الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على العبارة، وفوات العين أو الوصف المذكور في العبارة يثبت الخيار فقط، ولا يبطل البيع.
دليل من قال: ينعقد فاسدًا
.
حجة هذا القول يرى بأن الخلل إذا لم يتطرق إلى ركن البيع، وهو الإيجاب والقبول، فإن البيع ينعقد فاسدًا، ومعنى ذلك أن الملك يثبت بالقبض، وإذا فات المبيع وجب دفع القيمة، وليس الثمن؛ لأن الثمن قد تطرق إليه الفساد.
ويمكن أن يناقش هذا من وجهين:
الوجه الأول:
لا نسلم أن الخلل لم يتطرق إلى ركن البيع، فإن الإيجاب والقبول كان متجهًا إلى جنس، ثم تبين أن المعقود عليه جنس آخر، فصار الإيجاب القبول قد توجه إلى جنس معدوم لا وجود له، فبطل الإيجاب والقبول.، فوجود الإيجاب والقبول كعدمه هنا.
الوجه الثاني:
لا نسلم قاعدة الحنفية بأن الخلل إذا تطرق إلى ركن البيع بطل البيع، وإذا تطرق إلى وصفه كان فاسدًا، وقد بينا أن الجمهور لا يفرقون بين العقد الفاسد والباطل في بحث خاص، فأغنى عن إعادته هنا
(1)
.
* * *
(1)
وإذا عرفنا كلام أهل الفقه الشرعي في باب الغلط، فقد تناولت القوانين الوضعية الوقوع في الغلط، فجاء في القانون المدني المصري في مادته (120):» إذا وقع المتعاقد في غلط جوهري، جاز له أن يطلب إبطال العقد، إن كان المتعاقد الآخر قد وقع مثله في هذا الغلط، أو كان على علم به، أو كان من السهل أن يتبينه.
مادة (121 - 1) يكون الغلط جوهريًا إذا بلغ حدًا من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (2) ويعتبر الغلط جوهريًا على الأخص:
(أ) إذا وقع في صفة للشيء تكون جوهرية في اعتبار المتعاقدين، أو يجب اعتبارها كذلك لما يلابس العقد من ظروف، ولما ينبغي في التعامل من حسن النية.
(ب) إذا وقع في ذات المتعاقد، أو صفة من صفاته، وكانت تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد. اهـ
وانظر في القانون الأردني، مادة (151) ومادة (152)، ومادة (153).
وفي قانون الموجبات والعقود اللبناني، مادة (203)، ومادة (204)، ومادة (205)
وانظر أحكام الغلط في قانون العقود السوادني: المواد (106، 107).
والقانون الليبي مادة (120، 121)، الكويتي المادة (120).
شرح ما سبق:
في كتاب نظرية العقد للسنهوري قسم الغلط إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: غلط يجعل العقد باطلًا بطلانًا مطلقًا (الغلط المانع).
كما لو كان الغلط في ماهية العقد، كما لو أعطى شخص نقودًا على أنها قرض، وأخذها الآخر على أنها هبة، ففي هذه الحالة لا يكون هناك قرض، ولا هبة، وكل من العقدين بكون باطلًا بطلانًا مطلقًا.
ومثله لو كان الغلط في موضوع العقد، وسماه القانون اللبناني (موضوع الموجب) وسماه السنهوري غلط في ذاتية محل الالتزام الناشيء من العقد. مثاله: شخص لديه عقاران مختلفان، فباع أحداهما والمشتري يعتقد أنه يشتري الأخرى.
مثال آخر: أراد شخص أن يشتري كتابًا لمؤلف، فباعه التاجر كتابًا لمؤلف آخر.
مثل هذا الغلط يجعل البيع باطلًا بطلانًا مطلقًا، أو بيعًا غير موجود؛ لأن المتعاقدين لم تتوافق إرادتهما على شيء واحد، ويسمى هذا النوع من الغلط: الغلط المانع، وهو الغلط الذي يتصل بوجود التراضي لا بصحته، أو بعبارة أخرى الغلط الذي يعدم الرضا.
يقول السنهوري في الوسيط (1/ 311): «وظاهر أن هذا النوع يعدم الإرادة، ولا يقتصر على أن يعيبها، ففي الأمثلة التي قدمناها لم تتوافق الإرادتان على عنصر من العناصر الأساسية: ماهية العقد، أو المحل، أو السبب. فالتراضي إذن غير موجود، والعقد باطل: أي منعدم، وهذا هو الذي يدعونا لاستبعاد الغلط المانع من دائرة البحث، فهو يتصل بوجود التراضي، لا بصحته، ونحن الآن في صدد صحة التراضي بعد أن فرغنا من الكلام في وجوده» . اهـ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= النوع الثاني من الغلط: غلط يبطل العقد بطلاناً نسبيًا.
وهو الغلط الذي يفسد الرضا: أي يعيبه دون أن يعدمه، فيجعل العقد باطلًا بطلانًا نسبيًا. وفي تعبير قانون الموجبات اللبناني يجعل العقد قابلًا للإبطال، يعني: وليس باطلًا. ويشترط في هذا الغلط أن يكون غلطًا جوهريًا وقد نص القانون المصري ونقلناه سابقًا في مادة (120): إذا وقع المتعاقد في غلط جوهري جاز له أن يطلب إبطال العقد.
كما نص في مادته (121) يكون الغلط جوهريًا إذا بلغ حدًا من الجسامة، بحيث يمتنع معه المتعاقد من إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط.
وهو ما يعرف في الفقه الإسلامي (فوات الوصف المرغوب فيه) كالغلط الذي يقع في مادة الشيء موضوع الالتزام الناشئ من العقد، فلو اشترى شخص حليًا من ذهب، فتبين أنها من فضة مذهبة، فالعقد في هذه الحالة يكون باطلًا بطلانًا نسبيًا لمصلحة المشتري.
ومثله الغلط الذي يقع في شخص المتعاقد إذا كانت شخصيته محل اعتبار، كما في عقود التبرع مثلًا، فإذا وقع غلط في شخص الموهوب له كان العقد باطلًا بطلانًا نسبيًا لمصلحة من كان ضحية لذلك الغلط، بمعنى أن العقد يكون صحيحًا نافذًا، ولكنه غير لازم، حيث يكون للعاقد خيار الفسخ، إن شاء فسخ العقد، وإن شاء أمضاه، فالغلط هنا يعيب الإرادة، ولكن لا يمس وجودها، فهو لا يمنع من وجود العقد صحيحًا، وإنما يكون من شأنه أن يجعل العقد موقوفًا على إجازة العاقد.
النوع الثالث من الغلط: الغلط غير المؤثر. كما لو كان الغلط في وصف غير جوهري، كما لو اشتريت كتابًا مطبوعًا على ورق أصفر، بينما كنت تريد أن يكون مطبوعًا على ورق أبيض.
ومثله الغلط في قيمة الشيء، ما لم يبلغ حد الغبن الفاحش، فالغلط في القيمة لا يكون سببًا لبطلان العقد وإنما يجوز في حالات خاصة - عند حصول غبن فاحش - طلب البطلان، وأما كون الغبن غير فاحش فلا يؤثر في صحة العقد.
ومثله الغلط في شخص المتعاقد إذا لم تكن شخصيته محل اعتبار في العقد، كما لو باع تاجر شيئًا لأحد عملائه، وكان يعتقد أنه عميل آخر، فهذا الغلط لا أثر له في صحة العقد.
ومثله الغلط في الأرقام والحساب، فلا يؤثر ذلك في صحة العقد، وإنما يجب إجراء التصحيح في الغلط الحسابي على اعتبار أنه خطأ مادي صرف، لا يعيب الرضا، ويسري هذا الحكم على العقود كافة. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وألحقوا به الغلط في الباعث على التعاقد، كأن يشتري شخص مركبة معتقدًا أن مركبته القديمة قد كسرت في حادث اصطدام، ثم يتضح عدم صحة ذلك، وكأن يستأجر موظف منزلًا في المدينة معتقدًا أنه سينقل إليها، ثم يتبين بعد ذلك أنه لم ينقل إليها، فالغلط هنا في الباعث، ولا أثر له في صحة العقد؛ لأن الباعث يظل مجهولًا لدى العاقد الآخر، إلا إذا ذكر السبب في العقد، وعرف به العاقد الآخر باعتباره شرطًا لقبول العقد، فهنا يجوز فسخ العقد لحصول الغلط، إذ الغلط في هذه الحالة واقع في مادة العقد: أي في موضوع العقد؛ لأن العاقدين قررا في محض إرادتهما أن تجعل الصفة العرضية للشيء صفة أصلية له.
انظر في تحرير ما تقدم الكتب التالية: الوسيط في شرح القانون المدني - السنهوري (1/ 315) وما بعدها. نظرية العقد للسنوري أيضًا (1/ 349)، شرح قانون الموجبات في العقود - زهدي يكن (4/ 4)، مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني (ص: 87)، النظرية العامة للالتزام - الدكتوران توفيق فرج، جلال العدوي (ص: 127)، نظرية العقد في قوانين البلاد العربية (القانون المصري، واللبناني والسوري والعراقي والليبي والكويتي والسوداني) الدكتور: عبد المنعم فرج الصده (ص: 225).
المسألة الثانية
الغلط إذا كان في وصف مرغوب فيه
[م - 99] يختلف هذا الغلط عن الغلط السابق، فإن الغلط السابق كان في جنس المعقود عليه، أو كان في وصف يؤدي إلى تفاوت فاحش في المنفعة، وأما هذا الغلط فهو في فوات وصف مرغوب فيه من غير أن يؤدي إلى اختلاف القيمة، كما لو اشترى فصًا على أنه ياقوت أحمر، فبان أخضر، فهنا الغلط لم يتوجه للجنس، فالجنس واحد، كما أن الغلط لم يكن في وصف يؤدي إلى تفاوت فاحش في المنفعة، وإنما فات وصف الحمرة، وهو وصف مرغوب فيه لدى المشتري فحسب، والثمن واحد
(1)
.
(1)
وقد أخذ ذلك القانون العراقي، فقال في مادته (117 - 1):«إذا وقع غلط في محل العقد، وكان مسمى ومشار إليه، فإن اختلف الجنس تعلق العقد بالمسمى، وبطل لانعدامه، وإن اتحد الجنس واختلف الوصف، فإن كان الوصف مرغوبًا فيه، تعلق العقد بالمشار إليه، وينعقد لوجوده إلا أنه يكون موقوفًا على إجازة العاقد» .
وقد ذهب الأئمة الأربعة إلى أن البيع ينعقد صحيحًا، ويثبت الخيار لمن فاته الوصف المرغوب فيه
(1)
.
وذهب الحنابلة في المشهور أن المشتري له الخيار بين الرد، أو الإمساك مع أرش فقد الصفة، وإن تعذر الرد تعين الأرش
(2)
.
وذهب ابن حزم إلى أن فوات الوصف يؤدي إلى البطلان
(3)
.
(1)
انظر في مذهب الحنفية: المبسوط (5/ 83 - 84)، بدائع الصنائع (2/ 279) و (5/ 140)، كشف الأسرار (2/ 83).
وانظر في مذهب المالكية: الخرشي (5/ 125)، مواهب الجليل (4/ 427)، التاج والإكليل (6/ 331)، الفواكه الدواني (2/ 82)، حاشية الدسوقي (3/ 108).
وانظر في مذهب الشافعية، الوسيط (5/ 167)، المنثور في القواعد (2/ 150 - 151)، أسنى المطالب (2/ 56)، وقال في المهذب (1/ 287):«وإن اشترى عبدًا بشرط أنه كاتب، فوجده غير كاتب، أو على أنه يحسن صنعة، فوجده لا يحسن ثبت له الرد؛ لأنه أنقص مما شرط، فجاز له الرد» .
وفي مذهب الحنابلة، انظر المحرر (1/ 313)، وقال ابن قدامة في المغني (4/ 115):«إذا اشترط المشتري في البيع صفة مقصودة، مما لا يعد فقده عيبًا صح اشتراطه وصارت مستحقة يثبت له خيار الفسخ عند عدمها مثل أن يشترط مسلمًا فيبين كافرًا أو يشترط الأمة بكرًا أو جعدة أو طباخة أو ذات صنعة أو لبن أو أنها تحيض .... وما أشبه هذا، فمتى بان خلاف ما اشترطه فله الخيار في الفسخ والرجوع بالثمن أو الرضا به ولا شيء له. لا نعلم بينهم في هذا خلافًا; لأنه شرط وصفا مرغوبًا فيه فصار بالشرط مستحقًا. فأما إن شرط صفة غير مقصودة فبانت بخلافها مثل أن يشترطها .... جاهلة فبانت عالمة فلا خيار له ; لأنه زاده خيرًا» . وانظر مجموع فتاوى ابن تيمية (32/ 161).
(2)
قال في المحرر (1/ 313): «وإذا شرط صفة في البيع ككون العبد كاتبًا، أو خطيبًا، أو الأمة بكرًا، أو الفهد صيودًا
…
صح فإن بان بخلافه فله الفسخ، أو أرش فقد الصفة، وقيل: لا أرش إلا أن يمتنع الرد»، وانظر دليل الطالب (ص: 108)، شرح منتهى الإرادات (2/ 28)، مطالب أولي النهى (3/ 68)، منار السبيل (1/ 294).
(3)
المحلى مسألة (1463)(7/ 358).