الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والشافعي، وأحمد، وإسحاق، حملًا للنهي على الابتداء دون الاستدامة.
الثاني: يقطعها، وهو قول سعيد بن جبير، وأهل الظاهر، وحُكي رواية عن أحمد، قال ابن رجب رحمه الله: وهي غريبة.
الثالث: إنْ أدرك الجماعة أتمها، وإنْ خشي أنْ لا يدركها؛ قطعها، وهو قول أحمد في رواية.
الرابع: إنْ أدرك مع الإمام الركعة الأولى؛ أتمها، وإلَّا فيقطعها، وهو قول مالك.
قال أبو عبد الله غفر الله له: قول الإمام مالك هو الأقرب عندي إلى الصواب، والله أعلم.
(1)
مسألة [3]: الأعذار المبيحة لترك الجماعة
.
1 -
الأول: المرض.
قال ابن المنذر رحمه الله: ولا أعلم اختلافًا بين أهل العلم أنَّ للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض. اهـ
ودليل ذلك ما ثبت في «البخاري» (664)، و «مسلم» برقم (418)(95)، عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال في مرض موته: «مُرُوا أبا بكر فليصلِّ بالناس» .
قال ابن رجب رحمه الله: وخروج المريض إلى المسجد، ومحاملته أفضل كما خرج
(1)
وانظر: «فتح الباري» لابن رجب (4/ 73) رقم (663)، «نيل الأوطار» (985)، «المجموع» (4/ 212).
النبي صلى الله عليه وسلم يهادَى بين رجلين، وقد قال ابن مسعود: ولقد كان الرجل يهادَى بين رجلين حتى يُقام في الصف. اهـ
2 -
الثاني: المطر والطين.
دليله: حديث ابن عمر رضي الله عنهما في «الصحيحين» : أنه قال: إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة برد، ومطر يقول:«ألا صلوا في الرحال» ، وفي رواية:«في الليلة الباردة، أو المطيرة في السفر» .
وفي «الصحيحين» عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه أمر مؤذنه يوم الجمعة أن يقول: «صلوا في بيوتكم» ، ثم قال: قد فعل ذلك رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وإن الجمعة عزمة عليكم، فكرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين، والدحض.
3 -
الثالث: إذا حضر الطعام.
وقد تقدم ذكر الأحاديث في ذلك في [باب الخشوع في الصلاة].
قال ابن رجب رحمه الله: وحاصل الأمر أنه إذا حضر الطعام كان عذرًا في ترك صلاة الجماعة، فيقدم تناول الطعام، وإن خشي فوات الجماعة، ولكن لابد أن يكون له ميل إلى الطعام، ولو كان ميلًا يسيرًا، صرح بذلك أصحابنا وغيرهم، فأما إذا لَمْ يكن لَهُ ميل بالكلية إلى الطعام، فلا معنى لتقديم الأكل عَلَى الصلاة، وقالت طائفة أخرى: يبدأ بالصلاة قَبْلَ الأكل؛ إلا أن تكون نفسه شديدة التوقان إلى الطعام. وهذا مذهب الشَّافِعِيّ، وقول ابن حبيب المالكي، واستدل لَهُ ابن حبان بالحديث الَّذِي فِيهِ التقييد بالصائم، وألحق بِهِ كل من كَانَ شديد التوقان إلى
الطعام فِي الصلاة؛ لأنه يمنع من كمال الخشوع، بخلاف الميل اليسير. وقالت طائفة أخرى: يبدأ بالصلاة إلا أن يكون الطعام خفيفًا. حكاه ابن المنذر عَن مَالِك، وهذا يحتمل أَنَّهُ أراد أن الخفيف من الطعام يطمع مَعَهُ فِي إدراك الجماعة، بخلاف الطعام الكثير فيختص هَذَا بالعشاء، وهذا بناء عَلَى أن وقت المغرب وقت واحد، كما هُوَ قَوْلِ مَالِك، والشافعي فِي أحد قوليه، ونقل حرب عَن إِسْحَاق أَنَّهُ يبدأ بالصلاة؛ إلا فِي حالين، أحدهما: أن يكون الطعام خفيفًا. والثاني: أن يكون أكله مَعَ الجماعة، فيشق عليهم قيامه إلى الصلاة. وهؤلاء قالوا: إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمر بتقديم العشاء عَلَى الصلاة حيث كَانَ عشاؤهم خفيفًا، كما كَانَتْ عادة الصَّحَابَة رضي الله عنهم فِي عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يتناول أمره غير مَا هُوَ معهود فِي زمنه.
ثم قال رحمه الله: وبكل حال؛ فلا يرخص مَعَ حضور الطعام فِي غير ترك الجماعة، فأما الوقت فلا يرخص بذلك فِي تفويته عِنْدَ جمهور العلماء، ونص عَلِيهِ أحمد وغيره، وشذت طائفة فرخصت فِي تأخير الصلاة عَنِ الوقت بحضور الطعام أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلِ بعض الظاهرية، ووجه ضَعِيف للشافعية، حكاه المتولى وغيره. اهـ
4 -
الرابع: إذا احتاج إلى الخلاء.
لحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم في [باب الخشوع في الصلاة] مرفوعًا: «لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان» ، وفي «سنن الترمذي» (142) من حديث عبدالله بن الأرقم رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«إذا أُقيمت الصلاة، وأراد أحدكم الخلاء؛ فليبدأ بالخلاء» .
5 -
الخامس: الخوف الشديد.
كأن يخشى عدوًّا يريد قتله، أو الاعتداء عليه، أو يخاف من السلطان أن يحبسه ظلمًا.
6 -
السادس: السفر.
كأن تقام الصلاة وهو يريد السفر، ويخشى أن ترحل القافلة ولا يلحقها؛ فله ترك الجماعة؛ لأنَّ عليه ضررًا بتخلفه عن القافلة.
7 -
السابع: أن يكون قيّمًا بمريض يخاف ضياعه.
لأنَّ حفظ الآدمي آكد من حرمة الجماعة، وفي «البخاري» (3990) عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه ذكر له أنَّ سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وكان بدريًّا مرض في يوم جمعة، فركب إليه بعد أن تعالى النهار واقتربت الجمعة، وترك الجمعة.
8 -
الثامن: شدة النعاس.
لحديث عائشة رضي الله عنها عند البخاري (212)، ومسلم (786): أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إذا نعس أحدكم وهو يصلي؛ فليرقد حتى يذهب عنه النوم؛ فإنَّ أحدكم إذا صلَّى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه» .
9 -
أكل البصل، والكراث، والثوم.
ويدل على ذلك حديث جابر في «الصحيحين» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أكل ثومًا، أو بصلًا، أو كراثًا؛ فليعتزل مسجدنا» ، وفيهما عن أنس وابن عمر رضي الله عنهم بنحوه.
ولا يجوز أكله بدون حاجة؛ قاصدًا بذلك ترك الجماعة.
(1)
تنبيه: لا تُتْرَك الجماعة، أو الجمعة مطلقًا من الناس جميعًا عند وجود الأعذار العامَّة، كالمطر، والطين، والبرد الشديد، بل يجب على الإمام أن يصلي بمن حضر، وقد بوَّب البخاري في «صحيحه»:[باب هل يصلي الإمام بمن حضر؟ وهل يخطب يوم الجمعة في المطر؟]، ثم ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند أن جلس على المنبر يوم الجمعة، وأمر مؤذنَهُ أن يقول:«الصلاة في الرحال» ، وقد تقدم الحديث.
قال ابن رجب رحمه الله في «الفتح» (4/ 97): يعني بهذا الباب: أن المطر والطين، وإن كَانَ عذرًا فِي التخلف عَن الجماعة فِي المسجد؛ إلا أَنَّهُ عذر لآحاد النَّاس، وأما الإمام فلا يترك الصلاة لذلك فِي المسجد، ويصلي جماعة فِي المسجد بمن حضر، وكذلك يوم الجمعة لا يترك الخطبة وصلاة الجمعة فِي المسجد بمن حضر فِيهِ إذا كانوا عددًا تنعقد بهم الجمعة، وإنما يباح لآحاد النَّاس التخلف عَن الجمعة والجماعات فِي المطر ونحوه إذا أقيم شعارهما فِي المساجد؛ وعلى هَذَا فلا يبعد أن يكون إقامة الجماعات والجمع فِي المساجد فِي حال الأعذار كالمطر فرض كفاية لا فرض عين، وأن الإمام لا يدعهما، وَهُوَ قريب من قَوْلِ الإمام أحمد فِي الجمعة إذا كَانَتْ يوم عيد: أَنَّهُ يسقط حضور الجمعة عمن حضر العيد، إلا الإمام ومن تنعقد بِهِ الجمعة؛ فتكون الجمعة حينئذ فرض كفاية، والله أعلم، ولا شك أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لا يترك إقامة الجمع فِي المطر، ويدل عَلِيهِ: أَنَّهُ
(1)
انظر: «الفتح» لابن رجب (664 - 674)، «البيان» (2/ 370 - 372).
لما استسقى للناس عَلَى المنبر يوم الجمعة، ومطروا من ذَلِكَ الوقت إلى الجمعة الأخرى؛ أقام الجمعة الثانية فِي ذَلِكَ المطر حَتَّى شكي إليه كثرة المطر فِي خطبته يومئذ، فدعا اللهَ بإمساك المطر عَن المدينة. اهـ
تنبيه آخر: الأعذار المتقدمة هي عذر أيضًا في ترك الجمعة؛ إلا العذر الثالث، وبالله التوفيق.