مع الناس في المسجد خلف الإمام. وقال في «الفروع» : وظاهر كلامهم في الإيثار بمكانه، وفيمن سبق إلى مكان، ليس له ذلك. أي: تأخير صبيان لبالغين لاتحاد جنسهم، وقاله الحافظ وغيره، واختاره القاضي وغيره، وهو مذهب الشافعي، وعليه عمل الناس، وصوبه في «الإنصاف» وقطع به المجد وغيره، وصرحوا بعدم الإيثار.
وقوله:» ليلني
…
«الحديث، لا يتم الاستدلال به على إخراجهم من صفوف الرجال البالغين، إنما فيه تقديم البالغين، أو نوع منهم، وإذا كانوا أقرأ ففيهم أهلية لذلك، واحتمال: أن يكونوا أولى فيعمل بالأحوط، وتقديمه فعل لا يدل على فساد
(1)
ضعيف. يريد به ما أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 413) من طريق إبراهيم النخعي، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان إذا رأى غلامًا في الصف أخرجه. وهو ضعيف؛ لانقطاعه؛ فإن إبراهيم النخعي لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
خلافه فإن الصبي إذا عقل القربة، كالبالغ في الجملة، وقد قدم عمرو في الإمامة وهو ابن ست أو سبع سنين، ففي المصافة أولى وقد يكون صبي أقرأ من مكلف ولا ينضبط.
وقوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} ، وأحاديث «من سبق إلى مكان فهو أحق به»
(1)
، و «لا يقم أحدكم أخاه من مجلسه»
(2)
، ونحو ذلك، مطلقة، وحديث أبي مالك، فيه شهرٌ، ويحمل فعل عمر، وقول أحمد، على نقرة الإمام
(3)
ما لم يكن أقرأ؛ لكونه أولى بالإمامة عند الحاجة إليه للاستخلاف، ولو كان تأخيرهم أمرًا مشهورًا؛ لاستمر العمل عليه، كتأخير النساء، ولنقل كما نقلت الأمور المشهورة نقلا لا يحتمل الاختلاف، وقال الحافظ على قول ابن عباس (وأنا فيهم): فيه أن الصبيان مع الرجال، وأنهم يصفون معهم، لا يتأخرون عنهم. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: الأفضل للصبيان الذين يحسنون الصلاة، أن لا يجلسوا خلف الإمام، وأن يتنحوا إلى جوانب الصف، فإذا سبق أحدهم إلى الصف الأول خلف الإمام، وهو يحسن الصلاة والطهارة، ويحفظ من القرآن؛ فإن وجد من هو أفضل منه أو مثيله من كبار السن البالغين في الصف الأول؛ فينحى إلى أحد جانبي الصف الأول، ويؤتى بالآخر مكانه؛ لأنه أحق بالاستخلاف إذا احتاج الإمام إلى استخلافه.
وليس في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بتأخير الصبيان الذين
(1)
ضعيف. أخرجه أبو داود (3071) من حديث أسمر بن مضرس، وفيه أربعة مجاهيل، يروي أحدهم عن الآخر، فهو مسلسل بالمجاهيل؛ فهو شديد الضعف.
(2)
أخرجه البخاري برقم (6269)، ومسلم برقم (2177) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(3)
يعني بذلك: نقرة القفا، وهي التي في مؤخرة الرقبة، عنى بذلك أن يكون مسامتًا للإمام.